x قد يعجبك أيضا

الشريك الأمريكى و«إسرائيل الكبرى»

الأحد 24 أغسطس 2025 - 7:25 م

لم يكن اتهام الخبير الاقتصادى الأمريكى جيفرى ساكس لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بأنه «تلاعب بالسياسة الخارجية الأمريكية وورطها فى حروب لا تنتهى فى الشرق الأوسط» مجرد توصيف عابر، بل كان تعبيرًا كاشفًا عن حجم النفوذ الذى تمارسه حكومة اليمين الإسرائيلى المتطرف داخل دوائر صنع القرار فى واشنطن. نفوذ دفع بعض المحللين إلى القول إن الولايات المتحدة باتت عاجزة عن ضبط شطحات تل أبيب، وأن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تخلت طوعًا عن موقع الوسيط لتتحول إلى شريك أصيل فى مشاريع الاحتلال والتوسع.

فى فبراير الماضى كتب الدبلوماسى الإسرائيلى السابق ألون بينكاس فى «هاآرتس» أن نتنياهو «المخادع والمتلاعب» لم يكن بالنسبة لدونالد ترامب سوى مصدر إزعاج.

ترامب «الانتهازى والبراجماتى» – بحسب بينكاس – لم يجد فى رئيس الوزراء الإسرائيلى فائدة تبرر الانحياز الأعمى له، لكن هذا التقدير لم يمنع استمرار «بيبى» فى التأثير على القرار الأمريكى بفضل قوة جماعات الضغط الموالية لإسرائيل داخل واشنطن، وهو ما لخصه ساكس فى مقابلته مع المذيع تاكر كارلسون حين قال: «نتنياهو أدخلنا فى حروب لا نهاية لها.. وبسبب قوة هذا النفوذ، وبفضل قوة اللوبيات المؤيدة لإسرائيل فى واشنطن فقد حقق هدفه».

ورغم أن ترامب أعاد نشر تصريحات ساكس على منصته «تروث سوشيال»، فى إشارة فسّرها البعض على أنها ضيق من انفلات نتنياهو وتجاوزاته التى أدت إلى تشويه صورته لدى الرأى العام، فإن ما جرى لاحقًا كشف أن رئيس الوزراء الإسرائيلى لا يزال ممسكا بخيوط النفوذ فى العاصمة الأمريكية.. نفوذ لا يستند فقط إلى تقاطع المصالح الأمنية والاقتصادية، بل إلى عقيدة استراتيجية راسخة تفرضها جماعات الضغط اليهودية – وفى مقدمتها «أيباك» – التى تحولت إلى لاعب رئيسى فى صياغة السياسات الأمريكية.

قبل أيام فتحت النائبة الجمهورية مارجورى تايلور جرين النار على منظمة «أيباك»، ووصفتها بأنها «القوة الأكثر تأثيرًا على أعضاء الكونجرس»، مشيرة إلى أن المنظمة لا تكتفى بتمويل الحملات، بل تصنع ولاء النواب منذ دخولهم عبر رحلات سنوية منظمة إلى إسرائيل.

جرين، التى باتت أقرب إلى خطاب الجناح التقدمى فى الحزب الديمقراطى، ذهبت أبعد من ذلك حين قالت إن الدعم العسكرى الأمريكى لإسرائيل يُستخدم فى «تمويل إبادة بحق الفلسطينيين».

تزامنت تصريحات جرين مع زيارة مثيرة للجدل لرئيس مجلس النواب مايك جونسون إلى مستوطنة أرئيل فى الضفة الغربية، والتى بشّر فيها المستوطنين بأن «الضفة هى خط المواجهة ويجب أن تكون جزءًا لا يتجزأ من إسرائيل حتى لو رأى العالم غير ذلك، فنحن ندعمكم».

وفى نفس الزيارة اطلع جونسون على خرائط ووثائق تتعلق بكيفية ضم الضفة الغربية، واستمع إلى خطط تكشف رؤية إسرائيل لفرض السيادة الكاملة على الضفة الغربية.

لم تمضِ أيام على هذه الزيارة حتى صادقت حكومة الاحتلال على خطة استيطانية كبرى تهدف إلى فصل القدس الشرقية عن الضفة الغربية وتقويض فكرة «حل الدولتين» فيما عرف بمشروع «E1 »، وهو ما تم تفسيره أن تل أبيب حصلت على الضوء الأخضر من واشنطن.

ورغم أن واشنطن لم تعلن بشكل رسمى مباركتها أو تبنيها للمشروع الاستيطانى الذى يقوّض الوحدة الجغرافية والسكانية لفلسطين، إلا أن وزير المالية الإسرائيلى بتسلئيل سموتريتش أعلنها صراحة: «كل ما نفعله فى الضفة يتم بتنسيق كامل مع نتنياهو وأصدقائنا فى الولايات المتحدة».

تصريح سموتريتش يفضح طبيعة التواطؤ بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، ويكشف أن ما يُسمى بـ«حل الدولتين» صار «مجرد وهم» – حسب وصف سفير واشنطن فى إسرائيل مايك هاكابى – وأن البديل الأمريكى المطروح هو تكريس لـ«إسرائيل الكبرى» وابتلاع ما تبقى من الأرض الفلسطينية.

قد يبدو توصيف ساكس بأن نتنياهو يتحكم بالكامل فى السياسة الخارجية الأمريكية مبالغًا فيه، لكن الواقع لا يبتعد كثيرًا عن هذا التصور، فدوائر النفوذ فى واشنطن باتت صهيونية تتبنى رؤية «إسرائيل الكبرى»، وتضع مصالح تل أبيب فوق أى اعتبار آخر، حتى لو أدى ذلك إلى تشويه صورة الولايات المتحدة أو تورطها فى حروب جديدة.

من هنا تبدو الحاجة ملحة إلى أن يعيد العرب النظر فى تعاملهم مع واشنطن. فالولايات المتحدة لم تعد وسيطًا محايدًا، ولا شريكًا استراتيجيًا يمكن التعويل عليه، بل هي طرف أصيل فى مخطط يستهدف تصفية القضية الفلسطينية وتفكيك المنطقة خدمة لمشروع استعمارى طويل الأمد.

 

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة