تواجه حركة حماس لحظة فارقة فى تاريخها لأول مرة منذ تأسيسها فى عام 1987؛ إذ يتعين عليها الاختيار بين قبول المبادرة الأمريكية «المُهندسَة» وفقا للمقاييس والمصالح والاعتبارات الإسرائيلية، وبالتالى رفع الراية البيضاء والانسحاب والتوارى عن المشهد، أو الرفض المطلق لها والتمسك بالبندقية ومواجهة تبعات تواصل حرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة.موقف صعب ومعقد للغاية لأن القبول أو الرفض للخطة الأمريكية له انعكاسات وتداعيات هائلة وخطيرة على الشعب الفلسطينى وقضيته العادلة.. فإما الخضوع والاستسلام التام للرؤى الإسرائيلية أو مواصلة القتل والتدمير والإبادة، وهو ما عبَّر عنه مسئول فلسطينى مطلع بالقول: «قبول الخطة مصيبة، ورفضها مصيبة أخرى، ولا توجد خيارات جيدة، لكن ما يمكن قوله هو أن هذه الخطة هى خطة نتنياهو، وتم التعبير عنها بواسطة ترامب!».مكمن الصعوبة يرجع بالتأكيد إلى وجود عناصر إيجابية لا يمكن تجاهلها فى الخطة، مثل وقف حرب الإبادة التى يتعرض لها الفلسطينيون منذ عامين، وعدم احتلال قطاع غزة والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية لسكان القطاع ومنع تهجيرهم، إضافة إلى رفض ضم الضفة الغربية وتأييد توحيدها مع قطاع غزة.لكن فى المقابل توجد مخاوف حقيقية من بنود عدة فى خطة ترامب، أهمها ما ذكرته مصادر مطلعة لموقع «أكسيوس»، وهو «ربط الانسحاب الإسرائيلى بتقدّم عملية نزع سلاح حماس، ومنح الاحتلال حق النقض (الفيتو) على مجريات التنفيذ. وحتى مع استكمال المراحل الثلاث للانسحاب، ستبقى قوات الاحتلال متمركزة داخل طوق أمنى فى غزة إلى أن يتم ضمان خلوها من أى تهديد محتمل، وهو ما قد يعنى بقاءً غير محدد المدة».ليس هذا فحسب، بل إن الخطة الأمريكية تنص على خضوع قطاع غزة لحكم انتقالى مؤقت من قبل لجنة فلسطينية تكنوقراطية تحت إشراف هيئة انتقالية دولية جديدة تدعى «مجلس السلام» يترأسها ترامب، وهو ما يعنى فرض الوصاية الدولية على الشعب الفلسطينى فى القطاع.كذلك فإن هذه الخطة تم طرحها لمحاصرة وتطويق الزخم الدولى الهائل الذى حققته القضية الفلسطينية على المستوى الدولى، والمتمثل فى سيل الاعترافات التى أقدمت عليها الكثير من دول العالم بالدولة الفلسطينية وحق شعبها فى تقرير مصيره والتخلص من الاحتلال الصهيونى، وهو ما عبّر عنه صراحة رئيس الوزراء الإسرائيلى عقب اجتماعه مع ترامب فى البيت الأبيض، حيث قال: «بدلًا من أن تعزلنا حماس، قلبنا الأمور رأسًا على عقب، وعزلنا حماس، وجعلنا العالمين العربى والإسلامى وسيلة ضغط على الحركة لقبول الشروط والخطة التى وضعتها مع الرئيس ترامب»، مشيرا إلى رفضه التام لفكرة إقامة دولة فلسطينية، قائلا: «هذا ليس مكتوبًا فى الاتفاق، سنعارض بشدة قيام دولة فلسطينية مستقلة، وهى فكرة غير مقبولة».أمام حقائق واضحة وضوح الشمس مثل هذه، تواجه فصائل المقاومة، وبالأخص حماس، مشهدا معقدا وهامش مناورة يكاد يكون منعدما، حيث المطلوب منها فقط أن تقول «نعم أو لا» لخطة ترامب، لكن هذه الثنائية الصعبة لها ثمنها الباهظ.. فإن وافقت عليها تكون قد قبلت بتحريم مبدأ المقاومة ضد الاحتلال وهو حق تكفله القوانين الدولية، وفى حال رفضتها فسوف تستمر معاناة شعبها جراء القتل والتجويع والإبادة الصهيونية والتهديد بالتهجير بدعم أمريكى واسع، وفقا لما صرّح به ترامب الذى قال: «إذا رفضت حماس الاتفاق فإن نتنياهو سيحصل على دعمنا الكامل للقيام بما يجب».أقرب التصورات للرد المتوقع من حركة حماس على خطة ترامب، هو القبول بها لكن مع المطالبة بإدخال بعض التعديلات التى تتعلق بجدول انسحاب جيش الاحتلال من القطاع ونزع سلاح فصائل المقاومة وحكم غزة بالفلسطينيين أنفسهم لا بالشخصيات الدولية المستوردة، إضافة لوجود آلية محددة لإرساء مسار سلام عادل قائم على حل الدولتين الذى يضمن التكامل الكامل لغزة مع الضفة الغربية.لا ينبغى ترك فصائل المقاومة الفلسطينية وحدها تواجه تداعيات الموافقة أو الرفض للخطة الأمريكية، ولا بد من تدخل عربى وإسلامى جاد وحقيقى لتعديل ومناقشة وتوضيح بعض بنودها، وهو ما بدأ يظهر صراحة فى التصريحات الرسمية المصرية والقطرية، التى دعت إلى ضرورة البناء على ما تضمنته من عناصر إيجابية والمطالبة بتوضيحات بشأن بعض القضايا الواردة فيها، حتى يتم الحفاظ على مصالح وحقوق الفلسطينيين، ومنع تصفية القضية الفلسطينية من جذورها، أو تحقيق أهداف نتنياهو التى عجز عن فرضها بقوة السلاح وحرب الإبادة منذ عامين.
مقالات اليوم حسن المستكاوي مؤلف ومخرج مباراة مصروتشيلى عماد الدين حسين ما حدث بين ترامب وحماس.. وبينهما العرب محمد عبدالشفيع عيسى «اليهودية السياسية» و«الصهيونية الإسرائيلية» داليا شمس تذكرة للحرية أيمن أبو المجد إسرائيل الخاسرة على المدى الطويل إيهاب الملاح «أكتوبر» فى الاستراتيجية العالمية محمود عبد الشكور كوابيس مسخ المدينة صحافة عربية الإعلام الذكائى العالم يفكر أمريكا - الصين.. تنافس اقتصادى بأبعاد جيوسياسية
قد يعجبك أيضا
شارك بتعليقك