الإعلام «الدافئ»! - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 4:21 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإعلام «الدافئ»!

نشر فى : الجمعة 18 يناير 2019 - 8:30 م | آخر تحديث : الجمعة 18 يناير 2019 - 8:30 م

يوما بعد يوم، تزداد قناعة الكثيرين فى مصر، بأن العديد من الإعلاميين والصحفيين الذين يتصدرون المشهد، هم أشد ضررا وايذاء للسلطة الحالية، بسبب المبالغة التى تصل إلى حد التملق، لكل فعل أو قرار أو مبادرة تقدم عليها، الأمر الذى يأتى دائما بنتائج عكسية، مثلهم فى ذلك مثل الدبة التى قتلت صاحبها من فرط خوفها عليه أو حبها له!.
الأسبوع الماضى، أمر الرئيس السيسى الأجهزة المعنية بتوفير جميع ما يلزم من رعاية صحية واجتماعية إلى سيدة مسنة تدعى «الحاجة صفية»، كانت تقيم فى الخلاء بجوار محطة سعد زغلول بمنطقة المنيرة وسط القاهرة، عندما علم بحالتها الصعبة من مواقع التواصل الاجتماعى.
لفتة إنسانية كريمة لا يمكن لأحد المجادلة فيها أو التقليل من شأنها، بل وتستحق الشكر والثناء والتقدير، خصوصا عندما نشرت على مواقع التواصل الاجتماعى، صورا للسيدة المسنة قبل نقلها إلى إحدى دور الرعاية، وهى جالسة وسط كراكيب وحطام بسيطة، تحاول الاستعانة بها للتغلب على برودة الطقس وسوء الأحوال الجوية التى تتعرض لها البلاد فى الوقت الحالى.
التناول الإعلامى لهذه اللفتة الرئاسية، انقسم إلى قسمين.. الأول حرص عليه عدد قليل من الإعلاميين «القابضين على الجمر»، والذين يصرون على التمسك بالمهنية وقواعدها فى هذا الوقت الصعب، الذى تنخفض فيه الأسقف وتزداد القيود، حيث تعاملوا مع الخبر فى اطاره الصحيح، وعرضوه من دون مبالغة أو تضخيم، ايمانا منهم بأن الرسالة التى يحملها، تستطيع أن تصل إلى الجميع من دون «مكسبات طعم أو رائحة»!
أما القسم الثانى من الإعلاميين، وهم للأسف يمثلون الأغلبية التى تتصدر الشاشات ليلا، فأرادوا وضع «التاتش» الخاص بهم على قصة «الحاجة صفية»، ومنهم مقدم البرامج هذا، الذى هبط على سطح الفضائيات فجأة، حيث قال من ضمن ما قال: «السيسى رئيس بدرجة إنسان.. وقراره أشعرنى بالدفء فى عز الشتاء.. والله دفانا كلنا فى عز البرد، محدش يستغرب من كلامى دى الحقيقة.. أنا بكيت من الفرحة».
بمجرد ان تناقلت المواقع الاخبارية هذا الكلام، حتى هبت عاصفة من النكات والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعى، جعلت الجميع ينسى القصة الرئيسية الإنسانية ويركز على ما قاله المذيع الذى اراد «التجويد» أكثر من اللازم، لكنه ومن دون أن يدرى، وجه طعنة قوية لهذه اللفتة الرئاسية، وجعلها هدفا للسخرية.
التعامل مع اللفتة الرئاسية تجاه «سيدة الصقيع» وكأنها «فتح مبين»، وعدم وضعها فى اطارها الصحيح، أتى بنتائج عكسية كثيرة، وأفرز على الفور ردود فعل غاية فى السلبية، خصوصا عندما شعر الناس بأن هؤلاء الإعلاميين، ليسوا أكثر من «حملة مباخر» و«قارعى طبول» للسلطة، لا هم لهم سوى تملقها وخطب ودها ومحاولة ارضائها بكل السبل والوسائل.
كثيرا ما يشتكى المسئولون من ان الإعلام لا يقوم بواجبه فى التوعية والتحفيز ومساندة جهود الدولة فى مسيرة البناء والتنمية، أو أنه يتسبب فى حدوث أزمات بلا طائل مع دول أخرى، عند تناوله لأى قضية على صلة مباشرة بمصر.
الشكوى بالتأكيد لها وجاهتها ومبرراتها، لكننا عندما ننظر بتمعن وهدوء وتجرد إلى هذا الوضع، سندرك على الفور أن هذا الإعلام الذى تحمله الحكومة وزر كل الخطايا والأخطاء التى تقع، هو الإعلام المحسوب عليها أو القريب للغاية منها، والذى يتحدث فى أغلب الأحيان باسمها. هذا الإعلام هو الذى تم اسناد منصاته وفتح نوافذه لهواة غير محترفين لا يعرفون شيئا عن قواعد المهنة، ولا يتمتعون بأى مقومات، سوى عزف اللحن الذى تريد الدولة سماعه.
إذا أردنا ان يكون لدينا إعلام حقيقى قادر على الدفاع عن مواقفنا وقضايانا المهمة، فيجب اسناده للمحترفين حتى لو كانت لهم آراء مختلفة، وان يتم رفع القيود المفروضة والسقف المنخفض للغاية فى تناول جميع القضايا التى تمس المواطنين، ونسيان الرغبة الجامحة فى ان يتحدث الجميع بلغة واحدة فاقدة للتنوع.. فهذا الأمر هو ما يدفع الكثيرين إلى الهروب لمنصات أخرى تقدم لهم «السم فى العسل».

التعليقات