تهديد وجودى للجامعات فى مستقبل تتحكم فيه التكنولوجيا

الجمعة 19 ديسمبر 2025 - 6:52 م

هل ستظل الجامعات على حالها مع التقدم التكنولوجى؟
كيف سيكون شكل الجامعات فى المستقبل؟
كيف نستعد لذلك؟


بتاريخ 5 ديسمبر من هذا العام، كتبت مقالا بعنوان «مشكلة محيرة.. الأستاذ الجامعى فى عصرنا الحالى»، يناقش حال الأستاذ الجامعى عندما تقوم برمجيات الذكاء الاصطناعى ببعض مهامه بكفاءة أعلى منه. اليوم، نتقدم خطوة أخرى فى مناقشة موضوع زحف التكنولوجيا (وبالأخص الذكاء الاصطناعى) نحو أراضٍ كانت فى الأصل محجوزة للبشر. اليوم، نتكلم عن حال الجامعات فى المستقبل.
بدأت الجامعات بمهمة وحيدة وهى التعليم، ثم تقدمت خطوة أخرى وبدأت فى إدخال البحث العلمى وبالتالى رسائل الدكتوراه. الخطوة الثالثة كانت المساهمة فى الصناعة، سواء عبر عقد شراكات مع الشركات أو إنشاء شركات منبثقة من البحث العلمى الجامعى. هذا هو الحال الآن. ماذا سيحدث فى المستقبل القريب؟
• • •
لماذا تشكل التكنولوجيا تهديدا وجوديا للجامعات بشكلها الحالى؟
للإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نرى ما الذى ستقدمه التكنولوجيا، خاصة الذكاء الاصطناعى، بطريقة أفضل مما تقدمه الجامعة التقليدية. هناك الكثير من الأمور التى يمكن أن نسردها، لكن سنعطى بعض الأمثلة فقط. ما نذكره فى تلك القائمة يستطيع الذكاء الاصطناعى القيام به بطريقة مقبولة الآن، وفى المستقبل القريب ستكون تلك البرمجيات أكثر كفاءة:
• الذكاء الاصطناعى يمكنه القيام بالتدريس للطالب بالطريقة التى تناسبه وبالسرعة التى تتوافق مع قدراته الاستيعابية. تقوم البرمجيات بتلك المهمة بدون ملل أو كلل، ويمكنها الإجابة عن أية أسئلة متعلقة بالمادة العلمية.
• الذكاء الاصطناعى يمكنه تأليف مسائل للطالب ويساعده فى حلها.
• الذكاء الاصطناعى يمكنه تصحيح الامتحانات وتقييم الطالب بدقة.
إذا نظرنا إلى الجيل الحالى فى بلادنا، الذى لا يجيد أغلبه اللغة العربية لأنه لا يرى لها أهمية، ونجدهم يتحدثون بالإنجليزية حتى خارج قاعة المحاضرات لأنها اللغة التى تتيح لهم الالتحاق بالشركات التكنولوجية الكبرى والحصول على مرتبات مرتفعة، فسنرى أن تلك الشركات تحتاج إلى مهارات معينة يستطيع الشخص الحصول عليها عن طريق البرمجيات كما أشرنا. لكن هذه المهارات فقط تجعل من الشخص مجرد ترس فى ماكينة تلك الشركات؛ المهارات وحدها لا تكفى إلا لصنع هذا الترس. العلم والتكنولوجيا تتقدم عن طريق الابتكار.
إذا كان الأمر كذلك، فماذا نتوقع من جامعات المستقبل القريب؟

 


• • •
ما شكل الجامعات المتوقع فى المستقبل؟
القائمة التى ذكرناها أعلاه تقوم بها البرمجيات، وبالتالى يجب ألا تقوم بها الجامعات. فماذا يبقى للجامعات؟
• يجب أن تركز الجامعات على فلسفة المواد العلمية، والمبادئ الأساسية التى بُنيت عليها، والعلاقة بين المواد بعضها البعض.
• يجب أن تركز الجامعات على تنمية مهارات التفكير النقدى، وكيفية تحديد السؤال البحثى، وكيفية حل المشكلات بطرق مبتكرة.
• يجب أن تدرس الجامعات للطلاب أخلاقيات البحث العلمى، وهى من أهم الأمور فى عصرنا الحاضر.
• كل تلك النقاط التى ذكرناها تحتاج من الجامعات أن تمتحن الطلاب فيها، لكن نوع الامتحانات سيختلف. تقييم الطلاب فى عصر الذكاء الاصطناعى يختلف عن طرق الامتحانات العادية؛ إذ يجب أن يعتمد على المناقشات الشفوية. يطلب الأستاذ من الطالب عمل بحث، ويسمح له باستخدام الذكاء الاصطناعى، ثم يناقشه شفويا حول هذا البحث وكيفية استخدامه لأدوات الذكاء الاصطناعى.
• بدلا من تدريس مواد علمية مختلفة، هناك اقتراحات بتدريس أسئلة بحثية وتحليلها من كل الجوانب، وتشمل هذه الجوانب التقنية والاجتماعية والأخلاقية وقد تشمل أيضا الجوانب الجغرافية والتاريخية والسياسية، مثل مادة عن استخدام الطاقة النظيفة وأخرى عن تدوير القمامة.
هذا سيجعل الجامعات أقرب إلى المراكز البحثية. هذا هو شكل الجامعات فى المستقبل. أما الجامعات التى تعتمد على التدريس فقط، فأعتقد أنها ستختفى. هذا طبعا رأى شخصى، لكنه قد يكون نقطة بداية لنقاش مثمر.

 

 


• • •


هل هذا شىء جيد؟
قد يعترض البعض على كل ما ذكرناه ويقول إن الجامعة أكبر من مجرد مؤسسة تعليمية، بل هى تجربة ثقافية وحياتية متكاملة. هذا صحيح طبعا فى الأساس، لكن أغلب الجامعات اليوم إما مشروع ربحى أقرب إلى النادى، أو مركز بحثى يهتم بالنشر العلمى. الجامعات التى تمنح الحياة الثقافية والتجربة الإنسانية الكاملة نادرة.
من هذه الناحية، يمكن النظر إلى أن التقدم التكنولوجى الذى يؤدى إلى التغيير الكبير فى الجامعات سيعطى مساحة أكبر لتلك التجربة الإنسانية داخل أروقة الجامعة، حيث إن المادة العلمية وتدريسها ستتم خارج وقت الجامعة عن طريق البرمجيات.
وحيث إننا ذكرنا «أروقة الجامعة»، هناك سؤال يطرح نفسه بشدة: هل ستظل الجامعات على شكل مبانٍ وحجرات؟ تكنولوجيا الواقع المعزز يمكنها جعل الطلاب يتفاعلون مع أساتذتهم ومع بعضهم البعض وهم فى بيوتهم. تخيل أن تتخرج من أكبر جامعات العالم وأنت فى بلدك دون الحاجة للسفر. نحن لا نتكلم عن التدريس والاجتماعات عبر الإنترنت كما نراها اليوم، بل عن تكنولوجيا واقع معزز متقدمة جدا تجعلك تحس أنك فى قاعة المحاضرات أو المعمل وتتفاعل مع الأشخاص والأجهزة بطريقة طبيعية، وهذه تكنولوجيا على الأبواب فعلا.
الشهادة الجامعية أيضا ستختلف. فى وقتنا الحالى، تدل على امتلاك بعض المهارات التقنية مثل البرمجة، فى حين أن الشهادة المستقبلية ستدل على امتلاك مهارات التفكير النقدى والبحث العلمى، وهى مهارات ستظل مفيدة على المدى الطويل، بعكس المهارات التقنية التى تتغير مع تقدم التكنولوجيا. نحن نتكلم عن مرحلة البكالوريوس فى الجامعة، وليست الدراسات العليا.

 


• • •
كما أن الجامعات ظهرت لحاجة المجتمعات إليها، فإن تحورها وإعادة تشكيلها سيكون أيضا لحاجة المجتمعات. وإلا ستختفى الجامعات أو تبقى كشكل لا أهمية له.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة