تكنولوجيا فى خدمة النساء.. منصات عربية للحد من العنف الرقمى
الخميس 14 نوفمبر 2024 - 7:26 م
يستعرض التقرير عددًا من المنصات ــ فى مصر ودول عربية مختلفة ــ المتخصصة فى مساعدة النساء على مقاومة ما يتعرضن له من عنف رقمى.
لسنوات طويلة عانت نور (24 سنة) سمات ضعف الشخصية نتيجة طبيعة نشأتها؛ إلا أن متابعتها لحملات التوعية والدعم عبر وسائل التواصل الاجتماعى ساعدها على تطوير شخصيتها، ومكّنها من التصدى للعنف ومساندة غيرها.
تعرضت نور خلال طفولتها لعنف منزلى أثر سلبًا فى شخصيتها، تتذكر ما مرت به قائلة: «تعرضت وأنا صغيرة السن لضرب وعنف شديدين ومتكررين، كنت أتجنب عمل أى شىء، خوفًا من أن يضربنى والدى».
أثمرت حملات التوعية الرقمية التى شاركت فيها نور، وتجلّت نتائجها فى أحد المواقف المؤثرة، حين كانت تدرس أختها بالجامعة، تقول نور: «كانت هناك مجموعة (جروب) على الواتس آب فيها كل الزميلات والزملاء فى الكلية.. قام أحد الأشخاص بالدخول لكل بنت على حدة، وهدّدها بأنه يعرف عنها كل شىء، وسيفضحها بإرسال صورها لأبيها».
تسبب هذا الشخص فى مشكلات أسرية لعضوات الجروب، إلى أن أتى الدور على شقيقة نور، فعندما اتصل المُبتز بأختها، أخذت منها الهاتف بثبات شديد، وردت عليه قائلة: «لو اتكلمت هنا تانى مش هسيبك، وهبلغ عنك.. أنا مش هسكتلك». لا تصدق نور كيف استطاعت مواجهة تهديدات المبتز، ولم تخضع له.
تواجه النساء والفتيات هذا النوع من التهديدات الرقمية بكثرة؛ إذ وجدت دراسة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، عام 2020 خلال فترة جائحة كورونا، بعنوان «العنف ضد المرأة فى الفضاء الرقمى»، أن قرابة نصف مستخدمات الإنترنت (49 فى المائة) فى ثمانى دول عربية قُلن بعدم شعورهن بالأمان بسبب التحرش عبر الإنترنت، وأن 22 فى المائة من النساء اللواتى واجهن العنف عبر الإنترنت، تعرضن «للابتزاز الجنسى المباشر».
وتشير الدراسة إلى أن بعض البلدان العربية خصّصت بوابات إلكترونية أو استمارات أو عناوين بريد إلكترونى، للإبلاغ عن حوادث العنف ضد النساء والفتيات على الإنترنت، ضمن استجابتها للتصدى للعنف ضد النساء، ومع ذلك، لا يزال هناك انخفاض فى معدلات الإبلاغ عن العنف عبر الإنترنت.
«قاوم» لمكافحة الابتزاز الرقمى
مع رصد عدد من حالات الابتزاز الرقمى للفتيات فى مصر، برزت مؤسسة «قاوم»، التى تعمل على توعية ضحايا العنف الرقمى من الجنسين ودعمهم وتشجيعهم، خاصة الفتيات، على تقديم بلاغات رسمية، وذلك عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعى.
يقول محمد اليمانى مؤسس «قاوم»: «بدأنا بجروب أيام الكورونا لمحاربة العنف، خصوصًا الابتزاز والجرائم الإلكترونية، بعد ظهور جرائم عنف كثيرة جدًا، وحالات انتحار عديدة بسبب الابتزاز».
واجه اليمانى سخرية حين بدأ مبادرته وحيدًا، لكنّه اليوم محاط بمئات المتطوعين العاملين معه، واستطاعوا مساعدة أكثر من أربعة آلاف حالة، حسب قوله.
تقدم مؤسسة قاوم ــ عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعى التى يصل عدد متابعيها على الفيسبوك وحده إلى أكثر من مليون ومائتى ألف متابع تقريبًا ــ عدة خدمات إلكترونية مثل: حملات توعية، واستقبال طلبات المساعدة، والبلاغات الإلكترونية بشكل سرى على مدار 24 ساعة، وطلب المساعدة عبر الرسائل، والدعم النفسى والقانونى الموجَّه للناجيات وذويهن.
يوضح اليمانى أنهم يتحققون من صحة بلاغات وشكاوى الفتيات عبر عدة إجراءات؛ من بينها الحصول على نسخة مصورة من محادثات الابتزاز، أو النص المكتوب، مع وضع تمويه للصورة.
ووفقًا للدراسة التى أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة، فإن النساء يعتقدن أن أفضل وسيلة للتصدى للعنف عبر الإنترنت، هى معاقبة الجانى عبر اتخاذ الشرطة الإجراءات اللازمة.
يشير اليمانى إلى أن نجاحه الحقيقى هو تشجيع الفتاة ــ التى تتعرض للتهديد، أو للابتزاز ــ على توثيق الجريمة، وتقديم بلاغ رسمى.
ويتمثل الحل الودى ــ بالنسبة لمؤسسة قاوم ــ فى التواصل مع المعتدى بعد تقديم البلاغ للوصول إلى تفاهم، كما يشرح اليمانى: «يتم فى هذا الوضع اتخاذ الإجراءات كافة؛ من حذف كامل لأى محتوى يخصها، وتوقيع المتعدى على إقرار بمسئوليته المستقبلية عن أى محتوى يضر الفتاة لضمان عدم تكراره لجرائم الابتزاز الإلكترونى؛ كما تتمّ متابعته من حين لآخر، لأن هدفنا هو تعديل سلوك الطرفين للأفضل، وإدماجهما فى المجتمع لضمان سلامتهما النفسية، وعودتهما للحياة الآمنة والسوية مرة أخرى».
من جانبها، ترى آية منير، مُؤسِّسة المبادرة المصرية «سوبر وومن»، المتخصصة فى دعم النساء، أن التكنولوجيا ــ وتحديدًا مواقع التواصل الاجتماعى ــ ساعدت على منح النساء مساحة من الحرية للحديث عن قضاياهن ومناصرتها، وتقديم الدعم الرقمى والوجاهى لهن.
وتضيف آية منير: «لولا السوشيال ميديا مكنش هيتعرف إننا بنقدم دعم». وتشير إلى أن مبادرتها قدمت حملات رقمية متنوعة عن العنف الأسرى والرقمى منذ عام 2016.
وتؤكد آية أن فترة الإغلاق بسبب كورونا أسهمت فى انتشار واسع للمبادرة؛ بسبب زيادة النشاط على وسائل التواصل الاجتماعى، مضيفة أن المبادرة اعتمدت على أدوات منصات التواصل الاجتماعى فى جذب الجمهور مثل «الميمز»، والكوميديا، ودوائر الحكى، والمجموعات المغلقة.
الذكاء الاصطناعى لكشف الكراهية ضد النساء
فى الأردن ظهرت أداة «نهى»، وهى أداة مفتوحة المصدر مدعومة بالذكاء الاصطناعى، تساعد الباحثين على اكتشاف خطاب الكراهية القائم على الجنس باللغة العربية، عبر الإنترنت، خاصة مواقع التواصل الاجتماعى.
وقد ابتكرت الجمعية الأردنية للمصدر المفتوح (جوسا) هذه الأداة؛ لكشف خطاب الكراهية باللهجة الأردنية، بداية من الكلمات المسيئة، وحتى التهديد بالعنف أو القتل، سواء كانت من خلال تعليق أو منشور، على منصات مثل فيسبوك، وإنستجرام، وإكس (توتير سابقا)، وفق يارا الرافعى، الباحثة بالجمعية.
وتوضح يارا: «غذينا الأداة فى البداية بعشرات الآلاف من الجمل والعبارات، وليس الكلمات؛ حتى تستطيع الأداة فهم السياق الكامل». وأشارت إلى أن الجمعية تبحث تطوير الأداة عبر إضافة لهجات عربية أخرى مثل: المصرية والعراقية.
وغُذّيت الأداة بمجموعة بيانات تمّ الحصول عليها عبر رصد 20 وسمًا رائجًا يتعلق بالمرأة والحركة النسوية، بالإضافة لناشطات ومؤثرات فى الأردن.
«حُر» تحرر الفلسطينيات من «الاحتلال والعنف»
أما فى فلسطين، فيبرز دور التكنولوجيا لدعم المرأة بشكل خاص؛ فالاحتلال الإسرائيلى يمنع التنقل بين المدن بسهولة، ويعرقل الحصول على الكثير من الدعم والخدمات المُخصَّصة لمكافحة العنف ضد النساء، كما يوضح أحمد قاضى، ممثل مركز «حملة» بفلسطين قائلاً: «بسبب وجود احتلال وتشرذم جغرافى، أخذنا المسئولية على عاتقنا قدر الإمكان لحماية النساء من العنف المبنى على النوع الاجتماعى.. فبادرنا بإطلاق منصة حُر، التى نوثق من خلالها أشكالاً مختلفة من العنف على منصات التواصل الاجتماعى، خاصة المبنى على النوع الاجتماعى».
ويشير القاضى إلى أن أكثر أشكال العنف الرقمى، التى يرصدها المركز هى: اختراق حسابات، وابتزاز، ونشر صور شخصية، ونشر كلمات عنيفة تستهدف النساء تحديدًا.
يتذكر القاضى واحدة من نماذج دعم السيدات، بعد مشاركتهن فى إحدى التظاهرات قائلاً: «كان هناك خطف للهواتف، ونشر صور شخصية بهدف ترهيب هؤلاء النسوة، وكان ذلك مؤذيًا جدًا.. عملنا على مدار الساعة، وتمكنا ــ أولاً بأول ــ من حذف هذه الصور قبل انتشارها بشكل واسع».
العراقيات ودرع «أنسم» الرقمى
فى العراق، تبرز مؤسسة «أنسم» للحقوق الرقمية، التى تمتلك منصة للمساعدة الرقمية، يمكن من خلالها دعم المتعرضين للعنف من الجنسين، عبر عدة أدوات إلكترونية تتواصل من خلالها الحالات بشكل سريع وآمن عبر الإيميل، وعلى رقم واتس آب، أو سيجنال، كما توضح آسيا عبد الكريم، الباحثة ومنسقة مشاريع بـ «أنسم».
وترى آسيا أن أكثر التحديات بالنسبة للنساء تتمثل فى الابتزاز الرقمى وخطاب الكراهية.
هذه المنصات وغيرها فى مختلف الدول العربية، تحاول تغيير واقع تعيشه النساء؛ يتمثل فى إلقاء اللوم ــ فى أغلب الأوقات ــ على ضحايا الابتزاز والعنف الإلكترونى، فى حين يبقى الجناة فى مأمن من العقاب والمساءلة.
أمنية حسنى
موقع درج
النص الأصلى:
https://tinyurl.com/yc75jwy4
مقالات اليوم
قد يعجبك أيضا