مأساة التعليم فى سوريا

الثلاثاء 28 أكتوبر 2025 - 9:05 م

حين يصبح التعليم أداة تفرقة وتقسيم، بدلًا من أن يكون عامل اندماج فى الهوية الوطنية، نكون بصدد مأساة حقيقية.

فى مناطق الإدارة الذاتية فى شمال سوريا، التى تسيطر عليها قوات قسد، فرضت تلك الإدارة مناهج على المدارس تعكس ثقافتها وتوجهاتها، لم تقبلها المدارس المسيحية التى تخدم كل فئات المجتمع، فأغلقت أبوابها، وطالبت بتدريس مناهج المدارس الحكومية، إلا أن طلبها لم يجد من يستجيب له.

فى تلك المناطق، أُغلقت كذلك المدارس الحكومية بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث ظلت قسد تسمح بها طيلة السنوات الماضية تحت ضغط السكان، لكن انتهى الأمر بسقوط النظام، وتوارى الأمل الذى لاح فى أعقاب الاتفاق بين إدارة أحمد الشرع وقسد فى مارس الماضى، نتيجة صعوبات عديدة تكتنف عملية التنفيذ.

ومما يتعين إدراكه أن مطالبة السكان فى المناطق الواقعة تحت سيطرة قسد بالتعليم الحكومى لا تنبع من إيمان بأهميته، لكن لأنه معترف به، ولا يحظى التعليم الذى تفرضه الإدارة الذاتية فى شرق سوريا بالاعتراف ذاته. ومن الملفت أنه حتى التعليم الحكومى، الذى يطالب به السوريون، تقوم إدارة الشرع بتغييره وفق منطلقات جهادية وتفسيرات دينية متشددة. وحسب المتاح من معلومات، فإن بعض المناهج جرى تغييرها، وهناك محاولات فى البعض الآخر تُجرى وفق تعليمات دون وجود خطة معلنة، بل إن هناك مدارس فى أماكن نائية تنفرد الإدارة المدرسية بإدارة شئونها حسبما يروق لها.

فقد أدى تقسيم سوريا إلى تقسيم التعليم، وترتب على سيطرة إدارة سياسية ذات خلفية جهادية العمل على إعادة صياغة مناهج التعليم وفق تلك الخلفية، ولم يعد هناك مجال للحديث عن التعليم المدنى أو تصور أن تكون هناك ممارسة للتربية المدنية فى صورة أنشطة تعزز المواطنة والهوية الوطنية والمشاركة. كيف يمكن أن نتصور ذلك وبين أيدى الطلاب والطالبات كتاب يُدرَّس فيه صراحة مخاطبًا الطلاب بأن كل دين غير الإسلام باطل؟ يتداول هذا الخطاب المدرسى فى دولة شديدة التنوع دينيًا وثقافيًا ولغويًا.

للأسف، لا تدرى كثير من القوى الدولية والعربية التى تدعم الإدارة السورية حاليًا ذلك، وينصرف كل تركيزها إلى تعزيز نفوذها فى ظل حكم يشغله التمكين والانفراد بالسلطة. وإذا ظل التقسيم قائمًا، والتطرف حاضرًا، فإن التعليم سوف يتحول إلى أداة فرقة وانقسام، وتعزيز هويات فرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة. لا أظن أن المشهد فى سوريا شأنًا خاصًا بها أو طارئًا عليها، لأن السودان، بما تشهده من تقسيم فعلى على الأرض الآن، لن تكون بعيدة عن ذلك عندما تستعيد المدارس عملها. وقد تكون هناك نماذج إضافية فى بلدان أخرى، مثل ليبيا والعراق والصومال، وهو أمر يقف، بالإضافة إلى عوامل أخرى، حجر عثرة أمام بناء نموذج ديمقراطى، لأن الديمقراطية تحتاج دون شك إلى تعليم ديمقراطى.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة