x قد يعجبك أيضا

سنة جديدة وتحارب جديد

الثلاثاء 30 ديسمبر 2025 - 6:15 م

ليست السنة الجديدة صفحة بيضاء كما نحب أن نُقنع أنفسنا، بل هى ساحة أوسع نعود إليها ونحن نحمل معنا كل ما لم يُحل، كل ما كُبت، وكل ما أُجِّل بحجة «بعد العيد» أو «مع بداية السنة». من منظور نفسى، لا يبدأ الصراع مع الزمن، بل مع الذات التى تغيّرت ولم نعترف بتغيّرها. نحن لا نحارب أحداثًا جديدة بقدر ما نواجه نسخاً قديمة منّا لم تعد تصلح للمرحلة المقبلة.


العقل البشرى بطبيعته لا يحب التحوّل المفاجئ. هو مبرمج على الأمان، حتى لو كان هذا الأمان مؤلمًا. لذلك، مع كل سنة جديدة، يستيقظ داخلنا صراع خفى بين رغبتين: رغبة فى النمو ورغبة فى البقاء كما نحن. هذه هى المعركة الحقيقية. ليست مع الآخرين، ولا مع الظروف، بل مع أنماط نفسية تشكّلت عبر سنوات من التجارب، والخوف، والتعلّق، والخذلان.


نحن نحارب فكرة التخلى أكثر مما نحارب الواقع. التخلى عن نسخة كانت تنجو بالصمت، عن شخصية كانت ترضى الجميع، عن معتقدات زرعت فينا أن الألم دليل قوة، وأن التحمل فضيلة مطلقة. فى العلاج النفسى نرى بوضوح أن أغلب مقاومة التغيير لا تأتى من الكسل أو الضعف، بل من الخوف العميق من المجهول. الدماغ يفضّل الألم المألوف على راحة غير مضمونة.


السنة الجديدة تُحرّك ما يسمى نفسيا بـ«قلق الانتقال»، وهو قلق طبيعى يظهر عند أى انتقال زمنى أو نفسى كبير. لكنه يتحول إلى حرب داخلية عندما نصرّ على الدخول بوعينا القديم وأدواتنا المستهلكة. هنا تبدأ المعارك: قرارات مؤجلة، علاقات مُنهكة، أهداف لا تشبهنا، وشعور داخلى بأننا متأخرون عن أنفسنا.


لكن التحارب ليس دائمًا سلبيًا. بعض الحروب النفسية ضرورية. هناك معارك نخوضها لنستعيد سيادتنا الداخلية، لنضع حدودًا، لنقول «لا» دون شعور بالذنب، ولنختار أنفسنا دون الحاجة لتبرير. النمو لا يحدث فى مناطق الراحة، بل فى لحظات المواجهة الصادقة مع الذات.


السنة الجديدة لا تطلب منك أن تكون مثاليًا، بل أن تكون واعيًا. أن تدخلها وأنت تعرف ما الذى لم يعد يناسبك، وما الذى حان وقت إنهائه. السلام النفسى لا يأتى من تجنب الصراع، بل من خوض الصراع الصحيح. المعركة التى تستحق أن تُخاض هى تلك التى تعيدك إلى نفسك، لا التى تستنزفك لإثبات شىء للآخرين.


فى النهاية، ليست كل سنة جديدة بداية.. بعض السنوات تكون نهاية ضرورية. نهاية نمط، نهاية دور، نهاية قصة لم تعد تعبّر عنك. ومن الشجاعة النفسية أن نعترف أن بعض الحروب لا ننتصر فيها إلا عندما ننسحب بوعى، ونختار طريقا أكثر صدقا مع ذواتنا.

نادية الخالدى
جريدة الرأى الكويتية

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة