روعة الحب - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 8:53 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

روعة الحب

نشر فى : الجمعة 28 يوليه 2023 - 8:40 م | آخر تحديث : الجمعة 28 يوليه 2023 - 8:40 م

عادة عندما نتحدث عن الحب يقفز إلى أذهاننا حب الرجل والمرأة، حتى لو لم نحدد ذلك التوجه، أما إذا أردنا أن نوضح غير ذلك مثل حب الأب للأبناء أو العكس، أو حتى أى من العلاقات الإنسانية الأخرى علينا أن نوضح وجهة نظرنا.
بالطبع لا يوجد ما يسمى بالحب العذرى بدون رجل وامرأة، وهذا الحب العذرى لا يتوقف على الجمال وإن كان مطلوبًا، ولا يتوقف على المال والثروة، أو غير ذلك من الشروط، لكن الحب العذرى يقتحمنا اقتحامًا سواء كنا مرتبطين أم لا، فالحب العذرى يولد معنا منذ طفولتنا. فالطفل ــ فى بلادنا الشرقية ــ يعجب دون إفصاح بزميلته فى الفصل الدراسى، وتعجب الفتاة أيضًا دون إفصاح بابن الجيران... إلخ.
ورغم ذلك فالأدب العربى والغربى مملوءان بقصص الحب العذرى كقصص قيس وليلى، عنتر وعبلة من الأدب العربى ومن الأدب الغربى روميو وجوليت.
هذا الحب العذرى يكون منزهًا عن أى غرض آخر غير الحب فى حد ذاته، ولا يهتم إلا بجمال الروح، فالحب العذرى هو الحب العفيف الطاهر الذى يتغنى به الشعراء وينظمون فيه قصائدهم فيما يسمى بالغزل العذرى، ويسمى أيضًا بالغزل البدوى، وهو من فنون الغزل والشكل الفنى للغزل يعبر فيه المحب كما قلنا عن معاناته فى الحب وآلام الحرمان من حبيبته والبعد عنها وهكذا تسود فيه العواطف الصادقة، والوفية تجاه محبوبته ويرفض فيه الشاعر وصف حبيبته وذكر محاسنها الجسدية فهو كما قلنا يكون منزهًا عن أى غرض آخر غير الحب فهو يعنى بالدرجة الأولى جاذبيتها، وجمال نظرتها، وإبراز مشاعره تجاهها.
كانت بداية نشأة الشعر العذرى فى أواخر العصر الجاهلى، حيث كانت بعض القبائل تنعم بالغنى والترف، وعند ظهور الإسلام ودخول الكثير من الناس فيه قل هذا النوع من الغزل بسبب توغل التقوى فى النفوس، لكنه عاد وازدهر بعد ذلك، وبلغت ذروته فى العصر الأموى، وكانت الحياة حينئذ مليئة باللهو والغنى والرفاهية، التى كانت سائدة فى ذلك الوقت.
عرف الغزل العذرى الذى يمثل الحب العذرى فى قبيلة بنى عذرة، ونسب إليها وارتبط اسمه بهم، وكانت هذه القبيلة تسكن فى اليمن ثم تفرق أفرادها فيما بعد فى البلاد الإسلامية ومنها الأندلس واشتهرت بكثرة عشاقها الذين اتصفوا بالعفة والفصاحة فى الحب، ونظموا القصائد الغزلية الرقيقة فيه، ويعود السبب إلى ارتباط هذا النوع من الغزل بقبيلة عذرة دون غيرها من القبائل العربية، لشهرتها بجمال النساء وعفة الرجال، ووجود البيئة الملائمة لظهور مثل هذا الغزل، بالإضافة إلى انحدار الشاعر المخضرم عروة بن حزام منها، وهو يعتبر من أوائل الشعراء البارزين فى هذا النوع من الشعر، والغزل العذرى هو تسمية حديثة أطلقها النقاد على هذا اللون من الحب الذى مثله هذا الغزل واشتهر بصدقه وعفته ونزاهته.
• • •
تميز شعر الغزل العذرى بخصائص ميزته عن غيره من الفنون الأدبية كالاكتفاء بمحبوبة واحدة حيث التزم الشاعر العذرى بمحبوبة واحدة دون الالتفات إلى غيرها، وتكريس الشعر للتغزل بها، والتعبير عن مشاعر الصدق والوفاء والإخلاص تجاهها، وبقاء القلب متيمًا وفيًا لها، حتى بعد زواجها وابتعادها عنه.
كما تميز أيضًا بوحدة الموضوع فأغلب هذه القصائد العذرية تبدأ بمقدمة غزلية بالمحبوبة، ووصف لعواطف الشاعر تجاهها بعبارات متناسقة وأسلوب تعبيرى جميل، ويليها فى الغالب موضوع البكاء على الأطلال، والحزن على فراق ورحيل المحبوبة.
وتميز أيضًا بالعفة والطهارة وهذه العفة التى اتصف بها هذا النوع من الشعر جعلته لا يحفل بجسد المحبوبة، وتوصيف محاسنها فى الشعر، فالغاية الأسمى فى الحب هى الشهوة الروحية والتى كانت تسمو فوق الشهوة الجسدية.
كما سيطرت النزعة التشاؤمية على الشعر العذرى فى وصفه لأحزان الشاعر وآلامه عند رحيل محبوبته، فكان يمضى أيامه بعدها بالترحال، ونظم الأشعار الحزينة، والبكاء على الأطلال.
ومن أشهر شعراء الحب العذرى جميل بن معمر العذرى، وكان يكنى بأبى عمرو وهو من قبيلة عذرة ومن أبرز شعراء العصر الأموى، حيث كان شاعرًا وفصيحًا ومن عشاق العرب المعروفين، عرف باسم «جميل بثينة» حيث أحب بثينة وهى من فتيات عشيرته، وهام بها عشقًا منذ الصغر، وقال فيها الشعر، حيث طلب من أبيها تزويجه إياها ولكنه رفض، خوفًا من الفضيحة حيث كان من العار عند العرب فى ذلك الزمان تزويج بناتهم لمن وقع فى حبهن، وتزويجهن من رجل آخر، لكن هذا لم يمنع جميل بثينة من نظم الشعر فيها وملاقاتها.
قلنا من قبل أن عروة بن حزام هو من أشهر شعراء الحب العذرى ويشتهر بقصته مع عفراء ابنة عمه التى أحبها منذ الصغر فطلبها من والدها، لكن حال فقر عروة وظروفه دون موافقة والدها، إذ غالى الأخير فى مهرها، وطلب عروة أن يضرب فى الأرض لعله يستطيع أن يجمع مهرها، فلم يتكاسل عروة وانطلق فى طلب مهر محبوبته، وعندما جمع مهرها وعاد ليتزوجها، أخبره عمه أن عفراء قد ماتت، فتحسر عليها.
حتى جاءه نبأ أنها لم تمت بل تزوجت بغنى من أغنياء الشام بإجبار من والدها، فسافر عروة إليها، وأقام عند زوجها الذى لم يكن يعرف بقصة الحب القديمة، ولم يخبر زوجته بوصول ابن عمها فما كان من عروة إلا أن وضع خاتمه فى إناء لبن، وبعث بالإناء إلى عفراء مع جارية لها، فعرفت عفراء أن عروة ضيف عند زوجها فالتقيا، إلا أن عروة غادر حرصًا منه على كرامة محبوبته وسمعتها، واحترامًا لزوجها الذى أكرم ضيافته.
ولا نستطيع أن نغفل شهرة قيس بن الملوح ومكانته فى الشعر العذرى حيث سمى بمجنون ليلى، وهى ابنة عمه التى نشآ وتربيا معًا فى بيئة واحدة، وهى بيئة نجد حيث كانا يرعيان المواشى فأحبها قيس وهام بها، وعندما طلبها للزواج رفض والدها، وهذا الرفض كان أمرًا طبيعيًا باعتباره عادة من عادات العرب فى الجاهلية، وقيل أن السبب فى هذا الرفض يكمن فى وقوع خلافات بين والديهما بسبب الميراث، وصادف فى تلك الفترة أن رجلًا غنيًا من ثقيف تقدم لخطبة ليلى فوافق والدها، وأجبرها على الزواج منه وما لبثت أن انتقلت معه إلى مدينة الطائف بعيدة عن قيس، وعندما علم قيس بذلك لم يحتمل، ففقد عقله وهام على وجهه فى صحارى الشام ونجد والحجاز يقول الشعر فى ليلى ويتغنى بحبه لها، ومن بعد ذلك لقب بـ«مجنون ليلى».
• • •
ها نحن قد كتبنا ــ عزيزى القارئ ــ عن الحب العذرى وروعته بل وصدقه فى القصص والأدب العربى والغربى وقد عرفنا أنه ظهر من قبل فى أشعار فى العصر الجاهلى ثم العصر الأموى ولكننا لا نعرف إذا كانت هناك قصصًا للحب العذرى فى عصرنا الحالى أم لا لذلك دعونا ننظر لقصة حب ربطت بين الكاتبة «مى زيادة» والكاتب «جبران خليل جبران»، وقد كانت أكثر هذه القصص التباسًا ومحلًا للجدل فهو من النادر جدًا أن يشهد تاريخ العشق علاقة حب اقتصرت على تبادل الرسائل لمدة عشرين عامًا دون أن يتقابل المحبوبان وجهًا لوجه أبدًا.
لقد كانت أم جبران هى السبب فيما حققه من مكانة وحضور إبداعيين وهكذا كان مدينًا لها فهى التى تركت الأب المتسلط المدمن على الخمر وهاجرت مع جبران وإخوته الثلاث إلى بلاد العم سام «أمريكا»، لكى تحقق لهم الأمان والمستقبل المضمون والأفضل وهو لا يخفى دورها.
لقد قال فى إحدى رسائله إلى حبيبته مى زيادة: «أنا مدين بكل ما هو أنا للمرأة، منذ كنت طفلًا وحتى الساعة. المرأة هى من فتحت النوافذ فى بصرى والأبواب فى روحى. ولولا المرأة الأم والمرأة الشقيقة والمرأة الصديقة، لبقيت هاجعًا مع هؤلاء النائمين الذين يشوشون سكينة العالم بغطيطهم».

أستاذ مقارنة الأديان
الاقتباس
الحب العذرى يكون منزهًا عن أى غرض آخر غير الحب فى حد ذاته، ولا يهتم إلا بجمال الروح، فالحب العذرى هو الحب العفيف الطاهر الذى يتغنى به الشعراء وينظمون فيه قصائدهم فيما يسمى بالغزل العذرى، ويسمى أيضًا بالغزل البدوى.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات