x قد يعجبك أيضا

الحكومة التى تدير إسرائيل غير عاقلة.. ويجب إسقاطها

الخميس 17 يوليه 2025 - 7:10 م

لا أطلق دعوة إلى إسقاط حكومة منتخبة فى إسرائيل بخفة، لكن أحداث الأيام الأخيرة قادتنى إلى استنتاج واحد ووحيد، استنتاج لم أصل إليه طوال حياتى، وهو أن شئون إسرائيل تديرها حكومة غير عاقلة حاليًا.
فالحكومة العاقلة لم تكن لتدفع نحو انقلاب قضائى فى خضم حرب تدور على سبع جبهات، تتطلب اتخاذ قرارات تتعلق بالحياة والموت، ولم تكن لتمزّق الشعب بهذه الطريقة، وتزرع فيه الكراهية، وتُضعف الدافع لدى الفئات التى تقاتل وتتحمل العبء. الحكومة العاقلة لم يكن ليخطر فى بالها ترويج قانون يعفى 80 ألف شاب مؤهل من الخدمة العسكرية، لا بل تشجّعهم على عدم التجنيد من خلال الامتيازات التى يحصلون عليها على حساب دافع الضرائب، وذلك فى وقت يحتاج الجيش بشدة إلى 10.000 جندى إضافى للحفاظ على الإنجازات الأمنية التى تحققت حتى الآن، ولمنع الانزلاق إلى حرب جديدة فى المستقبل القريب. حكومة عاقلة لم تكن لتمزّق نسيجنا الاجتماعى، ولم تكن لتهدم «الدولة اليهودية والديمقراطية» التى حاربنا ونواصل القتال من أجلها. التركيز على بنيامين نتنياهو، على أنه مصدر كل الشرور ليس صحيحًا. إنها الحكومة كلها، بكل أعضائها. أنا خائف منهم. ببساطة، أنا خائف منهم.
إن تحليل العوامل والدوافع التى جعلت حكومتنا تسلك طريق «موكب الحماقة» وتتصرف بما يتعارض مع مصالحنا الأمنية والوطنية، بل مع المنطق السليم، أتركه للخبراء الأكثر كفاءةً وخبرةً منى فى السياسة الإسرائيلية، وللجهات التى تديرها، لكن يبدو كأن هذا الانحراف الفكرى والخلل فى البصيرة الذى أصاب هذه الحكومة يقودنا إلى أفكار تزداد غرابةً وضررًا وخطورةً، يومًا بعد يوم.
ما هى المدينة الإنسانية؟
لنأخذ مثالاً «المدينة الإنسانية» التى يطالب نتنياهو وسموتريتش الجيش بإقامتها بين شارع موراغ وممر فيلادلفيا.
وفقاً للخطة التى أُعدّها الجيش الإسرائيلى، لا يدور الحديث حول معسكر اعتقال، ومن المؤكد ليس عن معسكر إبادة، حسبما يدّعى بعض الجهات فى اليسار الإسرائيلى، ثم بعض وسائل الإعلام الدولية. المقصود إقامة مخيم لاجئين ضخم، ستضطر إسرائيل إلى إنفاق المليارات من أجل بنائه، وبناء البنى التحتية من مياه وصرف صحى وخدمات صحية ومستشفيات، لتلبية حاجات مئات الآلاف فى البداية، ومليون فلسطينى فى نهاية العملية.
لكن، إلى جانب الوقت المطلوب لبناء هذه المخيمات والموارد التى ستُستثمَر فيها، من غير الواضح ما هى الغاية العسكرية، أو المصلحة الإسرائيلية الكامنة وراء «المدينة الإنسانية». هذه يعتقد وزير الأمن كاتس ورئيس الوزراء نتنياهو أن تجميع السكان الفلسطينيين بالقرب من الحدود مع مصر سيقرّب لحظة هجرتهم من قطاع غزة، أمّا سموتريتش، فيأمل بأن يخلى ذلك أراضى له ولدانيالا فايس لإعادة الاستيطان فى منطقة «الساحل الفلسطينى»، لكن هذا محض وهم، لأنه ما من دولة غربية مستعدة لاستيعاب عشرات الآلاف من اللاجئين من غزة، فضلاً عن مئات الآلاف. إن ما لا يقل عن نصف سكان غزة مستعدون للهجرة من القطاع، لكن فقط إلى دول غربية، يمكن أن يتحسّن فيها وضعهم، وليس إلى دول قد تقبل استقبالهم فى إفريقيا، أو آسيا، حيث سيزداد وضعهم الشخصى سوءا.
كما أن الفكرة القائلة إن إقامة «مدينة مغلقة» فى جنوب القطاع ستفصل السكان عن «حماس»، غير قابلة للتنفيذ، وهى منفصلة عن الواقع، مثلما حدث فى «المنطقة الإنسانية» فى المواصى، وفى مناطق أُخرى فى غزة، فإن عناصر «حماس»، من دون سلاح، سينتقلون مع عائلاتهم إلى «المدينة الإنسانية»، جنوبى شارع موراغ، وهناك سيديرون حرب شوارع مع أفراد الحمائل الذين تمرّدوا عليهم، والذين سيأتون، هم أيضا، إلى «المدينة الإنسانية» للحصول على الطعام.
انعدام الكفاءة
إن «محطات التصريف» التى سيقيمها الشاباك لفرز عناصر «حماس» والجهاد الإسلامى من بين الداخلين إلى «المدينة الإنسانية»، أثبتت فعلاً عدم فعاليتها عندما فرّ سكان شمال القطاع إلى المواصى، وكان بينهم عناصر من «حماس»، وكذلك عندما سُمح لأولئك الأشخاص بالعودة إلى شمال القطاع، كما حاولت الشركة الأمريكية أيضا أن تفصل بين «الإرهابيين» والمدنيين غير المتورطين، لكنها فشلت.
علينا، نحن كمواطنين، أن ندرك أنه طالما بقيت هذه الحكومة فى الحكم، فإن أفكارًا من هذا النوع ستؤدى إلى إهدار الموارد وسقوط ضحايا فى صفوفنا. من الواضح تمامًا ما يجب على هذه الحكومة فعله حتى تحافظ إسرائيل على ما حققته حتى الآن، وتتجنّب مزيدًا من نزف الدماء والموارد التى تراجعت فائدتها الهامشية بشكل كبير فى الأيام الأخيرة.
لو كان لدينا حكومة عقلانية وبراجماتية، لكان رئيس الوزراء ووزراؤه قد فهموا واستوعبوا أننا فى هذه الحرب حققنا النصر فى كل الجبهات تقريبًا، باستثناء اليمن ربما. لكن رئيس الوزراء، الذى يرى نفسه الحامى الأسمى للشعب اليهودى على مرّ الأجيال، لا يريد الاعتراف بذلك، وحتى فى غزة، لم يتبقّ كثير مما يمكن انتزاعه من «حماس»، عبر عمليات الجيش الإسرائيلى. صحيح أن «حماس» لم تُهزم نهائيًا، لكنها مُنيت بهزيمة. لم يُقضَ عليها نهائيًا، على الرغم من أن معظم قدراتها العسكرية سُلبت منها، بما فى ذلك الأنفاق، لكنها لا تزال تملك الرغبة فى الوقوف مجددًا وخوض حرب عصابات، عبر خلايا صغيرة.
يرى نتنياهو أن الإسلام الراديكالى هو العدوّ النهائى الذى يجب محوه من الأرض تمامًا، إمّا عبر التصفية الجسدية، وإمّا عبر ترحيله إلى مناطق أُخرى، وما دامت «حماس» موجودة على بُعد 800 متر عن سديروت، فهى تشكّل خطرًا. نتنياهو ليس مخطئًا، لكن حساب التكلفة فى مقابل الفائدة فيما يتعلق بـ«الانتصار العسكرى الكامل» الذى يسعى لتحقيقه، قد يحوّل هذا الانتصار إلى نصر بيروسى، وهو ذاك الذى قال عنه صاحبه: «بعد نصر كهذا، نحن هالِكون».
ماذا يجب أن نفعل فى غزة؟
فى كل حرب، سواء أكانت ضد جيوش «إرهابية»، أو جيوش نظامية، لا بد من أن تكون المرحلة الأخيرة ذات طابع سياسى، ويجب أن يكون الأمر كذلك أيضًا فى حرب 7 أكتوبر، على جميع جبهاتها السبع؛ ففى لبنان وسوريا، نحن فعلاً فى مرحلة الانتقال إلى المسار السياسى، وكذلك الأمر مع إيران، وإن كان ذلك سيستغرق وقتًا أطول.
أمّا فى غزة، فلا بد من القيام بأمرين، وفق الترتيب التالى:
أولاً، استعادة الأسرى جميعهم، وفقط بعد ذلك، يمكن للجيش الإسرائيلى، إذا لم تُعلَن تهدئة دائمة، أن يعمل بفعالية ضد ما تبقّى من ثلاثة، أو أربعة مراكز ثقل تحت الأرض تابعة لحركة «حماس» فى غزة. ما دامت «حماس» لا تزال تحتجز أسيرًا واحدًا، فلن يكون فى إمكان الجيش إتمام المهمة، حتى وفقًا لمنظور نتنياهو وسموتريتش، اللذين تتقارب أيديولوجيتهما أكثر مما يبدو على السطح. إن تحرير الأسرى سينهى أيضًا الجدل المدمّر داخل إسرائيل، والذى يمزّق المجتمع ويبذر الكراهية فى داخله.
أمّا الخطوة الثانية، فهى أنه فى موازاة تحرير الأسرى، يجب العمل بالتعاون مع الولايات المتحدة ودول المنطقة والسلطة الفلسطينية على تشكيل إدارة جديدة فى غزة. نعم، يجب على نتنياهو وسموتريتش السماح للسلطة الفلسطينية بأن تكون جزءًا من «اليوم التالى» فى القطاع، وإلّا فسنكون مُجبرين على الاختيار بين تحويل القطاع إلى الصومال، أو فرض إدارة عسكرية إسرائيلية ستتطلب منا موارد وجهدًا نفسيًا لا نملكه.
على إسرائيل التدخل فى المفاوضات بشأن «اليوم التالى» فى غزة على أساس مبدأين أساسيَّين: أولاً، أن تكون إسرائيل هى المسئولة الوحيدة والأخيرة عن أمنها وأمن مواطنيها؛ ثانيًا، أن يتمكن الجيش الإسرائيلى من الحفاظ على دفاع متقدّم داخل أراضى القطاع. وطالما لم يتم الاتفاق على هذين المبدأين، يحق لإسرائيل الإصرار على عدم إعلان تهدئة دائمة، لكنها فى الوقت نفسه، مُطالَبة بمساعدة الولايات المتحدة وإدارة ترامب فى التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووى والصواريخ مع إيران. هذا الأمر ممكن، لكنه سيستغرق وقتًا.
هذه هى خلاصة ما يجب على حكومة إسرائيل القيام به، إذا كانت فعلاً تضع المصالح الأمنية والوطنية نصب عينيها. لكن، إذا لم تسلك هذه الحكومة خلال أسابيع قليلة مسارًا عقلانيًا يخدمنا كمواطنين، فلن يكون أمامنا من خيار سوى الانخراط جميعًا فى جهد لإسقاطها، عبر إضراب عام مفتوح فى الاقتصاد، مصحوب بخروج جماهيرى واسع إلى الشوارع. لا خيار أمامنا، فكما تقول الصلاة: «لنزِل حكومة الشر من الأرض»، وننهى «موكب الحماقة»، قبل أن تُلحق هذه الحكومة أضرارًا أكبر، ربما لا رجعة فيها، بأمننا ونسيجنا الاجتماعى.

رون بن يشاى

يديعوت أحرونوت

مؤسسة الدراسات الفلسطينية

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة