حرب الزعامات فى ليبيا - صحافة عربية - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 5:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حرب الزعامات فى ليبيا

نشر فى : الأحد 15 يوليه 2018 - 9:15 م | آخر تحديث : الأحد 15 يوليه 2018 - 9:15 م

تمثل الحالة الليبية استثناء كبيرا بالنسبة للدول العربية، التى شهدت تطورات سياسية مفاجئة مع بداية سنة 2011؛ وذلك نتيجة لضعف مؤسسات الدولة المركزية، التى جرى بناؤها بعد الاستقلال عن الاستعمار الإيطالى، والتى تمت إعادة هيكلتها غداة الانقلاب العسكرى، الذى قاده العقيد القذافى فى الفاتح من شهر سبتمبر 1969، وقد أسهم مقتل القذافى خلال الشهور الأولى من اندلاع أحداث ما بات يعرف فى ليبيا بثورة 17 فبراير، فى انهيار كل التوازنات القبلية والمناطقية، التى كانت قائمة، وفى دخول ليبيا دوامة من الفوضى السياسية العارمة الناجمة عن حرب الزعامات بين مختلف المناطق والقوى السياسية المؤثرة فى المشهد الداخلى، كما أسهمت الأجندات الدولية والإقليمية المتعارضة فى إفشال كل محاولات التسوية السلمية، التى قادتها الأمم المتحدة، ومنظمة الوحدة الإفريقية وجامعة الدول العربية.
ويكمُن عنصر المفارقة الكبرى فى تجليات الأزمة الليبية الراهنة، فى أنه وخلافا للاضطرابات، التى كانت بعض دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مسرحا لها خلال السنوات الأخيرة، فإن الصراع فى ليبيا لم يعد قائما بين النظام والمعارضة؛ ولكن بين حكومتين وعاصمتين متعارضتين، وبخاصة بعد انتخابات سنة 2014 التى أفرزت تمثيلا برلمانيا جديدا رفضه النواب المنتهية ولايتهم، ونجم عن ذلك استقطاب حاد وانقسام للدولة بين مرجعيتين سياسيتين واحدة فى طبرق والأخرى فى طرابلس. وأدت هذه الوضعية الغريبة إلى انهيار اقتصادى شبه كلى وإلى تفتيت مراكز السلطة، كما نجم عنها شلل فى العديد من المؤسسات المالية والخدماتية للدولة؛ بسبب تعيين شخصيتين مختلفتين فى المنصب نفسه، كما الشأن بالنسبة لمصرف ليبيا المركزى.
وبالتالى فإنه وبالرغم من الاتفاق السياسى، الذى أبرم سنة 2015، والذى أسهم فى تشكيل حكومة الوفاق الوطنى والمجلس الرئاسى فى طرابلس، إلا أن الخلاف بين الأطراف المتصارعة ما زال على أشده؛ لأسباب عديدة قد يكون من أبرزها افتقاد حكومة فايز السراج، التى تحظى باعتراف دولى، إلى مؤسسات أمنية متجانسة وخضوعها فى عدة مناسبات إلى ابتزاز الميليشيات المسلحة، التى تتبنى فى غالبيتها الساحقة أجندات جماعات الإسلام السياسي؛ وترفض بالتالى الاعتراف بمشروعية الجيش الوطنى الليبى، وتعرقل كل المحاولات الهادفة إلى توحيد المؤسسات الأمنية الليبية، وإخضاعها لقيادة مركزية قادرة على إنهاء فوضى السلاح وعلى ضمان تطبيق الاتفاقات، التى يتم التوصل إليها، وعلى حماية الخيارات الديمقراطية للناخبين.
وقد مر مسار تسليح الميليشيات والمجموعات، التى لا تخضع لسيطرة المؤسسة العسكرية الليبية، بعدة مراحل؛ حيث قامت كل من فرنسا وبريطانيا فى الفترة ما بين شهرى فبراير وأكتوبر من سنة 2011 بإلقاء شحنات أسلحة، كان بعضها موجها إلى تجمعات سكانية أمازيغية بجبل نفوسة من طرف سلاح الجو الفرنسى، وقد استمر الدعم الأجنبى المقدم لهذه المجموعات بطرق غير مباشرة من طرف دول عديدة؛ مثل قطر وتركيا؛ حيث تسعيان للدفاع عن مشروع الإسلام السياسى فى المنطقة؛ وذلك بموازاة استمرار الحظر الأممى على تسليم السلاح لأطراف النزاع فى ليبيا بشكل يتعارض تماما مع المساعى، التى بذلتها دول مثل جمهورية مصر العربية؛ من أجل تزويد الجيش الوطنى الليبى بالمعدات العسكرية التى تسمح له بتطوير قدراته الدفاعية؛ لإنهاء سيطرة الميليشيات على مناطق شاسعة من التراب الليبى، كما حدث مؤخرا بعد نجاحه فى تحرير مدينة درنة والموانئ النفطية من قبضة المسلحين.
ويرى المتابعون للشأن الليبى، أن إمكانية التزام مختلف الأطراف بتعهداتها أمام الرئيس ماكرون فى لقاء باريس المنعقد فى شهر مايو الماضى، بمشاركة جهات دولية وإقليمية وازنة وفى مقدمها المبعوث الأممى غسان سلامة، والذى جرى الاتفاق خلاله على تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية عامة بتاريخ 10 ديسمبر المقبل، تبقى جد ضعيفة، نتيجة لتزايد حدة الخلافات وللاحتقان السياسى المهيمن على مختلف الأطراف المتصارعة، وبخاصة وأن المواجهة المسلحة ستتركز خلال الأسابيع والأشهر المقبلة حول خليج السدرة، الذى يضم الموانئ النفطية؛ فقد أشارت الأخبار الواردة من مسرح العمليات فى الهلال النفطى، أن ميليشيات مصراتة والمجموعات المسلحة بغرب البلاد، تعمل على حشد قواتها؛ من أجل إنهاء سيطرة قوات الجيش الوطنى الليبى على الموانئ النفطية.
ومن الواضح فى الأخير أن ليبيا دخلت منذ انتخابات يوليو 2012، التى اعتمدت على نظام الاقتراع النسبى، فى مواجهة سياسية وعسكرية شاملة قائمة بشكل كبير على مفاهيم القيادة الفردية، وعلى الاستقطاب الحاد بين التيارين الإسلامى والليبرالي؛ وذلك على حساب البرامج السياسية الرصينة، التى من شأنها توحيد كل فئات المجتمع حول الثوابت الوطنية للشعب الليبى، ومن المستبعد فى المرحلة الراهنة أن تقود حرب الزعامات الحالية، التى يسهم فى إذكاء جذوتها سلاح الميليشيات القائمة على الولاءات المناطقية والقبلية، إلى إعادة تشكيل عناصر الهوية الجامعة التى يمكنها التصدى لدعوات التجزئة والتقسيم.

الحسين الزاوى
الخليج ــ الإمارات

التعليقات