العدالة الثقافية والتكنولوجيا

الثلاثاء 23 ديسمبر 2025 - 6:20 م

 

سعدت كثيرًا بنبأ تنظيم الدورة السابعة والثلاثين لمؤتمر أدباء مصر فى مدينة العريش، شمال سيناء، لسببين على الأقل، هما الإعلان الثقافى بهزيمة الإرهاب فى واحدة من أخطر الساحات التى واجهت الدولة المصرية فيها التنظيمات الإرهابية، ودفعت ثمنًا غاليًا للقضاء عليها، السبب الثانى، أن الثقافة المصرية ينبغى أن تصل إلى جميع ربوع الوطن، والمناطق الحدودية، بما نطلق عليه العدالة الثقافية، بحيث لا تتكدس الأنشطة الثقافية فى القاهرة والمدن الكبرى، ونسعى لإبراز ثقافات محلية مهمة تمثل مصدرًا غنيًا للثقافة المصرية.

وتقترن العدالة الثقافية بالتنمية المتوازنة، لأنه يصعب، إن لم يستحل أن تتحقق التنمية فى كل الأقاليم الجغرافية دون ثقافة تزرع الوعى، والمعرفة، وتواجه التطرف، والخرافة، وتدفع الناس على طريق تطوير نوعية الحياة. وفى عالم التواصل الإلكترونى، يجب أن تصل الخدمات الثقافية فى كل الأنحاء، إن لم يكن فى الواقع المادى «أوف لاين»، تصل عن طريق التواصل الرقمى «أون لاين». وهنا قد لا نحتاج إلى تشييد مؤسسات ثقافية على نطاق واسع، بالنظر إلى محدودية الميزانيات العامة، لكن نستطيع أن نصل بالخدمات الثقافية من خلال المنشآت التعليمية والرياضية القائمة، فضلًا عن قصور الثقافة عبر التكنولوجيا الرقمية، يعبر ذلك عن تعظيم الإفادة من القدرات المؤسسية الحكومية، ونصل إلى أكثر المناطق فقرًا وتهميشًا من خلال الإنترنت، ويتمكن الشباب من متابعة ندوات ومؤتمرات، وحفلات موسيقية وفنية، تحدث على بعد مئات الكيلومترات من خلال الفضاء الرقمى. فى هذا السياق قد يكون للقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدنى دور مهم، رغم أن دورهما الثقافى لا يزال محدودًا، مقارنة بمشاركتها فى التنمية والتشييد والبناء.

هل يمكن أن نفكر فى حلول مبدعة نستخدمها فى وصول الثقافة إلى كافة الربوع باستخدام وسائل التواصل الرقمى التى زاد الاعتماد عليها بكثافة عقب خبرة المجتمعات مع وباء كوفيد-19؟ أظن المسألة ممكنة، إذا كان هناك تعاون كثيف، بين جهات حكومية وغير حكومية. لأن العدالة الثقافية مهمة، وتستحق بذل جهود متراكمة، ويمثل خروج الثقافة من العاصمة والمدن الكبرى شرطًا ضروريًا لنشر الثقافة والمعرفة، وهو تحدٍ أساسى فى معركة بناء الوعى ومواجهة التطرف فى المجتمع، وتشكل مهمة كبرى تحتاج إلى تضافر الجهود فى سبيل تحقيق ذلك. فى خبرة مكتبة الإسكندرية هناك ما يعرف بسفارات المعرفة، بلغ عددها حتى الآن نحو ثلاثين سفارة، منتشرة فى جميع الجامعات المصرية، وامتدت إلى مؤسسات أخرى، منها المركز الثقافى المصرى فى واشنطن، من خلال سفارات المعرفة يستطيع الطلاب والطالبات، وأعضاء هيئات التدريس الحصول على خدمات مكتبية فى أماكنهم، فى الصعيد وسيناء ووجه بحرى، دون الحاجة إلى الذهاب إلى مدينة الإسكندرية، ويمكنهم أيضًا متابعة الأنشطة الثقافية التى تعقد بالمكتبة من خلال بث مباشر فى سفارات المعرفة، وهى تمثل تجربة أكاديمية وتكنولوجية متقدمة تستطيع من خلالها أن تصل إلى قطاعات واسعة من المستهدفين خارج المحيط الجغرافى الذى تباشر فيه نشاطك. أظن أن وزارة الثقافة من خلال التعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ووزارة التعليم تستطيع أن تنتج تجربة مماثلة، تعرض إلكترونيًا أنشطة ثقافية، وبالإضافة إلى ذلك تقدم جولات افتراضية للمتاحف، وحوارات ثقافية «أون لاين» مع مبدعين، تنطوى على تفاعل بين المتحدث والجمهور الملتقى، والتى أصبحت ذات إمكانيات واسعة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى.

أظن أن بناء القدرات التكنولوجية للعمل الثقافى يمثل أولوية ينبغى أن نحرص عليها، وهى قضية لا تخص وزارة الثقافة وحدها، بل تمتد إلى علاقات تشاركية بين عدة جهات حكومية، وغير حكومية، فى سياق توظيف الإمكانات المحدودة فى خدمات ثقافية لها تأثير واسع النطاق.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة