مشروع قانون الأحوال الشخصية.. ثورة في العلاقات الأسرية؟ - رانية فهمى - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 7:00 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مشروع قانون الأحوال الشخصية.. ثورة في العلاقات الأسرية؟

نشر فى : الثلاثاء 2 أغسطس 2022 - 7:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 2 أغسطس 2022 - 7:15 م
هل سبق لكم قراءة قانون ووجدتموه قانونا ممتعا؟ مثل لقاء الأصدقاء، زيارة معرض فنى، أو قراءة رواية محبوكة تنقلك لعالم أرحب من عالمك؟ قراءة مشروع قانون الأحوال الشخصية المُقدم من مؤسسة قضايا المرأة المصرية بعنوان: «قانون أكثر عدالة للأسرة» هو كذلك بالنسبة لى، خاصة بعد مقارنته بقوانين الأحوال الشخصية الحالية. لقد اعتبرت مواده فصولا من رواية فتساءلت: كيف سيتناول المشروع موضوع تعدد الزوجات، وماذا عن الطلاق بإرادة الزوج المنفردة، ثم ماذا عن الخلع والحضانة وغيرها من المسائل الحاكمة للعلاقات الأسرية؟
وبعد الانتهاء من المراجعة والمقارنة وجدت مشروع القانون يرد على هذه التساؤلات بل ويستحدث أحكاما لو تمت الموافقة عليها وصدورها ونفاذها من مجلس النواب سوف تُحدث ثورة فى العلاقات الأسرية.

1. الطلاق أمام المحكمة فقط
وذلك فى مادتين إحداهما تُعرف الطلاق بأنه «حل عقد الزواج الصحيح بالصيغة الموضوعة له شرعا، ويقع الطلاق باللفظ أو بالكتابة أمام المحكمة فقط». وثانيهما تحدد إجراءات الطلاق بوجوب تقديم الزوج أو الزوجة الراغبين فى الطلاق طلب لمحكمة الأسرة التى تمنحه/ا مهلة شهر للصلح، بعد انتهاء المدة والإصرار على الطلاق تستمع لهما المحكمة وتحاول الصلح مرة ثانية وإذا لم تفلح، تسجل الطلاق ويُعتبر نافذا من تاريخ وقوعه وليس من تاريخ تسجيل المحكمة.
هاتان المادتان ثوريتان لعدة أسباب:
أولا، النص على أن الطلاق يقع أمام المحكمة فقط معناه أن المحكمة ستصبح هى المأذون الشرعى لإتمام الطلاق.
ثانيا، معنى هاتين المادتين أن الطلاق لن يكون من حق الزوج بإرادته المنفردة لأنه يجب اللجوء للمحكمة لإيقاع الطلاق.
ثالثا، بما أن المشروع أعطى حق الطلاق للزوج والزوجة من خلال المحكمة بإجراءات معينة فهذا إلغاء ضمنى للطلاق الغيابى والشفهى وبالرسالة (الزوج يبعث رسالة بأى وسيلة أو مع مرسال يطلق فيها زوجته) والطلاق بالثلاثة كأن يقول الزوج: إنتى طالق بالثلاثة. ومعناه أيضا الإلغاء الضمنى للتفويض فى الطلاق والمعروف بـ«العصمة فى يد الزوجة» والتى فيها الزوج يفوض زوجته بتطليق نفسها فى أى وقت تختاره. ولن يشكل هذا الإلغاء أى خسارة للزوجة لأن هذا الطلاق ــ وفقا للقانون الحالي ــ يُعتبر طلاقا رجعيا بمعنى أن الزوج يستطيع أن يرد طليقته فى أى وقت وبدون موافقتها خلال شهور العدة الثلاثة، مما يُفرغ حق العصمة فى يد الزوجة من مضمونه، إذ تكون طلقت نفسها ثم يقوم طليقها بردها أثناء فترة العدة.
وتظهر تجليات الطلاق بحكم محكمة وليس بإرادة الرجل المنفردة فى عدة أمور: مثلا فى مسألة التطليق بسبب العيب فى القوانين الحالية: يُطلق الرجل فى أى وقت بينما يجب على المرأة اللجوء للمحكمة بطلب التطليق. أما فى المشروع: ألزم الزوج والزوجة بتقديم طلب التطليق من المحكمة إذا وجد طرف عيبا فى الآخر.
