خمس حلقات متداخلة - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 مايو 2024 9:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خمس حلقات متداخلة

نشر فى : الجمعة 26 أبريل 2024 - 6:35 م | آخر تحديث : الجمعة 26 أبريل 2024 - 6:35 م

بمناسبة استعدادات فرنسا لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية لعام 2024م علينا أن نعرف أولًا كيف عرفت وبدأت هذه الدورات الرياضية تاريخيًا وأين؟

كانت الألعاب الأولمبية القديمة هى مزيج من مهرجانات دينية ورياضية تقام كل أربع سنوات فى حرم الإله زيوس فى جبل أوليمبوس باليونان. كانت المنافسة تتم بين ممثلى العديد من الدول وممالك اليونان القديمة. وكانت ألعاب القوى هى المنافسات الرياضية الرئيسية فى برنامج تلك الدورات، وكذلك كان البرنامج يتضمن الرياضات القتالية مثل المصارعة ورياضة بانكراتيو اليونانية، بالإضافة إلى مسابقات الخيل وأحداث سباق العربات. لقد كتب على نطاق واسع أنه خلال الألعاب، كان يتم تأجيل جميع النزاعات بين مدن الدول المشاركة حتى انتهاء الألعاب. عُرف وقف الأعمال العدائية هذا باسم السلام أو الهدنة الأولمبية. وقد سمحت الهدنة لأولئك الحجاج الدينيين الذين كانوا يسافرون إلى أولمبيا بالمرور عبر الأراضى المتحاربة دون مضايقة لأنهم كانوا محميين من قبل زيوس. إلا أن هذه الفكرة لاقت بعض النقد، حيث اعتبرها البعض ما هى إلا مجرد أسطورة حديثة لا أساس لها من الصحة، لأن اليونانيين لم يعلقوا حروبهم أبدًا ويكتنف أصل الألعاب الأولمبية الغموض والأساطير.
وواحدة من أكثر الأساطير شيوعًا تعتبر هرقل (هيراكليس) ووالده زيوس هم أسلاف ومؤسسو الألعاب الأولمبية. وفقًا للأسطورة، كان هيراكليس هو أول من أطلق على الألعاب تسمية «الأولمبية»، وأرسى تقليد عقدها كل أربع سنوات. وتستمر الأسطورة بسرد الأحداث بأنه بعد أن أكمل هيراكليس أعماله الإثنى عشر، قام ببناء الملعب الأولمبى تكريما لزيوس. وبعد الانتهاء من بنائه قام بالسير بخط مستقيم لمسافة 200 خطوة، وأطلق على هذه المسافة ستاديون، والتى أصبحت فيما بعد وحدة قياس للمسافة. التاريخ الأكثر قبولًا لبدء الألعاب الأولمبية القديمة هو 776 قبل الميلاد؛ يعتمد هذا التاريخ على النقوش الموجودة فى أولمبيا، والتى تُدرج أسماء الفائزين بسباق كان يقام كل أربع سنوات بدءًا من 776 قبل الميلاد. تضمنت الألعاب القديمة أحداث الجرى، الخماسى (القفز، رمى القرص، رمى الرمح، الجرى، والمصارعة، الملاكمة، بانكراتيو، وأحداث الفروسية). تقول التقاليد إن كوريبوس، وهو طباخ من مدينة إيلس، كان أول بطل أولمبى.
كان للألعاب الأولمبية بُعد دينى، حيث تضمنت الألعاب الأولمبية أحداثا رياضية جنبًا إلى جنب مع طقوس تقديم الأضحية والقرابين لكل من زيوس (حيث ينتصب تمثاله الشهير المصمم من قبل النحات فيدياس فى معبده فى أولمبيا) وبيلوبس البطل المقدس والملك الأسطورى لأولمبيا.
وكان للألعاب الأولمبية بُعد ثقافى حيث كان المؤرخون والشعراء والنحاتون يخلدون انتصارات الفائزين من خلال القصائد والتماثيل. كانت الدورات الأولمبية تعقد كل أربع سنوات، واستخدم اليونانيون هذه الفترة المعروفة باسم الأولمبياد كإحدى وحدات قياس الوقت.
• • •
بلغت الألعاب الأولمبية ذروة نجاحها فى القرنين السادس والخامس قبل الميلاد، لكن أهميتها بدأت بالتراجع تدريجيا وذلك تزامنا مع ازدياد سيطرة ونفوذ الرومان فى اليونان. على الرغم من عدم وجود إجماع علمى حول موعد انتهاء الألعاب رسميًا، إلا أن التاريخ الأكثر شيوعًا هو عام 393 ميلادية، عندما أصدر الإمبراطور ثيودوسيوس مرسومًا يقضى بإلغاء جميع العبادات والممارسات الوثنية. وهناك تاريخ آخر يتم الاستشهاد به بشكل شائع هو عام 426 ميلادية، عندما أمر الإمبراطور ثيودوسيوس الثانى بتدمير جميع المعابد اليونانية.
استحدث البارون الفرنسى بيير دى كوبرتان فكرة إقامة ألعاب أولمبية حديثة مستوحيًا هدفه فى التدريبات البدنية من الألعاب الأولمبية القديمة، واقترح إعادة الألعاب الأولمبية بشكل رسمى فى اجتماع اتحاد الجمعيات الفرنسية للرياضة والرياضيين فى باريس عام 1892م، على أن تُقام الألعاب كلّ 4 سنوات كما كانت بمشاركة دوليّة من جميع أقطار العالم ليعود بذلك تاريخ الأولمبياد، وبالفعل تأسّست اللجنة الأولمبية الدولية لرعاية وتنظيم الألعاب الأولمبية الحديثة.
ويسمى الشعار الأولمبى هنديتريس وهو مكتوب باللغة اللاتينية عند مدخل الملاعب التى تجرى فيها المباريات وهو CITIUS ALTIUS FORTIUS وتعنى «أسرع، أعلى، أقوى». وتشير إلى روح المنافسة التى تلهب المتبارين المشاركين فى الألعاب الأولمبية.
تم اقتراح هذا الشعار من مؤسس دورة الألعاب الأولمبية الحديثة كما نعرفها فى وقتنا هذا. وقد تأسست اللجنة الأولمبية الدولية سنة 1894م. وقد أخذ بيير دى كوبرتان هذا الشعار من صديقه هنرى دايدون الذى كان راهبا مسيحيا من الرهبنة الدومينيكانية، وتم استعماله أول مرة فى الأولمبياد الصيفية فى باريس سنة 1924م .
شعار دورة الألعاب الأولمبية الذى يتم استعماله فى العلم الأولمبى وهو عبارة عن خمس حلقات متشابكة مختلفة الألوان ترمز كل واحدة منها إلى واحدة من القارات الخمس المشاركة فى الأولمبياد. والألوان هى الأحمر، والأسود، والأزرق، والأخضر، والأصفر وخلفها خلفية بيضاء، يرمز كل لون إلى قارة فالأحمر يرمز إلى أمريكا، والأسود إلى إفريقيا، والأزرق إلى أوروبا والأخضر إلى أوقيانوسيا، والأصفر إلى آسيا. وقد صمم بيير دى كوبرتان هذا العلم سنة 1912م. وكانت دورة الألعاب الأولمبية سنة 1914 قد تم إلغاؤها بسبب الحرب العالمية الأولى. لذلك تم رفع العلم لأول مرة خلال الألعاب الأولمبية صيفية 1920 فى بلجيكا.
وقد تم تصميم العلم بحيث يرمز إلى أن كل دول العالم وكل الناس فى العالم مرحب بهم دون النظر إلى التفرقة العنصرية، ويذكر أن ألوان العلم الأولمبى تظهر على كل أعلام الدول فى العالم. وقد أوضح كوربيتان أن الألوان التى اختارها للعلم أى الحلقات مع الخلفية البيضاء، ترمز إلى ألوان جميع دول العالم بتاريخ 1913م. وهكذا بدأ التقليد الحديث بنقل الشعلة الأولمبية من اليونان إلى المدينة المستضيفة لأول مرة فى أولمبياد برلين 1936م وتكون قبل أن تبدأ دورة الألعاب، وقبل إضاءة الشعلة الأولمبية حيث تتم العملية باستعمال أشعة الشمس التى تتركز بواسطة عاكس قوى لضوء الشمس تماما كما أضاءها قدماء اليونانيين، ويتم ذلك فى موقع الألعاب الأولمبية القديمة فى أولمبيا القديمة فى اليونان. ثم يتم أخذ الشعلة من اليونان إلى البلاد أو القارة التى تقام فيها دورة الألعاب. ويتم حمل الشعلة الأولمبية من قبل الرياضيين والقادة والمشاهير والناس العاديين على حد سواء لتتابع الشعلة يوم حفل الافتتاح عندما تصل إلى الملعب الرئيسى حيث تستخدم لإشعال المرجل الذى يقع فى مكان بارز من الملعب، للدلالة على بداية الألعاب رسميًا.
وقد تم استخدام أول تعويذة فى الأولمبياد الشتوية سنة 1968م فى غرونوبل فرنسا، ومنذ ذلك العام بدأ هذا كتقليد للمدن المستضيفة. وتعبر التعويذات عن حيوانات فى تلك المنطقة أو رموز ترمز إلى ثقافة وحضارة الشعب الذى يسكن المنطقة والمدينة المستضيفة. فى يومنا هذا، معظم المبيعات للدورات الأولمبية هى ألعاب قماش وألعاب فيديو ورسومات وصور للتعويذة التى تمثل تلك الدورة.
• • •
ونعود الآن لفرنسا عام 2024م، فمنذ عام 1924م إلى 2024م حدثت تغييرات كثيرة فباريس ستشهد حفلًا لم يشهده أحد من قبل، فحفل افتتاح الألعاب الأولمبية سينظم لأول مرة فى تاريخ الأولمبياد خارج الملعب، وسيكون استثنائيا، مع عروض مائية مذهلة على نهر السين يشارك فيها 10.500 رياضي، على متن 160 قاربًا تقريبًا من جميع الأنواع والأحجام. وقد ينضم هذا الحفل إلى أكثر اللحظات الخالدة فى تاريخ الألعاب.
ففى 26 يوليو 2024م، الساعة 8:24 مساءً، يغادر قارب الوفد اليونانى جسر أوسترليتز ليصل إلى جسر إينا، مستهلاً حفل الافتتاح الأضخم للألعاب الأولمبية. وهكذا تستمر الأنشطة على مدى 16 يومًا.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات