شارع هوسمان.. العمران الرؤيوى وكلفته الباهظة - صحافة عربية - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 12:20 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شارع هوسمان.. العمران الرؤيوى وكلفته الباهظة

نشر فى : الخميس 15 مارس 2018 - 9:40 م | آخر تحديث : الخميس 15 مارس 2018 - 9:40 م

نشرت صحيفة الحياة اللندنية مقالا للكاتب «إبراهيم العريس» وجاء فيه؛ يبدأ من يزور وسط باريس، ومن بعد ذلك إلى حد ما وسط مدينة القاهرة، ويكتشف فى العاصمة الفرنسية أن واحدا من أفخم وأجمل شوارعها يحمل اسم «هوسمان» ثم تقول له الكتب السياحية كما الكتب التاريخية، إن تلك المنطقة البديعة من وسط باريس تعزى كلها، هندسيا وتاريخيا، إلى هوسمان هذا نفسه بحيث صار اسمه علامة على حقبة هندسية كاملة، تعزى إليها كذلك عمرنة الوسط التجارى القاهرى الذى كان الغبار والتفتت واليافطات المتراكمة على جدرانه بالألوف تتآكله، فيقال «العمرنة الهوسمانية»، هذا الزائر سيخيّل إليه أن هوسمان المذكور هو مهندس معمارى ظهر خلال النصف الثانى من القرن العشرين ليبنى باريس الجديدة ومن ثم يُستعان به فى عهد الخديوى إسماعيل فى مصر كى يبنى القاهرة الحديثة. بيد أن هذا كله ليس دقيقا.

وأضاف الكاتب أن هوسمان الذى يحمل كل ذلك العمران اسمه لم يكن مهندسا ولا عمرانيا. بل كان رجل دولة لا أكثر ولا أقل. رجل دولة كان هو على أى حال من وقف وراء النهضة العمرانية التى أسبغت على باريس تجديدا وعصرنة لا يزالان يعتبران حتى اليوم من أهم التجديدات العمرانية التى طاولتها. والحقيقة أن تلك الجهود التى بذلها هوسمان ودفع ثمنها غاليا كما سنرى، كانت ولا تزال حافزا لضمّه إلى قائمة كبار «البنّائين» فى التاريخ المعاصر، هو الذى فى حمايته لأحلامه العمرانية واختياراته للأساليب التى كانت تعرض عليه ودفاعه هنا، قد يكون له نظيران فى التاريخ العربى الحديث: أولهما فى مصر، على مبارك باشا ــ الذى كان كاتبا، لا عمرانيا، لكنه وقف وراء بناء القاهرة الحديثة كرجل دولة، ثم نظّر لتلك المدينة وأرّخ لعمرانها فى كتابه الموسوعى «الخطط التوفيقية» بحيث تعزى إليه نهضة مصر بما فى ذلك الجانب منها الذى ارتبط بهوسمان نفسه، والثانى الراحل رفيق الحريرى فى لبنان الذى كان بدوره رجل دولة قام بإعادة إعمار بيروت ولبنان بعدما دمرتهما الحروب الأهلية، وحروب الآخرين، من دون أن يكون هو الآخر مهندسا عمرانيا. لقد عمّر هؤلاء الثلاثة فاعتبروا «بنّائين» كبارا من دون أن يكونوا عمرانيين.

مهما يكن، يبقى هوسمان واحدا من أكبر رؤيويى بناء المدن فى الأزمنة الحديثة. لكن حكاية حياته تبقى فى المقابل مثلا للجحود فى أعلى درجاته. فلئن كان أعداء رفيق الحريرى وأعداء أى محاولة لبناء أو إعادة بناء لبنان قد جعلوا خاتمة حياة الحريرى فجائعية، فإن السنوات الأخيرة والتى تلت إنجاز هوسمان مشاريعه العمرانية الهائلة جعلت من خاتمته، خاتمة كئيبة مظلمة أمضاها وحيدا منسيا يتأمل بما فعل لوطنه وما فعل به أهل ذلك الوطن.

الحياة – لندن

التعليقات