يحيا العدل - جورج إسحق - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 2:04 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يحيا العدل

نشر فى : السبت 12 سبتمبر 2020 - 12:35 ص | آخر تحديث : السبت 12 سبتمبر 2020 - 12:35 ص

منذ بدأ التاريخ ومصر هى مهد العدالة، وعرفنا شعار العدل أساس الملك من أفضال عصر الفراعنة. و(ماعت) هو إلهة القانون والعدالة فى مصر القديمة، وكان تمثال (ماعت) عبارة عن (سيدة تعلو رأسها ريشة وهى ريشة الحق والعدل). ولضبط العدل فى العصر الفرعونى عندما يموت الإنسان يوضع قلب (حور نفر) فى إحدى كفتى الميزان ويوضع قلب الميت فى الكفة الأخرى، فإذا كانت كفة الميت أثقل من الكفة الأخرى هذا ينبأ أن هذا الرجل لم يكن منصفا ولم يحقق العدالة فى حياته. ووصف القانون المصرى الفرعونى بالعدالة لأن الفرعون كان إلها والإله من خصائصه العدل، هكذا وضع المصريون أسس العدالة التى نفاخر بها العالم.
يعتبر القضاء المصرى من مفاخر الدولة المصرية على طول الزمان، والقاضى دائما محل احترام وتقدير من كل فئات الشعب. وأكدت ذلك المادة 184 من الدستور المصرى (أن السلطة القضائية مستقلة تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفقا للقانون، ويبين القانون صلاحياتها، والتدخل فى شئون العدالة أو القضايا جريمة لا تسقط بالتقادم). وليس للإنسان المصرى ملاذ سوى القضاء والقانون، ويعتبر الإنسان المصرى أن القضاء والقانون هو آخر حائط الصد لحمايته.
وتاريخ القضاء المصرى تاريخ طويل يبدأ منذ العثمانيين، حيث أضرَّ العثمانيون بنظام القضاء المصرى فكان لكل مذهب من المذاهب الأربعة قاضٍ ولكل قاضٍ نوابه.. وفى دراسة متميزة للدكتورة لطيفة محمد سالم أن العثمانيين أقرّوا المذهب الحنفى فى القضاء وجعلوه فوق القضاة الأربعة الممثلين للمذاهب الأربعة، ثم أسقط الباب العالى القضاة الأربعة وجعله قاضيا واحدا وقسمت مصر إلى 36 ولاية قضائية.
وتضيف الدكتورة لطيفة أن الرشوة انتشرت فى زمن العثمانيين لتولى منصب القاضى، وفى الحملة الفرنسية شكل نابليون مجلس قضايا مكون من 12 نصفهم من الأقباط والنصف الآخر من المسلمين. وتأسست محاكم (الطوائف) ونستطيع القول إن عهد محمد على هو بداية تأسيس القضاء المدنى الحديث، وقام بتأسيس جمعية «الحقانية» وهى أول مؤسسة قضائية حديثة تعرفها مصر.
وكان الدستور سنة 1923 بالنسبة للقضاء هو بداية عصره الذهبى، حيث نص فى الدستور 23 (القضاة مستقلون لا سلطان عليهم فى قضائهم لغير القانون وليس لأى سلطة فى الحكومة حق التدخل فى القضاء). وفى سنة 1941 صدر أول قانون لاستقلال القضاء فى مصر، وفى عصر الاحتلال ظهرت المحاكم المختلطة. وفى سنة 1937 تم إلغاء المحاكم القنصلية التى كانت تحاكم رعاياها بحسب القانون الذى يقرّ فى بلدهم، وليس للقانون المصرى أى صلة بهذه المحكمة.
ونحن نستعرض هنا تاريخ القضاء المصرى والخطوات التى أدت إلى ظهوره فى العصر الحديث. ففى فبراير 1939 اجتمع 59 من رجال القضاء والنيابة فى مقر محكمة استئناف مصر واتفقوا على تأسيس نادى القضاة، وفى سنة 1946 أنشئ مجلس الدولة المصرى للفصل فى المنازعات الإدارية بين الأفراد والجهات الحكومية. وفى سنة 1949 ألغيت المحاكم المختلطة، وفى سنة 1954 حصل خلاف بين عبدالناصر ورئيس مجلس الدولة الدكتور عبدالرازق السنهورى وقرر عبدالناصر حل مجلس الدولة. وفى سنة 1969 حدث ما يسمى بمجزرة القضاة بإعادة تشكيل الهيئات القضائية وكان نتيجة ذلك عزل أكثر من 200 قاضٍ بينهم رئيس محكمة النقض، وظلت هذه الحادثة فى العقل الجمعى للقضاة ولا ينسوها أبدا ويتمنون ألا تتكرر.
واستمر القضاة فى النضال من أجل تصحيح هذه الأوضاع بجهد دءوب، ولم يتوقف حتى نص دستور 1971 على إنشاء المحكمة الدستورية العليا. وفى سنة 1986 عقد مؤتمر العدالة الأول وتقدم القضاة بعدة مطالب لتحرير السلطة القضائية من الهيمنة الإدارية والمالية للسلطة التنفيذية وكان فى مقدمة هذه المطالب نقل تابعية التفتيش القضائى وصندوق الرعاية الصحية من وزارة العدل إلى المجلس القضائى الأعلى وتخصيص موازنة مالية منفصلة للقطاع. وتحدث المؤتمر أيضا عن أن كفاءة القاضى ضرورة لضمان جودة العدالة، فلا بد من العناية بكفاءة القاضى عن طريق التدريب الأصلى والتدريب المستمر للقضاة وذلك لضمان إلمامهم بالمستجدات القانونية والعلوم غير القانونية التى يحتاجها القاضى لأداء رسالته. فالمطلوب هو احترام القضاة، ولا أن نقول فيهم شعرا، وليس مطلب إصلاح القضاء لتصفية الحسابات، وعلى الجميع أن يبتعد عن الشخصنة عن طريق الحديث عن فساد أو إصلاح قاضٍ بعينه، فالمهم هو إصلاح منظومة العدالة.
وفى سنة 2005 حدث خلاف بين النظام والقضاة وقاد القضاة معركة لاستقلال القضاء. وفى سنة 2007 حاول النظام تقليص الإشراف القضائى على الانتخابات التشريعية، وقوبل هذا برفض جماعى من قبل القضاة وأعلنوا تمسكهم بإشراف القضاة.
كل هذا النضال من قبل القضاة لتحقيق الاستقلال مقدر من الشعب المصرى تقديرا عظيما. ويضع المصريون كل آمالهم على النائب العام الذى يحمى مصالح الشعب، هل استعراض هذا النضال من قبل القضاة لا يشفع لنا أن نطالبهم بالنظر فى قانون الحبس الاحتياطى والمدد غير القانونية؟ هل هذا المطلب يؤذى مشاعر أحد؟ ونطالب القضاة أيضا بعدم مرور وقت طويل فى نظر القضايا. وهنا نريد أن نذكر بموضوع العدالة الانتقالية التى اختفت من القواميس تماما، هل رجاؤنا فى عقد مؤتمر للعدالة يتضمن مشروع العدالة الانتقالية والمطالب الأخرى؟ لقد حضرت فى المغرب أخيرا مؤتمرا عن العدالة الانتقالية ونوقش فى هذا المؤتمر كل مشاكل القضاء بشفافية وموضوعية دون أن يمس أحد بأى سوء، وكانت نتائج المؤتمر بالفعل مبهرة وكان معى فى هذا المؤتمر من رجال القضاء المصرى، ونقيب المحامين الذين حضروا كل هذه المناقشات فى المغرب.
ليس لنا ملجأ كمصريين إلا القضاء والعدالة.. يحيا العدل.

جورج إسحق  مسئول الاعلام بالامانة العامة للمدراس الكاثوليكية
التعليقات