التنوع وتحديث اللغة
الثلاثاء 30 ديسمبر 2025 - 6:20 م
عبر عدد من الأقباط عن غضبهم على وسائل التواصل الاجتماعى لوصفهم بتعبير «غير المسلمين» فى قرار صدر عن وزير العمل ينظم الإجازات الرسمية، وطالبوا بأن يطلق نص القرار صراحة وصف "مسيحيين" عليهم، لا سيما أن مصر لا تعرف حاليًا سوى مسلمين ومسيحيين، بصرف النظر عن تعداد كليهما. بالطبع أتفهم أسباب غضبهم، ولهم الحق فى ذلك، لكن الأمر يتجاوز ذلك، ويتصل بتحديث اللغة، وإعادة النظر فى كثير من التعبيرات المستخدمة، والتى لا تخصهم وحدهم بل تخص فئات وجماعات أخرى بدرجات متفاوتة. لا يعنى ذلك تبرير أو تمييع الحديث حول هذا الشأن، وإنما النظر من زاوية أكثر اتساعًا.
إذا نظرنا إلى بعض التعبيرات المستخدمة فى الأوراق القانونية والأحكام القضائية وخلافه، نجد تعبيرات يمكن أن نختلف حولها، وقد استغربت عندما أطلعت على بعضها، وسألت أحد القانونيين البارزين عن ذلك، فجاء رده أن هذه هى اللغة المستخدمة منذ عقود طويلة، رغم ما طرأ على الفكر القانونى والسياسى والاجتماعى من تغيرات.
وهناك فئات كثيرة فى المجتمع تحتج على الأوصاف التى تُستخدم حيالها، فى مقدمتها المرأة التى تريد تأنيث الوظائف، ولا تقبل أن تُحشر مع الرجال فى وصف واحد يغلب عليه الذكورة، وتروج لما يعرف بخطاب التاء المربوطة، لإثبات الهوية الجندرية. ومن القصص الطريفة أن ندوة جمعت عددا من المثقفين فى مدينة الحمامات فى تونس فى الثمانينيات من القرن العشرين، وعند صياغة البيان الختامى استخدمت عبارة «المثقفين» لوصف المجتمعين نساء ورجالًا، فصاحت إحدى النساء المشاركات وطالبت بوضع كلمة «المثقفات» إلى جوار كلمة «المثقفين»، فابتسم الحاضرون، وأراد رئيس الجلسة الختامية الإفلات من ذلك المطب، فقال لها أخشى أن يثار تساؤل عندما يقرأ الناس البيان حول ماذا كان يفعل المثقفون والمثقفات فى الحمامات؟ علت ضحكات الحضور، وانتهى الأمر.
وفى السياق ذاته، هناك اختلاف حول مصطلح «ذوى الإعاقة»، حيث راجت مصطلحات كثيرة مثل «ذوى الهمم»، و«ذوى الاحتياجات الخاصة»، و«متحدى الإعاقة»، وكلها أوصاف تريد أن تخفف من وطأة المصطلح على أصحابه، وتقدم توصيفًا به إدراك إنسانى لهم، ورغم ذلك، هناك إصرار من جانب تلك الشريحة من السكان على استخدام «ذوى الإعاقة» لاعتبارات تتصل بالحقوق المكفولة لهم، والتى لا يرون أن المصطلحات الأخرى مناسبة لهم.
يعنى ذلك إن هناك احتياجًا إلى تحديث اللغة المستخدمة بحيث تعكس التنوع الإنسانى والاجتماعى والثقافى فى المجتمعات، حيث لا يوجد مجتمع يخلو من التنوع، بل صارت كل المجتمعات، القديم منها والحديث، يعرف ألوانًا من التنوع. ونظرًا لأن اللغة هى العقل المنطوق، فإن التطور الفكرى الذى يعرفه المجتمع لا بد أن ينعكس على اللغة المستخدمة. أتذكر منذ نحو خمسة وعشرين عامًا التقيت بباحثة بريطانية، من أصول هندية، أعدت رسالة ماجستير حول مفهوم «البريطانى»، وخلصت منها إلى أنه نتيجة الهجرات التى امتدت نحو نصف قرن (وقت إعداد الدارسة)، لم يعد ذلك المفهوم يعنى الشخص الأبيض الأنجلو ساكسون، بل صار بين جنباته البريطانيين من ذوى البشرة المختلفة، والأصول العرقية والأديان والمعتقدات المتباينة. هذا هو حال مجتمع يتفاعل مع التنوع فى مدى زمنى محدود، فى حين أن هناك مجتمعات قديمة، مثل المجتمع المصرى لديها تراث عميق من التعددية يحتاج إلى أن ينعكس فى اللغة المستخدمة فى الفضاء العام.
اقترح أن تشكل لجنة رسمية تضم ممثلى جهات مختلفة، قضائية وإدارية، وثقافية واجتماعية وحقوقية، تعيد النظر فى اللغة المستخدمة فى المجال العام، يقترن ذلك بالجمهورية الجديدة، التى يتطلع إليها المصريون، بحيث تصير الأوراق الرسمية، واللغة المستخدمة فى الإعلام تعكس التنوع، والمواطنة فى المجتمع، وينبثق عن ذلك أدلة لغوية لمصطلحات يُلتزم بها فى الخطاب العام عند وصف قطاعات أو فئات من المواطنين على نحو يعزز ثقافة احترام التنوع.
مقالات اليوم
قد يعجبك أيضا