كنا فى صيف عام 2009 أنا وأربعة من الزملاء الصحفيين، والزميل أحمد المسلمانى، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام حاليًا، ومعنا العالم المصرى الأمريكى الكبير أحمد زويل. كانت جلسة مسائية على ضفاف النيل، بدأ الحديث خلالها وديًا خاليًا من الكلام فى السياسة، حتى فاجأنا الدكتور زويل، الذى كان قد اختير قبل هذه الجلسة بعدة أسابيع ليكون أحد أعضاء المجلس الاستشارى للعلوم والتكنولوجيا التابع للبيت الأبيض، والمعروف اختصارًا باسم «بى كاست».فاجأنا الدكتور زويل بعد مقدمة قصيرة عن دوره فى المجلس وسعادته باختياره عضوًا فيه بالسؤال: «تفتكروا هل يكره المصريون أمريكا؟ وإن كانوا بالفعل يكرهونها فلماذا؟».كان السؤال مباشرًا، وكانت الإجابات متباينة، وإن كانت تصب فى مسار رئيسى يشير إلى أن العلاقات بين مصر وأمريكا خلال العقود الثلاثة الأخيرة علاقات استراتيجية، وأن زيارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما إلى مصر تعكس أهمية هذه العلاقة. وزاد أحدهم أن اختيار الدكتور زويل ليكون واحدًا من مستشارى الرئيس أوباما، وإن كان اختيارا صادف أهله لأسباب عديدة، إلا أنه غير بعيد عن كون الدكتور زويل مصريا أصيلا.فتدخل الدكتور زويل قائلا: «هذا عن العلاقات الرسمية، لكننى أسأل عن التصورات الشعبية لهذه العلاقة»، ثم وجه حديثه لى حين لاحظ أننى لم أشارك فى الإجابة عن سؤاله: «إنت إيه رأيك يا أستاذ؟».فقلت: «أنا شخصيًا لا أحبذ استخدام مفردات مثل الحب والكره عند الحديث فى السياسة. والمصريون عاطفيون بطبعهم، لكنهم فى هذا الأمر – حسب تقديرى – لا يقيّمون العلاقة مع أمريكا تقديرًا عاطفيًا، بل تقديرًا موضوعيًا. فإن كانت أمريكا تقف مع مصر وتدعمها، فسيكون الشعور السائد هو حب المصريين لأمريكا، وإن كان العكس، فالكره سيكون العنوان المناسب دون شك».وأضفت: «لكن الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وإن اختلفت ما بين ديمقراطى وجمهورى، لم تكن فى يوم من الأيام داعمةً لمصر. وهى أيضًا، وإن اختلفت سياساتها، تتفق على شىء أساسى وهو الرعاية الكاملة لإسرائيل، وهذا سبب آخر لكى يكره المصريون أمريكا، حتى وإن اتفقوا على أهمية العلاقات المصرية الأمريكية».أنهيت كلامى سريعًا، فعلق أحد الزملاء علىّ مداعبًا: «هذا رأى ناصرى كلاسيكى لا يراعى التغييرات التى يشهدها العالم من حولنا». وقبل أن أرد عليه، كان الدكتور زويل يقول: «أنا أتفق مع هذا الرأى، لكن أعتقد أن إدارة أوباما تختلف إلى حدٍ ما عن الإدارات الأمريكية السابقة». وبعد كلام الدكتور زويل تغيرت دفة الحوار.فى هذه الجلسة ذكرت الحاضرين برسمٍ كاريكاتورى للفنان الفلسطينى الكبير ناجى العلى، يقول فيه: «من رأى منكم أحدًا يثق بإسرائيل وأمريكا فليقاومه بيدِه، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، فإن لم يستطع ف... وهذا أضعف الإيمان». فضحك الجميع، وعاد الحديث كما بدأ وديًا خاليًا من السياسة.لم يكذب ناجى العلى فى هذه الرسمة، فقد كان – كما قال عنه الكبير عبد الرحمن الأبنودى – صادقًا شجاعًا:كام قلت لهقلها خفايفنص شفايفقال لى يا شاعر لو خايف:شوف الرسمة.حين أقدمت إسرائيل على جريمتها باستهداف قادة حماس فى قلب العاصمة القطرية الدوحة، بتنسيق مع الإدارة الأمريكية، أعادت إلى الأذهان مضمون رسوم لناجى العلى. فهذه قطر التى تلعب دور الوسيط بين إسرائيل وحركة حماس وتستضيف قادة الحركة بتنسيق مع الجانبين «إسرائيل وأمريكا»، ولديها أكبر قاعدة أمريكية على أراضيها، لم تسلم من الغدر الإسرائيلى- الأمريكى المشترك.إن الموقف الخليجى العربى الإسلامى الداعم لقطر فى هذه الأزمة يدل على أن الجميع بات يدرك حجم الخطر الذى تمثله إسرائيل، ومن ورائها أمريكا. لكن إدراك الخطر ليس كافيًا لمواجهته، وإن كان يمثل أول خطوة على طريق المواجهة الطويل. وعلى هذا الطريق لا بد من إعادة الاعتبار لفكرة الدفاع العربى المشترك، وهذا ليس كلاما عاطفيا، بل هو ضرورة استراتيجية ملحة. فغير بعيد عن هذا الموقف تتبلور المحاولات الأوروبية لإنشاء منظومة دفاعية مستقلة بعيدا عن المظلة الأمريكية، فما بالنا نحن العرب الذين لا يخفى أعداؤنا خططهم فى إعادة رسم خرائط المنطقة وفقا للمفهوم الإسرائيلى التوسعى، الساعى إلى «إسرائيل الكبرى» وفرض هيمنتها وسيطرتها على كامل التراب العربى من المحيط إلى الخليج.
مقالات اليوم حسن المستكاوي جاري لينكر ينتصر على الـ«بي. بي. سي» عبد الله السناوي الهجوم الإسرائيلي وتداعياته.. الهجوم المضاد وحدوده عماد الدين حسين سقوط الأوهام بعد الهجوم على الدوحة محمد سعد عبدالحفيظ الواجب والأوجب في أزمة الصحافة والإعلام نبيل الهادي البحث عن منظومة طعام بديلة في جزيرة الدهب سمير العيطة حول اللامركزية والفدراليّة في سوريا خولة مطر «ربي يرجعهم بالسلامة» من الصحافة الإسرائيلية فيلم وثائقي يكسر جدار الصمت.. إسرائيل تواجه ماضيها الدموي
قد يعجبك أيضا
شارك بتعليقك