الإرهاب الإسرائيلى الصهيونى.. وكشف عورات الغرب - عبد المنعم المشاط - بوابة الشروق
الأحد 5 مايو 2024 9:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإرهاب الإسرائيلى الصهيونى.. وكشف عورات الغرب

نشر فى : الخميس 25 أبريل 2024 - 7:50 م | آخر تحديث : الخميس 25 أبريل 2024 - 7:50 م

فى خضم حرب الإبادة الجماعية والتجويع المتعمد والتهجير القسرى والتخويف التى تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين والفلسطينيات بصورة ليس لها مثيل فى تاريخ الإنسانية، تثور أسئلة فكرية وسياسية واستراتيجية مشروعة حول المساندة الغربية (أوروبا والولايات المتحدة) بالسلاح والذخيرة والمال دعما لإسرائيل فى مواجهة مقاتلى حماس والذين قدرتهم إسرائيل ذاتها بحوالى 30 ألفا، فهل يعجز الجيش الإسرائيلى - المصنف الثامن عشر على مستوى العالم- عن مواجهتهم بصورة دفعت الولايات المتحدة وبريطانيا إلى إرسال حاملات طائرات وقوات خاصة، وتفتح مخازن أسلحتها وذخيرتها الحديثة، وأضيفت إليهما ألمانيا ودول أخرى- أعضاء فى حلف الناتو- لتزويد إسرائيل بالذخائر ومليارات الدولارات؟ أم أن هناك أهدافا أوسع بكثير من مجرد مواجهة مقاتلى حماس الذين يستهدفون تحرير أراضيهم التى تحتلها إسرائيل؟

لكى تتضح أهداف ومبررات هذا التواجد العسكرى الغربى فى شرق المتوسط بالقرب من غزة الفلسطينية وإسرائيل «اليهودية» علينا أن نبدأ بتحديد بعدين هامين؛ الأول، الإرهاب الإسرائيلى الصهيونى، والثانى عورات الغرب والتى فجرتها حرب إسرائيل العنصرية ضد الفلسطينيين الأبرياء من رجال ونساء وأطفال ومسنين دون اعتبار لأية أسس وقواعد دولية.

•  •  •

التعريف البسيط للإرهاب، هو التخويف المتعمد للسكان أو الحكومات وإكراههم من خلال التهديد أو ارتكاب العنف الذى يؤدى إلى القتل. وقد درجت الولايات المتحدة وأوروبا على التهويل فى وصف إرهاب الجماعات المنشقة عن الإسلام مثل القاعدة وداعش وبوكو حرام وشباب الصومال وغيرها «بالإرهاب الإسلامى» دون تمييز بين هذه الجماعات من ناحية والإسلام من ناحية أخرى، مما خلق صورة نمطية عن الإسلام والمسلمين بأنهم إرهابيون، ولن نقع فى هذا التشويه المتعمد حين نصف ما تقوم به إسرائيل سواء جيشها أو المنظمات الإرهابية المرتبطة ببعض وزرائها فى غزة أولا ثم فى الضفة الغربية ثانيا، من إرهاب منظم بأنه «إرهاب يهودى»، فهناك بالقطع يهود كثيرون فى العالم لا يتفقون مع المذابح التى ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطينى، وهكذا فإن توصيف ما تقوم به إسرائيل هو الإرهاب ذاته، ومن المعلوم أن الإرهاب إما أن تقوم به منظمات ومجموعات شاردة، أو ترتكبه الدول، وقد استهدف الإرهاب الإسرائيلى الصهيونى كلا من الفلسطينيين والمنتقدين للإرهاب الإسرائيلى داخل الغرب.

ومما يلفت النظر أن الغرب يستخدم مصطلح الدولة «المارقة» Rogue State لوصف دول مثل كوريا الشمالية وسوريا وفنزويلا استنادا إلى أنها تتبع سياسات لا تتفق مع القانون الدولى وتمس حقوق الإنسان، بالرغم من أن هذه الدول وغيرها لم تقم بتهديد سيادة أية دول خصوصا جيرانها ولم تستخدم القوة ضد أى طرف دولى، فى حين أن إسرائيل تخرق جميع القواعد الدولية المستقرة فى القانون الدولى، والقانون الدولى الإنسانى، وكافة قواعد حقوق الإنسان بما فيها الحق فى الحياة واتفاقيات جنيف، فهى تحتل أراضى فلسطين منذ عام 1967، والجولان السورية، ومزارع شبعا اللبنانية، ويصرح متطرفوها بحقوق إقليمية Territorial  فى الأردن والعراق والسعودية، كما لم تنصاع لما طالبتها به محكمة العدل الدولية بمنع ارتكاب الإبادة الجماعية أو التحريض عليها ضد سكان غزة، ومع ذلك لم يجرؤ الغرب على وضع إسرائيل فى قائمة الدول المارقة أو حتى الشاردة، على العكس تماما فالغرب يدعمها عسكريا وماليا لاستكمال مشروع الإبادة الكاملة للفلسطينيين والفلسطينيات فى غزة كاختبار يمكن تكراره فى الضفة الغربية.

فما هو السر وراء هذا الخنوع الغربى لإسرائيل والخوف من مجرد انتقادها فى القيام بعمليات الإبادة الجماعية، والاستعداد لتدمير رفح بمن فيها حيث يتجمع بها الفلسطينييون الذين أكرهوا على الفرار من شمال القطاع إلى رفح، ويطالب الغرب إسرائيل بتقليل الخسائر المدنية وليس عدم الهجوم البرى عليها؟!

•  •  •

كشفت حرب الإبادة الجماعية التى تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين بدعم ومساندة ومشاركة الغرب عن عورات النظم السياسية الغربية. وأولها ذلك التحالف غير المقدس بين إسرائيل والمسيحية الصهيونية فى الغرب، هذا التحالف الذى يقود عملية صنع القرار فى الدوائر الرسمية، وفى الحياة الأكاديمية وفى القوة الناعمة بكافة صورها، وليس خافيا على أحد تنافس مرشحى الرئاسة الأمريكية فى تأكيد الولاء لإسرائيل والسعى إلى رضاء تلك القوى المسيحية الصهيونية، ويحدث نفس الشىء بالنسبة لمرشحى الكونجرس بمجلسيه، والعجيب أن مستشار ألمانيا صار أكثر صهيونية فى دعمه لحرب الإبادة الإسرائيلية من رؤساء آخرين.

لقد مضينا عقودا نعلم طلابنا أهمية التجربة الديمقراطية الغربية فى إرساء أولوية الاعتبارات الوطنية فى عملية صنع القرار وكيف تلعب المؤسسات دورا فاعلا فى صيانة القيم العليا لتلك النظم. وتكشف حرب الإبادة الإسرائيلية الصهيونية كيف تتحكم قوى المسيحية الصهيونية فى تلك المؤسسات إما طوعا أو جبرا فى كافة عمليات صنع القرار المتعلقة بالشرق الأوسط وإسرائيل، علينا أن نعتذر لطلابنا وإن كنا نود أن ننقل إليهم خلاصة رأى توينبى فى دراسته للحضارات: صعودها وسقوطها، إذ يرى أن الحضارة تسقط حين تتخلى عن القيم العليا التى أنشئت على أساسها، وكشفت حرب الإبادة الإسرائيلية أن الغرب تخلى عن قيم الحق والعدل وحتى الحرية فى مساندته ودعمه إسرائيل.

أزاحت حرب الإبادة الإسرائيلية الصهيونية كذلك الغطاء عن عورة اندثار حرية التعبير عن الرأى فيما يتصل بالعدوان الإسرائيلى فى المؤسسات الأكاديمية. حيث هدد المسيحيون الصهاينة وأثرياء «اليهود» الشباب الجامعى لمجرد أنه ينادى بحماية الفلسطينيين من حرب الإبادة، منع الطلاب من التظاهر، وتم تهديدهم بالبطالة عند التخرج، وأجبرت قيادات جامعية منتخبة على الاستقالة، وتوقف التمويل التطوعى لجامعات كبرى، إرهاب لا مثيل له ولا راد له.

انتقل ذات الإرهاب إلى صناعة الترفيه، حيث رأى المشاهير من «اليهود» غير الصهاينة مثل جوناثان جلازر أن الاحتلال بغيض وغير إنسانى، وقامت الدنيا ضده ولم تقعد بعد، ورغم ذلك، وبشجاعة منقطعة النظير يقوم بجمع تبرعات للخدمات الطبية فى غزة والتى دمرتها تماما قوات الاحتلال الإسرائيلى، وقد عقدت اجتماعات مكثفة بين المسيحيين الصهاينة، وقيادات «يهودية» فى أنحاء عديدة بالولايات المتحدة للتنديد «بمعاداة السامية»، وهو افتراء يقصد به تقويض أية محاولات لانتقاد إسرائيل كقوة احتلال غير قانونى ودولة إرهاب بامتياز.

لقد تعرت وسائل التواصل الاجتماعى والإعلام المرئى فى تأييدها الأعمى للحرب الضروس التى تشنها إسرائيل والدول الكبرى المساندة لها ضد الشعب الفلسطينى، وكانت تلك الوسائل قد تبنت الرواية الإسرائيلية ضد مقاتلى حماس، كما اتضح انحيازها التام لإسرائيل فى تغطية الإرهاب الإسرائيلى الصهيونى سواء فى شمال قطاع غزة أو فى مخيمات اللاجئين أو فى المستشفيات أو التجويع والتخويف والتهجير القسرى، وحتى حينما حاولت أن تستجيب للمشاعر المؤيدة للفلسطينيين فإنها – ودولها- تطلب من إسرائيل ليس هدنة دائمة وإنهاء الحرب وإنما فقط السماح بدخول الأغذية والأدوية تجنبا للمجاعات.

•  •  •

يتجذر الإرهاب الإسرائيلى الصهيونى فى رؤى إسرائيل لمستقبلها واستراتيجيات تحقيقها، وبنية مؤسساتها التى تكن العداء المطلق لكل ما هو غير يهودى أو من «الأغيار» ويتجذر كذلك فى عملية صنع القرارات إزاء الشعب الفلسطينى ووطنه وهويته وحياته، ويتبقى تطوران يختبران مدى سيطرة المسيحية الصهيونية على العالم، ومدى تعمق عورات الغرب، أولهما: هل سينادى الغرب بوقف الحرب الشريرة ضد الفلسطينيين والفلسطينيات؟، وثانيهما هل سيقبل الغرب بعضوية فلسطين فى الأمم المتحدة؟

لن يستر عورات الغرب سوى التحرر من سيطرة تحالف إسرائيل مع المسيحية الصهيونية، وسيطرته على مفاصل السياسة والحكم فى الغرب.

عبد المنعم المشاط أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات