تبرز عملية اتخاذ القرار السياسى كإحدى أكثر العمليات خطورة، وربما التى تتطلب نوعًا من التعاطى الخاص، ليس فقط فى حجم وفعالية الآليات التنفيذية لاتخاذ مثل هذه النوعية من القرارات، بل فى التداعيات والنتائج المقرر استنتاجها بناءً على صياغة هذه القرارات الحساسة والمفصلية، بشأن الدول وشعوبها. غير أن عملية اعتماد القرار تسبقها صياغة وصناعة هذا القرار، بما يتفق مع الظروف المحيطة، ويمهد لمجموعة من القرارات يتم الانتقاء من بينها قبيل عملية الاعتماد.القرار السياسى من أخطر القرارات، لما يشكله من انعكاسات وتغييرات جوهرية على مستقبل الدول ومصالح الشعوب، وربما الأكثر تعقيدًا من حيث كيفية اتخاذه، وكذلك الحسابات الدقيقة لنتائجه وتداعياته. والأهم كيفية إقناع الرأى العام بأهميته وحتمية اتخاذه وآنيته، خصوصًا إذا ما تعارض القرار مع رغبات المواطن أو تشابك مع النظرة الضيقة. وعلى جانب آخر، تبرز محورية القرار السياسى فى مدى إسهامه وإحداث نقلة نوعية أو تحولات من شأنها الدفع بالبلاد، فى حين قد يتسبب قرار آخر فى مزيد من الإخفاقات والاضطرابات. وقد يترتب على قرار إعلان حرب، أو آخر الاحتكام إلى البعد الدبلوماسى فى التعاطى مع الأوضاع. وربما قد تدفع هذه النوعية من القرارات السياسية تجاه حالة من عدم الاستقرار الداخلى والفوضى. ومن ثم لا يجوز أن تخضع مثل هذه القرارات المفصلية لأية اتجاهات شعبوية أو ضغوط على القيادات أو الأجهزة المعنية بصناعة هذه القرارات، لا سيما فى ضوء التغيرات والتطورات التى تواجهها النظم السياسية، وعلى خلفية محاولات إعادة التشكيل التى تُجرى على المستويين الإقليمى والدولى. ولعل كل هذه الإجراءات والتداعيات تعد ضمن الضغوط التى تواجه صانع القرار خلال عملية صناعة القرار، ما يزيد من حجم المسئولية والالتزام لديه. وهنا وجب الإشارة إلى إسهامات التحليلات السياسية التى يجتهد فيها السياسيون من الأكاديميين والمتخصصين، والأهم أيضًا مراكز الأبحاث وإنتاجها من الدراسات والتقديرات، وجميعها تشارك وتخاطب صناع القرار والأجهزة المعنية، سواء تشريعية أو تنفيذية، فى صناعة واعتماد القرارات. ويبرز ذلك فى استعانة الأجهزة التنفيذية باللجان السياسية ومستشاريها، كأن يتم تشكيل لجنة من الخبراء والمستشارين السياسيين تعين أجهزة الدولة فى صياغة السياسات العامة، ومن خلالها تتم صناعة القرارات الاستراتيجية وبدء اعتمادها من أجل المصالح الوطنية للبلاد.تمر عملية صناعة القرارات بمجموعة من الخطوات، وتماشيًا مع سياقات العلوم الإدارية والاجتماعية، من حيث تحديد الإجراءات وصياغة البدائل، ومن ثم انتقاء الأكثر ملاءمة وصلاحية. لا سيما حينما يكون القرار سياسيًا، فقد تتطلب عملية صناعته عددًا من الآليات التنفيذية المعقدة والدقيقة جدًا، التى تقتضى معها التعاطى الفعال، والأهم إحداث التوازنات بين الرأى العام وتوجهاته وقناعاته واحتياجاته، وبين المصالح العامة للبلاد، وربما التى تستلزم بعض الإجراءات الإصلاحية الصارمة التى قد تبرز آثارها الإيجابية وتداعياتها لاحقًا. كما أن هناك توازنات بعينها تقتضى تغليب المصالح الوطنية للبلاد فى مواجهة تيارات شعبوية عاطفية واندفاعية دون خطوات محسوبة أو متعارف على تداعياتها. وهذا يتطلب قدرًا من المعرفة السياسية والإدراك لدى المواطن والفرد العادى، من أجل تفهم المواقف والقبول بها، فى إطار المسئولية الوطنية وحتمية الانصياع للرؤية العامة والتوجهات السائدة بالبلاد، ومنعًا للضغط نحو قرار بعينه أو قانون.وثمة مجموعة من المحددات تحكم عملية اتخاذ القرار السياسى، فى المقدمة مدى توافر المؤشرات والمعايير الديمقراطية بالبلاد، من حيث التعددية، سيادة الدستور، التنافسية الحزبية، والرأى والرأى الآخر. وكذلك طبيعة المتغيرات على المستويين الداخلى والخارجى، وثقل النظام السياسى ونوعه، وخلفيات القيادات الحاكمة والمسئولة، وحالة الاستقرار التى تتمتع بها البلاد على المستويات كافة: سياسية، واقتصادية، وحتى مجتمعية وثقافية. جميعها عوامل تحكم صناعة القرار السياسى الداخلى للبلاد، وقد تختلف عن عوامل صناعة القرار الخارجى أو تتشابه قليلًا. إلا أن أبرز ما يحكم صناعة القرار الخارجى هو طبيعة العلاقات الدولية التى تنخرط فيها البلاد، ومعيار الريادة للدولة وثقلها إقليميًا ودوليًا، وبديهيًا إلى جانب كل عوامل صناعة القرار الداخلى.وربما تشكل جماعات الضغط ومنظمات المجتمع المدنى مع الأحزاب السياسية وغيرها من الهياكل السياسية غير الرسمية عوامل ضاغطة باتجاه قرارات بعينها، وربما مثيرة للاتجاهات الشعبوية، ما يصعب من مهام ومسئوليات الهياكل الرسمية والمعنية باتخاذ القرارات، لا سيما الأجهزة التنفيذية والتشريعية. كما قد يعيق ذلك إتمامها لمهامها، وقد يطال الأمر المؤسسات الأعلى التى لها حق التحرك دون مرجعيات أو استشارات. وجميعها تحركات تؤشر على غياب الحس الوطنى، وعدم الالتفات إلى المصالح الوطنية للبلاد، ما يستلزم سيادة حالة من الثقافة السياسية من شأنها توعية المواطن وتسهيل انخراطه فى الدائرة الوطنية للبلاد ومصالحها.
كاتبة صحفية وباحثة أكاديمية فى العلوم السياسية
مقالات اليوم حسن المستكاوي مدرب يونايتد : «حتى البابا لن يجعلنى أغيّر أسلوبى!» عماد الدين حسين روبيو وزير خارجية إسرائيل! الأب رفيق جريش يا وزارة التعليم.. نظرة على المدارس أحمد عبد ربه الشعبوية على اليسار أيضًا! داليا شمس موسيقى الراحة الأبدية محمود عبد الشكور «قاهرة» علاء الديب إيهاب الملاح «بوب فيكشن».. نوستالجيا كتب الجيب! العالم يفكر هل دخل البشر مرحلة التهجين فعلا؟
قد يعجبك أيضا
شارك بتعليقك