والعيب المقصود هنا هو العيب المستحكم غير القابل للشفاء منه أو قابل ولكن بعد مدة طويلة سواء كان عيبا نفسيا أو عضويا. ويمكن وجوده قبل الزواج والطرف الثانى لم يعرف عنه أو أصبح موجودا بعد الزواج والطرف الثانى لم يقبله.
مثال ثانٍ: فى القوانين الحالية للزوجة الحق فى طلب التطليق من المحكمة فى حالة غياب زوجها سنة بدون عذر. أما الزوج الذى تغيب زوجته نفس المدة فيطلقها فى أى وقت بدون حكم محكمة. فجاء المشروع ليخاطب الزوجة والزوج معا: لو أى طرف غاب عن الآخر من غير عذر مقبول لمدة ستة أشهر أو أكثر وسبَّب هذا الغياب ضررا للطرف الآخر، يحق للطرف المضرور طلب التطليق من القاضى.
مثال ثالث: فى حالة حبس الزوج أو الزوجة: فبدلا من مخاطبة القانون الحالى الزوجة فقط أن لها حق طلب التطليق لو زوجها حُكم عليه حكما نهائيا بالسجن ثلاث سنوات أو أكثر (أى ارتكب جناية وليس جنحة أو مخالفة)، شمل المشروع حكمه الزوجة والزوج فجعل طلب التطليق للزوج أو الزوجة فى حالة الحكم على أى طرف بالحبس ستة أشهر أو أكثر.
2. تعدد الزوجات أمام المحكمة فقط
نص المشروع على إلزام الزوج الذى يرغب فى الزواج مرة أخرى بتقديم طلب لمحكمة الأسرة بهذه الرغبة ولا تبت المحكمة فى طلبه إلا بعد سماع رأى الزوجة فى طلب التعدد إما بالموافقة أو بالرفض. وذلك بدلا من النص الحالى الذى يجعلها تلجأ للمحكمة بعد معرفتها بزواج زوجها عليها وتطلب التطليق للضرر المادى أو المعنوى أو كليهما.
فإذا رفضت الزوجة التعدد، حكمت لها المحكمة بالتطليق والاحتفاظ بحقوقها المالية المترتبة على التطليق. أما إذا لم تطلب الزوجة التطليق ولكن بشرط إلزام المحكمة للزوج بأداء واجباته الزوجية والمالية والإشراف والمتابعة على تربية الأبناء وغيرها من الالتزامات التى ترى المحكمة مشروعيتها، يجب موافقة الزوج على هذه الشروط لكى توافق له المحكمة على التعدد. ولو أخل بعد ذلك بهذه الالتزامات، للزوجة طلب التطليق مع احتفاظها بحقوق المطلقة.
وإذا كان تنظيم الحقوق والواجبات لكلا الطرفين فى حالة التعدد من ضمن الشروط المكتوبة فى عقد الزواج، يُكتفى بإقرار القاضى لما تم الاتفاق عليه.
وعلى المحكمة أيضا إبلاغ الزوجة الجديدة بزواجه بأخرى ويكون التبليغ من خلال المحكمة وليس فى وثيقة الزواج الجديد كما هو معمول به حاليا. ويكون إقرار المحكمة بالتعدد من ضمن الأوراق المقدمة لإتمام عقد الزواج الجديد.
3. حضانة الطفل/ة:
فى حين يسلب قانون الأحوال الشخصية الحالى الحضانة من المطلقة والمختلعة إذا تزوجت بآخر، يستحدث المشروع عدة أحكام تمنح حقوقا لم يرد ذكرها فى القوانين الحالية، «فلا تسقط الحضانة عن الأرمل أو الأرملة فى حال الزواج مرة أخرى إلا إذا ثبتت عدم صلاحية أو عدم أمانة زوج الأم أو زوجة الأب». كما «لا تسقط الحضانة عن الأم بزواجها من آخر ــ ما لم يقرر القاضى خلاف ذلك لمصلحة المحضون وفقا للتقرير الاجتماعى والنفسى لحالة الطفل/ة ــ وفى هذه الحالة لا تستحق أجر مسكن وحضانة».
وبدلا من تأخير ترتيب الأب فى استحقاق الحضانة بعد النساء مثل الأم، الجدة، الأخوات وبنات الأخت والأخ، والخالات والعمات وغيرهن من النساء المحارم، بتبرير أن النساء أكثر قدرة على رعاية الطفل/ة وإحاطته بالحنان والصبر والرعاية، جعل المشروع الأب فى الترتيب الثانى مباشرة بعد الأم بما للأب من نفس القدرة على منح الرعاية والعطف لأبنائه.
وبالنسبة لمدة الحضانة، فقانون الأحوال الشخصية الحالى حسب آخر تعديل (قانون 4 لسنة 2005) يجعل الأصل أن الحضانة تنتهى ببلوغ البنت أو الولد الخامسة عشرة سنة، مع إمكانية سماح القاضى ببقاء البنت مع الحاضنة حتى تتزوج، وحتى بلوغ الولد سن الرشد أى واحد وعشرين سنة، ثم الإقامة بعد ذلك مع أبيه أو غيره من مستحقى الحضانة من الرجال.
أما مشروع قانون الأحوال الشخصية الذى نحن بصدده فيسمح للحاضنة ببقاء الطفل/ة معها بعد بلوغه/ا سن الخامسة عشرة سنة لو كان ذلك فى مصلحتهم وبشرط أخد رأيه/ه، وفى هذه الحالة لا تأخذ نفقة حضانة. ولم يتقيد المشروع بسن أقصى للولد ولا حالة اجتماعية للبنت لبقائهم مع الحاضنة. وتنطبق نفس الأحكام على الأم غير المسلمة.
وبما أن من وضعوا المشروع استقوا أحكامه من معايشة أحوال أفراد الأسر على مدى سنوات وفى مختلف محافظات مصر، فقد لمسوا مشكلة متكررة إما من الحاضن أو ممن له الحق فى الرؤية أو الاصطحاب، فقد يحول الحاضن دون تمكين الأخير من استعمال حقه دون عذر تقبله المحكمة أو يمتنع المصطحب عمدا عن تسليم الطفل/ة للحاضن بعد انتهاء مدة الاصطحاب بقصد حرمان الحاضن من الحضانة، فتم النص فى المشروع على وجوب فرض المحكمة غرامة مالية قد تصل إلى عشرين ألف جنيه على الحاضن فى الحالة الأولى وعلى عقوبة شديدة للمصطحب فى الحالة الثانية تصل إلى حبسه مدة لا تقل عن ستة أشهر، بجانب تسليم الطفل/ة للحاضن وبسقوط الحق فى الاصطحاب طوال فترة الحضانة.
كما استجاب واضعو المشروع للشكوى المتكررة من أخذ المصطحب للطفل/ة خارج البلاد بدون إذن الحاضن فجاء نص فى المشروع على وجوب صدور قرار من القاضى بإدراج اسم الطفل/ة فى قوائم الممنوعين من السفر ولا يكون سفره إلا بموافقة كتابية من والديه مجتمعين.
4. شروط عقد الزواج
لا يعلم الكثيرون عن حق هام جدا للمقبلين على الزواج فى وضع شروط يتفقان عليها فى عقد زواجهما وفقا للقانون الحالى مثل الاتفاق على موقف الأبناء فى حالة الطلاق، ومن يؤول إليه مسكن الزوجية أو أثاثه فى حالة الوفاة أو الطلاق، وما الذى يعتبر ضررا يبيح طلب التطليق.
إلا أن الذى أستنكره بشدة هو فى حالة إخلال أحد الطرفين أثناء الزواج بشرط من الشروط المكتوبة فى العقد فلا يكون من حق الطرف المضرور رفع دعوى تطليق، حيث لم يشر القانون الحالى إلى أى جزاء يوقعه المشرع على الطرف المخل بالشرط. والإشارة هنا بالطبع للزوجة حيث يمكن للزوج تطليق زوجته بإرادته المنفردة إذا أخلت بالشرط. ونص القانون إنه فى حالة عدم ورود نص فى القوانين تحسم مسألة معينة، يتم الإحالة لأرجح أقوال أبو حنيفة. وبالرغم من احترامى لفقه أبو حنيفة بصفة عامة لكن فى هذه المسألة تحديدا أفتى أنه إذا امتنع طرف عن الوفاء بالشرط، فليس من حق المشترط أن يطلب التطليق أو فسخ العقد لأن فوات الشرط عند الحنفيين ليس له تأثير على صحة العقد!
ولذلك سعدت عندما وجدت المشروع يجيز للطرف المضرور اللجوء للقضاء للمطالبة بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه وخاصة الاتفاق على ما يمكن أن يُعد حدوثه ضررا يبيح طلب التطليق، لأن ذلك سوف يوفر وقتا وإجراءات طويلة فى المحاكم لكى يثبت الطرف المضرور الضرر وذلك بالاستناد إلى المدون والمتفق عليه فى وثيقة الزواج.
كما كانت مفاجأة سارة فى النص فى المشروع بصفة عامة على الأخذ بأرجح أقوال المذاهب الأربعة وعدم الاقتصار على أقوال أبى حنيفة فقط وذلك لإعطاء المحكمة سلطة تقديرية أوسع فى الوصول لأفضل الحلول لكل حالة معروضة عليها على حدة.
ومن شروط عقد الزواج الجديدة والثورية الواردة فى المشروع هو اتفاق الزوج والزوجة، فى حالة الطلاق، على اقتسام ما تم تكوينه من عائد مادى فى شكل ادخار أو ممتلكات كوناها أثناء فترة الزواج إما مناصفة أو فى شكل نسبة يتفقان عليها ويُستبعد من العائد المادى ميراث أحد الطرفين أو الهبة أو ما تم تكوينه قبل رابطة الزواج.
5. فى حالة الخلع، الحق فى استعادة الزوجة ما خالعت به
إذا أثبتت الزوجة أن خُلعها كان نتيجة إكراه أو إضرار الزوج بها، فلها الحق فى استعادة حقوقها المالية التى تنازلت عنها عن طريق رفع دعوى ضرر أو إكراه.
6. التعويض بدلا من نفقة المتعة:
رأيت وقرأت عن كثير من الزوجات ــ المتزوجات لفترات طويلة ــ اللاتى يطلقهن أزواجهن بدون رضائهن ومن غير أى سبب منهن ويحصلن على «نفقة متعة» لمدة سنتين فوق نفقة عدتهن، وبعد ذلك لا يكون لهن مصدر رزق إذا كن بدون عمل ويكون العمر قد تقدم بهن ومعه تقل فرصة الحصول على عمل. ولذلك سعدت عندما وجدت المشروع يتصدى لهذا الوضع. فبالإضافة إلى استبداله تعبير «نفقة متعة» بكلمة تعويض، جعل هذا التعويض متناسبا مع عدد سنوات الزواج: فلو تم الطلاق خلال العشر سنوات الأولى من الزواج تصبح النفقة سنتين على الأقل؛ ولو مدة الزوجية كانت أكثر من عشر وحتى خمس عشرة سنة، التعويض يصبح يساوى أربع سنوات نفقة، ولو أكثر من ذلك، يصبح سبع سنوات. وكأن مشروع القانون يريد الطبطبة على الزوجة التى استمرت سنوات فى زيجة فاشلة جعلت الزوج يطلقها بدون أى سبب منها وذلك عن طريق منحها تعويضا (فى رأيى التعويض بسيط لأن التعويض المادى عن أذى كبير دائما يكون بسيطا) تزيد قيمته بزيادة عدد سنوات الزواج.
أقف عند جملة «من غير أى سبب منها»، لأن بما أن مشروع القانون استوجب أن الطلاق يتم فقط أمام محكمة الأسرة وبعد استنفاد الزوجين محاولات الصلح من خلال مكتب تسوية النزاعات الأسرية المختص فسوف تتمكن الجهتان؛ مكتب التسوية والمحكمة، من التأكد أن الزوج يريد تطليق زوجته من غير رضاها ومن غير سبب منها وأن محاولات الصلح فشلت، فيحكم القاضى بالتطليق والنفقة المقررة.
التعليقات