إن السؤال الحقيقى الذى يُطرح فى صلب النقاش بين ممثلى كتلة اليمين وناخبيهم ليس عمّا إذا كان القانون المقترح سيؤدى إلى تجنيد الحريديم؛ فخلافًا للحملات الموجهة إلى الخارج، من الواضح للأغلبية الساحقة من أعضاء الكنيست فى الائتلاف -باستثناء قلة قليلة- أن القانون لن يجنّد الحريديم على نحو يلبّى حاجات الجيش الإسرائيلى، وأنه فى الأساس حل سياسى، لسدّ ثغرة فى سفينة السلطة المتمايلة، لكن أعضاء الائتلاف عالقون على قرنَى معضلة أُخرى: هل يستحق التجنيد الحقيقى، بفرض عقوبات ذات معنى، دفع ثمن تفكيك التحالف السياسى - الاستراتيجى بين اليمين الدينى والمحافظ وبين الحريديم؟لكن الحقيقة أنه لا توجد معضلة؛ نتنياهو لن يفكك الكتلة التى بناها حوله، وربما أوضح للحريديم فى لقائهم، الأسبوع الماضى، أن "الشراكة بيننا طويلة الأمد". كذلك يرى سموتريتش أن التحالف مع الحريديم مهم للحفاظ على حُكم اليمين، وهو يناقش مع حاخامات القطاع كيفية تصرُّف حزبه إزاء القانون المقترح.يهددون بالائتلاف بالقول: «إذا فككنا التحالف مع الحريديم، فستعرض عليهم المعارضة قانون تجنيد مشابهًا، وتؤلف حكومة معهم، أو ستؤلَف حكومة يسارٍ مع العرب، وسيكون اليمينيون والصهيونية الدينية كلهم حمقى نافعين». من جهتهم، يهدد الحريديم بأن المعارضة المتشددة فى أوساط الجمهور الصهيونى - الدينى لهم، والتى اشتدت فى ظل الحرب، ستؤدى إلى صعود حكومات يسارٍ تضرّ بسلامة الأرض، وهى جوهر روح هذه الفئة.هذه التهديدات عبارة عن تهويل فارغ، ومن غير الضرورى أن تكون النتيجة إقصاء ممثلى الحريديم عن الحكم. علاوة على ذلك، إن كتاب «المجتمع الحريدى السنوى»، وهو تقرير جديد للمعهد الإسرائيلى للديمقراطية يستند إلى معطيات دائرة الإحصاء المركزية، يحذّر من خطر وقوع ضرر استراتيجى بدولة إسرائيل، والذى يتمأسس بسبب إحكام الأحزاب الحريدية قبضتها على دفة الحكم.وفقًا للتقرير، إن وتيرة نموّ السكان الحريديم مرتفعة جدًا، مقارنة ببقية السكان، ومن المتوقع أن يتضاعف عددهم كلّ 17 عامًا، فى حين أن بقية السكان اليهود لن يتضاعف عددها إلّا كلّ 80 عامًا. ووفق التوقعات، فبحلول سنة 2030، سيكون ربع جميع الشباب حتى سن العشرين من الحريديم. هذه الأرقام لا تترك مجالًا للشك فى أن هناك خيطًا يربط ما بين سلامة دولة إسرائيل وسلامة الحريديم.يعرض التقرير، من بين أمور أخرى، حالة جمودٍ بشأن دمج الرجال الحريديم فى سوق العمل خلال العقد الأخير، ويشير أيضًا إلى العلاقة بين وجود الأحزاب الحريدية فى الائتلاف، وبين وتيرة نموّ عدد المتفرغين للدراسة وطلاب المعاهد الدينية؛ ووفقًا للمعطيات، فى الفترة 2013 - 2014، عندما لم يكن الحريديم فى الائتلاف، وتضررت ميزانيات دعم المعاهد الدينية، تباطأت وتيرة نموّ الطلاب والمتفرغين للدراسة فى المجتمع الحريدى، وجرى الأمر نفسه فى الحكومة السابقة فى سنة 2021، ومع ذلك، فإن وتيرة النمو فى المعاهد الدينية، وإن تضررت، ما زالت تحافظ على اتجاه تصاعُدى خلال العشرين عامًا الماضية.يشمل التقرير طيفًا واسعًا من القضايا الأُخرى، بما فيها نقاط مضيئة تتعلق بالمجتمع الحريدى، لكن جمع المعطيات مع اختبار أوراق الاستنتاجات التى فرضتها الحرب يُبرز، بإلحاح، الخلاصة المعروفة: دمج الحريديم لتحمّل العبء الأمنى والاقتصادى هو حاجة استراتيجية من الدرجة الأولى، سواء لزيادة حجم القوة القتالية، أو لتقليص العبء على الاقتصاد، والناتج من حجم قوات الاحتياط ونفقات الأمن الكبيرة.إن مقولة «يُحظَر الاستعداد للحرب السابقة» هى مفهوم عسكرى معروف، ومن المرجَّح أن يكون الصراع المقبل فى الشرق الأوسط أكثر صعوبة وتعقيدًا؛ وفى ظلّ حكومة يملك فيها الحريديم حق النقض السياسى، من المستحيل الدفع قدمًا بعمليات حقيقية لدمجهم فى التجنيد، وفى سوق العمل.صحيح أنه من دون الحريديم، لن يكون تأليف حكومة حصرية مكوّنة من كتلة نتنياهو ممكنًا، لكن من المؤكد أنه يمكن تأليف حكومات صهيونية موسعة تعالج هذه المشكلة من دون قيود سياسية؛ إن الحريديم كجمهور ليسوا منبوذين، لكن ممثليهم ليسوا شركاء فى مواجهة التحديات؛ كذلك يجب رفع المقاطعة المفروضة على نتنياهو من المعارضة فى مثل هذا السيناريو من أجل الهدف الأهم: أرض إسرائيل لن تتضرر، ولن تقوم دولة فلسطينية. صحيح أنه لن تكون هناك إصلاحات قضائية، لكن هناك قضايا أهم.. إنه الأمن، أيها الأحمق.
مقالات اليوم عماد الدين حسين مصر ترسم خطوطها الحمراء فى السودان خالد سيد أحمد قلق مشروع! ناجح إبراهيم أحمد الأحمد.. نضر وجه الإسلام عمرو حمزاوي بعضًا من دروس تجربة السلام المصرية-الإسرائيلية.. توازى المسارات وليس تعاقبها ليلى إبراهيم شلبي اختيارات غذائية.. كلوا بامية محمد زهران تهديد وجودى للجامعات فى مستقبل تتحكم فيه التكنولوجيا أسامة غريب الأيام الجهمة محمود قاسم قانون إيكا بسمة عبد العزيز المُبتدَأ محمد سالم فقاعة الذكاء الاصطناعى صحافة عربية فن التظاهر.. بالغباء!
قد يعجبك أيضا
شارك بتعليقك