x قد يعجبك أيضا

فقدان البراءة والحصانة والخصوصية

الإثنين 22 ديسمبر 2025 - 6:35 م

نشرت جريدة الخليج الإماراتية مقالا للكاتبة شيماء المرزوقى، تحذر فيه الكاتبة من مخاطر «التزييف العميق»، إذ لم تعد الأذن والعين كافيان لتصديق ما نراه ونسمعه؛ حيث تصنع الخوارزميات وجوهًا وأصواتًا لا وجود لها بدقة مذهلة. بناءً على ما سبق، دعت المرزوقى إلى انتهاج عدة خطوات لمواجهة تزييف "عصر الذكاء الاصطناعى"، وهى: تبنى ثقافة الشك المنهجى، والبحث عن مرجعية أى صورة أو فيديو قبل التصديق، ونشر الوعى المجتمعى حول سهولة التزوير فى العصر الحالى.. نعرض من المقال ما يلى:

 


يُقال إننا فى عصر انتقلت فيه الصورة من وظيفتها فى التوثيق، إلى المحاكاة، فبعد أن كانت الصورة دليلًا ماديًا على الوجود، والكاميرا عبارة عن جهاز بصرى ميكانيكى، لا تفكر ولا تختار، وكأن الصورة كانت تقول لنا: هذه اللحظة حدثت بالفعل. وليست الصورة الثابتة وحسب، بل حتى المتحركة، الفيديو، كانت تبرهن وتدلل على اللحظة ووقوعها.
وكان التلاعب فى الصورة مكلفًا وبطيئًا وغير مسموح به، ويتضح من خلال مختص فى هذا المجال، أو بدقة الملاحظة عند البعض.
فى التسعينيات وما بعدها، تجاوزت الصورة هذا النمط والتوصيف، فلم تعد عبارة عن مصفوفة أرقام، حيث بات الفيديو قابلًا لإعادة التشكيل، والصوت عبارة عن بيانات يمكن قصها وتنظيفها وتركيبها، ومعها صار المونتاج ليس مهارة نادرة، بقدر ما هو وظيفة متاحة. ولكن هذا جميعه، يقف خلفه إنسان يحرّكه، بمعنى أن التزوير والتلاعب بالصورة يتمّان بواسطة إنسان لديه نية وجهد وعمل، ليحقق هدفه المظلم.
فى هذا العصر، أعتقد أن الصورة بدأت تتخيل، وبدأت أدوات ذكاء اصطناعى تقليد الوجوه، ولم تعد محصورة فى تركيب صورة على صورة، بل تعلم وتطور تم فيه صناعة ملامح الوجه، والتعابير، والحركات الدقيقة، وكأن الخوارزميات تجاوزت النسخ إلى تعلم أن تكون هى ما تريده، بدقة بالغة وكبيرة، بل إن الصوت الذى كان تزويره أصعب من الصورة انهار دفاعه الأخير؛ حيث يتم الآن نسخ بضع دقائق لصوت حقيقي، وتكون كافية لاستنساخ نبرة الشخص، وإيقاعه، وتردده، وتلعثمه، وحتى مخارج الحروف، والنتيجة صوت إنسان، يقول ما لم يقله، ويعترف بما لم يفعله.
نعم لقد فقدت الصورة براءتها، والفيديو فقد حصانته، والصوت فقد الخصوصية. والذى لا يعى، ولا يفهم ما حدث، سيصبح عاجزًا عن معرفة الحقيقة، وبعيدًا تمامًا عن الواقع.
أمام هذه الصناعة التى نشاهدها، من تزوير المشاهد والمقاطع، لم يعد المطلوب كشف هذا التزييف فقط، بل نحتاج إلى نمو ثقافة الشك المفيد، والبحث، وفهم أن الصورة يمكن تزويرها بسهولة وببساطة متناهية، والأهم أن ما نشاهده يحتاج إلى مرجعية وتوثيق. نحتاج إلى مبادرة قوية مستمرة توضح هذا الجانب للناس.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة