x قد يعجبك أيضا

جولة أُخرى مع إيران ستكون كارثية

الأربعاء 24 ديسمبر 2025 - 8:10 م

أقدمت إسرائيل على مقامرة كبرى عندما شنّت هجوما مباشرا على الأراضى الإيرانية؛ هذه المقامرة حققت نجاحا ملموسا، تجلّى فى إلحاق ضررٍ بالغ بالبرنامج النووى الإيرانى ومنظومات منصات الإطلاق ومخازن الصواريخ البالستية للجمهورية الإسلامية؛ كذلك أطلق الإيرانيون مئات الصواريخ البالستية فى اتجاه إسرائيل خلال المواجهة التى استمرت 12 يوما، والمهم فى هذا السياق هو حقيقة أن الجهد الإيرانى وُجِّه أساسا إلى القواعد العسكرية والأهداف الاستراتيجية، وليس إلى مراكز التجمع السكانى المدنى.
ومع ذلك، وعلى الرغم من المساعدة التى قدمتها الولايات المتحدة فى اعتراض الصواريخ، وبالاقتران بالقدرات المبهرة لمنظومة «حيتس» التى نجحت فى اعتراض عدد كبير من الصواريخ، أصابت عشرات الصواريخ أهدافاً استراتيجية وأحياء سكنية، وتسببت بأضرار جسيمة، ولو كانت الصواريخ، جميعها، موجهة إلى مركز منطقة «غوش دان»، لكان الرهان انتهى بكارثة وطنية مروعة. علاوةً على ذلك، تقلصت مخزونات صواريخ الاعتراض لدى إسرائيل والولايات المتحدة بشكل كبير، وأوضحت الإدارة الأمريكية فعلاً أنها فى المواجهة القادمة، لن تكون قادرة على تزويد إسرائيل بالكمية نفسها من الصواريخ التى وفّرتها فى الجولة السابقة.
يجب التذكير بأن كبار المقامرين يميلون- فى الأغلب- إلى خسارة كل ثروتهم فى نهاية المطاف، وعندما يراهن شخص على دولته، فإنه يعرّضها لخطر الفقدان الكامل؛ يجب أن نتذكر أنه على الرغم من الضربة القاسية التى وجّهتها إسرائيل إلى إيران، فإن الإيرانيين يتعافون بسرعة، وبمساعدة الدعم الصينى، يتزودون بآلاف الصواريخ البالستية الجديدة، ومن المتوقع أن يصل معدل إنتاجهم قريبا إلى وتيرة تبلغ 3000 صاروخ شهريا.
إذا قررت إسرائيل شنّ هجوم جديد، وهذا ما ينوى بنيامين نتنياهو طرحه على الرئيس ترامب فى لقائهما المقرر فى نهاية الشهر، فهناك احتمال كبير جدا أن يوجّه الإيرانيون هذه المرة صواريخهم البالستية مباشرةً نحو مراكز التجمعات السكانية، وفى مقدمتها «غوش دان». الإيرانيون يهددون بشكل فعلى بأنهم سيردّون بخطوة من هذا النوع على أى هجوم جديد، وهذه المرة، سيكون استعدادهم أكبر كثيرا مما كان عليه فى المرة السابقة، سواء على الصعيد الدفاعى، أو الهجومي، وقد تكون النتيجة أضراراً لا يمكن تقديرها، وتتمثل فى خسائر بشرية وأضرارٍ جسيمة بالبنى التحتية فى منطقة «غوش دان»، حيث يتركز 70% من سكان الدولة ونحو 80% من مراكز الاقتصاد الإسرائيلى.
كذلك يجب أخذ التوازنات الجغرافية بين الدولتين فى الحسبان؛ فحتى لو نجحت إسرائيل فى توجيه ضربة قاسية إضافية، بل حتى إلحاق ضررٍ بالغ بطهران، فهذا لا يوازى تأثير ضربةٍ واسعة النطاق على منطقة «غوش دان»؛ فمساحة إيران أكبر بـ75 مرة من مساحة إسرائيل، وبناءً على ذلك، تستطيع إيران الصمود حتى لو تلقّت ضربات قاسية، فى حين ربما لن تتمكن إسرائيل من التعافى من إصابة مدمرة لـ«غوش دان».
ومع ذلك، حتى لو خرجت إسرائيل من المواجهة المقبلة وهى صاحبة اليد العليا، على الرغم من الثمن الباهظ الذى ستدفعه بلا شك، وحتى لو تكبدت إيران ضررا جسيما، فإن الإيرانيين سيكون فى حيازتهم، خلال نصف عام فقط، ترسانة صواريخ مماثلة لتلك التى يمتلكونها اليوم. فهل تستطيع إسرائيل أن تسمح لنفسها بالانجرار إلى جولة قتالٍ كل بضعة أشهر؟ من الواضح لكل عاقلٍ أن إسرائيل، فى مثل هذا الوضع، لن تكون قادرة على البقاء فى المدى الطويل، نظراً إلى صغر حجمها، ومحدودية مواردها، وهشاشة تماسُكها الاجتماعى.
وعليه، فإن الطريق الوحيدة المتبقية أمام إسرائيل هى تعزيز اتفاقيات الدفاع مع الولايات المتحدة وحلف الناتو ودول أُخرى، وإقامة توازُن ردع استراتيجى، والسعى الدائم لإبرام اتفاقيات سلامٍ مع دول عربية إضافية.

يتسحاق بريك
هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة