دولة واحدة تحتوي الجميع.. الحل الأمثل للقضية الفلسطينية من منظور تاريخي وأخلاقي - سامح مرقص - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 11:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دولة واحدة تحتوي الجميع.. الحل الأمثل للقضية الفلسطينية من منظور تاريخي وأخلاقي

نشر فى : الأحد 21 يناير 2024 - 8:05 م | آخر تحديث : الأحد 21 يناير 2024 - 8:05 م
تاريخ الماضى ينير تاريخ الحاضر، إرنست ديمنت (كاتب فرنسى).
إذا علّمنا التاريخُ والعلم أى شىء، فهو أن العاطفة والرغبة لا تعبران عن الحقيقة (إدوارد ويلسون، عالم أحياء أمريكى).
عندما يُمحَى التاريخ، تُمحى أيضا القيم الأخلاقية (ما جيان، كاتب بريطانى من أصل صينى).
• • •
لقد حان الوقت للدعوة إلى حل الدولة الواحدة كبديل أفضل من حل الدولتين، ونقله من هامش النقاش إلى المركز لأسباب تاريخية وأخلاقية، وقد أثبت المؤرخون المعاصرون أن أصول الشعبين الإسرائيلى والفلسطينى كانت فى أرض كنعان القديمة (منطقة تضم فلسطين وسوريا وغرب نهر الأردن وبعض الدول المجاورة). وهذه الحقيقة التاريخية أقرها العديد من المفكرين اليهود، ومن بينهم إسحق بن تسفى، المؤرخ الصهيونى والزعيم العمالى، والرئيس الثانى لإسرائيل من عام 1952 حتى وفاته عام 1963، وديفيد بن جوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، الذى قال فى عدة مناسبات أن فلاحى فلسطين ينحدرون من سكان مملكة يهودا القديمة فى جنوب كنعان.
ولا بد من التوضيح أن الصهيونية هى فكرة حديثة تقوم على الإيمان الدينى بأن اليهود هم شعب الله المختار وأن فلسطين هى أرض الميعاد. هذه الفكرة طرحها منذ حوالى 125 عاما الصحفى النمساوى، تيودور هرتزل، فى المؤتمر الصهيونى الأول الذى عقد عام 1897 فى بازل بسويسرا، والذى دعا فيه إلى إقامة دولة قومية يهودية فى فلسطين ردًا على اضطهاد اليهود فى أوروبا وروسيا القيصرية. وهنا لابد من الإشارة إلى أن اليهود فى فلسطين والدول العربية لم يعانوا من أى اضطهاد قبل قيام دولة إسرائيل عام 1948.
وإذا تمسكنا بالتاريخ الحقيقى لهذه المنطقة والقيم الأخلاقية السامية فإن الحل الأمثل والعادل كبديل للفكر الصهيونى الاستعمارى هو إقامة دولة علمانية واحدة تضم الجميع بموجب قوانين عادلة دون تمييز عنصرى أو دينى، مع احترام الهوية الفلسطينية والإسرائيلية والحق فى ممارسة الشعائر الدينية بحرية، ولكن دون فرض أو إرهاب.
إن إقامة الدولة الواحدة، وهو ما يعنى دمج إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة فى دولة واحدة كبيرة، ليس حلا خياليا، بل يعتمد على حقائق تاريخية، وقد تبنته منظمة التحرير الفلسطينية كهدف لها فى عام 1969. بينما فى عام 2007، وجد استطلاع للرأى أجرته شركة «استشارات الشرق الأدنى» للشعب الفلسطينى أن «70٪ يؤيدون حل الدولة الواحدة خاصة بين العلمانيين صغار السن. كما أن عددا من الخبراء فى قضايا الشرق الأوسط يدعون إلى هذا الحل، مثل فيرجينيا تيلى، أستاذة العلوم السياسية فى جامعة جنوب إلينوى، كاربونديل، الولايات المتحدة فى كتابها «حل الدولة الواحدة: اختراق للسلام فى المأزق الإسرائيلى الفلسطينىى»، الصادر عام 2010. ومؤخرا، دعا مقال للباحث، سامر الشهابى، فى مركز الدراسات العربية بالولايات المتحدة إلى الاهتمام بفكرة إقامة دولة ديمقراطية واحدة يمارس فيها جميع المواطنين حقوقهم ويؤدون مسئولياتهم كأفراد متساوين فى المجتمع.
كما أن حل الدولة الواحدة يعد واجبا أخلاقيا لتحقيق مستقبل ينعم بالسلام والأمن للشعبين الإسرائيلى والفلسطينى، خاصة أن العيش فى أمان فى هذه المنطقة لن يتحقق مع فشل حل الدولتين، ومن أسباب انهيار هذا الحل استمرار إسرائيل فى بناء المستوطنات والتهجير القسرى للسكان الفلسطينيين، مما أدى إلى تغيير الوضع الديموغرافى، حيث يعيش الآن أكثر من 700 ألف إسرائيلى فى الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهو ما يجعل تنفيذ تقسيم هذه الأرض صعبا للغاية، علاوة على إحجام إسرائيل عن التنازل عن سيطرتها على الأراضى الرئيسية.
وعلى الرغم من التحديات التى ستواجه حل الدولة الواحدة، إلا أنه يحمل فى طياته وعدا بسلام دائم لا يقوم على الفصل والانفصال، بل على أسس العدالة والاحترام المتبادل، وإقامة نظام سياسى يمنع هيمنة مجموعة على أخرى، وهذا مثل الأنظمة التوافقية فى بلجيكا وكندا وجنوب إفريقيا، التى استطاعت ممارسة المصالحة الوطنية وصياغة هوية تشمل الجميع. ويتطلب نجاح حل الدولة الواحدة دراسات موضوعية واسعة حول كيفية دمج نظامين قانونيين وتعليميين متميزين، وتنسيق السياسات الاقتصادية لسد الفجوات وتعزيز النمو العادل، وكيفية بناء جهاز أمنى مشترك يحترم حقوق ومصالح كلا المجتمعين، والاستعداد لقبول حلول وسطية. ويجب أيضا أن يشارك المجتمع المدنى جنبا إلى جنب مع القادة السياسيين، بحيث يكون من الواضح أن الدولة الواحدة لا تسعى إلى محو الهوية الإسرائيلية أو الفلسطينية، بل تهدف إلى نسجهما فى قصة وطنية متماسكة وشاملة حتى لا يكون التنوع مصدر انقسام، بل أساس قوة، وربما اختيار اسم «دولة كنعان»: الذى يمثل الحقيقة التاريخية قد يكون مقبولا من قبل الجميع.
حاليا، هناك اهتمام عالمى بالقضية الفلسطينية بعد المجازر الأخيرة التى ارتكبتها حماس فى إسرائيل والحرب المستمرة بشراسة فى غزة، وتُحاكم «إسرائيل» هذه الأيام أمام محكمة العدل الدولية، فى لاهاى بهولندا، بسبب الدعوى القضائية التى رفعتها جنوب أفريقيا، والتى تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية فى غزة. علاوة على ذلك، يجب أن تتضافر جهود الحركات المدنية حول العالم وداخل إسرائيل لرفع دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل بإخفاء التاريخ الحقيقى للمنطقة، وأن ما بنى على باطل فهو باطل وغير شرعى، وأن قيام دولة إسرائيل عام 1948 تسبب فى كارثة وجودية للشعب الفلسطينى، وهذا ما أكده أيضا شلومو ساند، أستاذ التاريخ فى جامعة تل أبيب، فى كتابه المهم «اختراع الشعب اليهودى» الصادر عام 2010، إذ أوضح فيه أنه لا يوجد شعب يهودى واحد، واليهودية هى حضارة دينية وليست ثقافة وطنية، وإن ما وحد اليهود عبر التاريخ هو مكونات عقائدية قوية وممارسة الطقوس القديمة، كما دعا المثقفين العرب والإسرائيليين إلى نفض الغبار عن المسلمات التاريخية البالية وخلق فهم تاريخى حديث أكثر صدقا وتوافقا مع القرن الحادى والعشرين.
فى الختام، علينا أن نتوقع صعوبات واعتراضات شديدة على حل الدولة الواحدة، بل واتهام هذا الحل بأنه دعوة لإبادة إسرائيل وتشريد الشعب الإسرائيلى، وجعل اليهود أقلية فى هذه الدولة، مع أن جوهر هذا الحل هو تحقيق المساواة المطلقة، وتسوية الانقسام العنصرى التاريخى، والالتزام بخلق نموذج عادل للمواطنة. ولكن على الرغم من شده الصعوبات وتعقيداتها، هناك حاجة إلى الاعتراف بقوة الأمل وقدرة الإنسان على التغيير. ونأمل أن تصبح الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة الجديدة باسم كنعان رمزا للتعايش والمصير المشترك، ومنارة للسلام فى منطقة ظللها الصراع والمعاناة لفترات طويلة.
التعليقات