المنوفية تتشح بالسواد

الجمعة 4 يوليه 2025 - 7:25 م

•    «شيماء» رفضت أن تدخل الثانوية العامة ودخلت الثانوية الصناعية حتى لا تشق على أسرتها، ثم حققت أملها بدخول كلية الهندسة، كانت تعمل فى حصاد العنب لتساعد أسرتها وتوفر مصاريف الجامعة.

•    «هدير عبد الباسط» تدرس التمريض، رفضت أمها أن تعمل فى الصيف، لكنها أصرت على العمل فى حقول العنب لدفع المصاريف، كانت أحلامها أن تعمل ممرضة فى أكبر مستشفى ولكنها نقلت إلى المستشفى جثة هامدة.

•    «شيماء محمود» طالبة بكلية الآداب من أوائل دفعتها، كانت تقول لصديقاتها، إنها تتمنى أن تكون معيدة بالجامعة، ظروف أسرتها دفعتها للعمل فى جمع العنب، ولكن جبروت التريلا وسوء الطريق مزقا جسدها إربا.

•    «رويدا» ذهبت تجمع العنب لكى تجهز نفسها للزواج الذى اقترب موعده، ولكنها زفت للموت بعد كفاح عظيم.

•    حكايات وآهات وألم وبكاء ووجع مع كل تابوت، يمر فى شوارع القرية، مرتب كل واحدة فى اليوم ١٣٠ جنيهًا لا تكفى لشراء نصف كيلو لحم، يبدآن العمل فى السابعة صباحا بعد سفر طويل فى الشمس الحارقة من بداية الصباح وحتى العصر.

•    كل القصة حزينة ولكن الأمل مدفون بداخل الألم، فهذا رجل أعمال مصرى رفض الإفصاح عن شخصه تبرع بـ ٣٨ مليون جنيه لصالح أسر الضحايا بحيث تتسلم كل أسرة ٢ مليون جنيه ومعهم سائق الحافلة، ورجل أعمال آخر تبرع بعمرة لكل أسرة من أسرهم، تعاطف شعبى ورسمى غير مسبوق ومستحق لهذه الأسر الكريمة التى تكافح مع أولادها بشرف وعفة من أجل لقمة العيش الحلال، كفاح شريف ثم شهادة عظيمة.

•    ما ينبغى الانتباه له أن الطبقة الوسطى تعرضت لضربات شديدة فى العقود الأخيرة، وأن حال معظم الأسر المصرية شارف على هذه الحالة الاقتصادية المزرية، فالغلاء متواصل والدخل قليل والنفقات لا تتوقف، وأحيانا مرتب الموظف لا يكفيه لعلاج ابن واحد من أبنائه فحصا وعلاجا وتحاليل، رحماك ربى بهذه الأسر الشريفة المكافحة وسلامًا على الشهيدات العظيمات. 

•    آه من الوجع، آه من فجأة المصيبة، آه من لوعة الأب والأم لفقد زهرتهم الجميلة المكافحة فجأة ودون إنذار مسبق، زهرات صغيرة مكافحة لا ذنب لهن ولا جريرة، خرجن يعملن فى الحقول من أجل لقمة العيش، أجرهن زهيد، كل واحدة منهن تسعى لتجهيز نفسها للزواج أو لمساعدة أسرتها، يخرجن فى الصباح الباكر قبل السابعة صباحا، يركبن الميكروباص الذى يصطدم بتريلا لا ترحم رقتهن ولا أنوثتهن، وتحيل الميكروباص وسائقه إلى حطام وجثث.

•    18 زهرة جميلة رقيقة طيبة مكافحة يتحولن بين غمضة عين وانتباهتها إلى جثث بعضهن من أسرة واحدة، صحيح أنهن حصلن على وسام الشهادة، وهو أرفع وسام يمنحه الله للإنسان بعد وسام النبوة والصديقين، ولكن الألم الذى يعتصر أسرهن وكل مصر شديد لا تقوى عليه القلوب التى هدها ما تراه فى غزة ولبنان وإيران.

•    18 نعشا كل واحدة منهن فى سيارة إسعاف تنطلق عبر شوارع قرية كفر السنابسة بالمنوفية، السواد والحزن والألم يخيم على الجميع، ليس هناك بيت لم يتشح بالسواد ويظله الألم ويعلوه الحزن.

•    مشهد مهيب، عشرات الجثث فى توابيت يسير خلفها عشرات الآلاف، جنازة لم يحدث لها مثيل فى مصر منذ سنوات، كل القرى المجاورة جاءوا ليلاً لدفن هذه الزهرات، والجميع يهتف «الله أكبر» وكأنه يوم الحشر، لابد من حساب لكل من قصر، لابد من دراسة علمية لمثل هذه الحوادث، تكرارها أحد مآسى مصر، نشيعهم ونحزن فترة ثم تعود الأمور كما كانت.

•    الجميع يقر أن الطريق الإقليمى سيئ جدًا فى مقاطع كثيرة منه، كل من قطعه بسيارته يشهد بذلك، كنا فى غنى عن هذه المأساة، تريلات النقل والمخدرات أحد مآسينا المستمرة.

•    لا تدرى أنحزن على أهل فلسطين أم على حوادث الطرق أم على ما أصاب الوطن العربى المحطم أم على عربدة إسرائيل فى المنطقة، كلنا ألم ووجع وحزن.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة