x قد يعجبك أيضا

روسيا والصين.. تحالف أم مجرد «شراكة»؟

الأحد 6 يوليه 2025 - 6:20 م

بلغت العلاقات الروسية الصينية فى السنوات الأخيرة مستويات عالية من التعاون فى الميادين الاقتصادية ومن التنسيق فى السياسات الدولية وفى المواقف من القضايا والمعضلات والأزمات المتناسلة التى يشهدها العالم. وعلى الرغم من ذلك، يطرح على نطاق واسع تساؤل ملح: هل يبلغ التعاون والتناغم بين هذين اللاعبين الدوليين المحوريين اليوم درجة التحالف المتشعب والمتين على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية؟

فى الواقع، تمثل العلاقات الروسية - الصينية عنصرا أساسيا فى نظام التعددية القطبية العالمى الذى ترتسم معالمه. فالتعاون بين البلدين والتنسيق والتناغم فى العديد من القضايا الدولية والنمو المطرد للتبادل التجارى فى ظل العقوبات، كل ذلك يشكل أنموذجا للحوار والتعاون البناء بين لاعبين محوريين على الساحة الدولية. فقد نجحت بكين وموسكو فى تجاوز الخلافات السياسية والنزاعات الحدودية والإساءات التاريخية المتبادلة، والانتقال إلى نمط جديد من الشراكة القائمة على الاحترام والمنفعة المتبادلة.

فى تأكيد على تطور العلاقات الروسية - الصينية وعمقها، أكد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى ختام القمة الروسية الصينية، على هامش الاحتفال بالذكرى الثمانين للنصر على الفاشية فى موسكو، أنه تم توقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية شملت حزمة كبيرة من الاتفاقيات الطموحة التى تمتد حتى العام 2030، وأن العلاقات بين البلدين وصلت إلى أعلى مستوياتها، مشددا على أنها لا تعتمد على تطورات الأوضاع العالمية، وأن «الأخوة» بين البلدين تعد أساس هذه العلاقات.

من جهته قال الرئيس الصينى شى جين بينج إن بكين شهدت تعزيزا مستمرا للثقة السياسية والتعاون متعدد الأوجه مع موسكو، وأنه أجرى مع الرئيس الروسى مباحثات مثمرة، منوها بأن موسكو وبكين وقعتا حزمة كبيرة من الاتفاقيات لتطوير العلاقات بين البلدين، وأكد سعى بلاده لتعزيز الثقة وتطوير العلاقات مع روسيا خلال المرحلة المقبلة.

●●●

فى المقابل، ثمة تباينات تظهر أحيانا فى مقاربات كل من موسكو وبكين لبعض جوانب علاقاتهما مع الغرب، والتى يمكن أن تفسر جزئيا، أو تقدم الجواب عن التساؤل حول طبيعة التعاون بينهما ومستواه. فخلال فترة طويلة راهن البلدان على الموازنة فى تلك العلاقات بين فوائد التعاون الاقتصادى مع الغرب والاستقلالية السياسية عنه.

بيد أن مقاربة موسكو تبدلت لاحقا بعد اندلاع الحرب فى أوكرانيا. فقد تبين لها أن تطور العلاقات الاقتصادية مع الدول الأوروبية لم يحل دون تفجر الأزمة بين روسيا وهذه الدول، والتى أخذت أبعادا جيوسياسية وعسكرية خطيرة أعادت إلى الذاكرة أجواء الحرب العالمية الثانية. وفى المحصلة، غدت دول الاتحاد الأوروبى، وكذلك الولايات المتحدة وبريطانيا ومعهما حلفاء واشنطن فى آسيا، أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا، بالنسبة إلى موسكو حلفا معاديا على تناقض تناحرى معها.

أما الصين، وخلافا لروسيا، فلا تزال تمارس سياسة التمييز فى علاقاتها الخارجية بين الولايات المتحدة وأوروبا، مولية مصالحها مع الاتحاد الأوروبى أهمية كبرى. وربما هذا ما يفسر حالة الحذر والتمهل التى تشوب الموقف الصينى من الأزمة الأوكرانية. إذ يشكل تطور التعاون الاقتصادى مع دول الاتحاد منذ أواسط التسعينيات بالنسبة إليها جزءا لا يتجزأ من جهودها للتحول إلى قطب اقتصادى رئيسى فى العالم. وفى الوقت نفسه، نرى أن الهيئات الرسمية فى الاتحاد الأوروبى تسعى إلى إعاقة تطور مثل هذه العلاقات الثنائية، وتعمل على صوغ آليات حماية موحدة تهدف إلى الحد من دخول رءوس الأموال والسلع الصينية إلى السوق الأوروبية.

●●●

يعتبر التعاون الاقتصادى إلى حد كبير جزءا لا يتجزأ من العلاقات المتشعبة والمتعددة المستويات بين روسيا والصين، وقد صيغت أهدافه الحيوية على أعلى مستوى سياسى فى البيان المشترك حول «تعميق علاقات الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجى، التى دخلت عصرا جديدا «بين البلدين، الصادر فى مارس من العام 2023، وأعيد التأكيد عليه فى أبريل من العام 2024 فى الذكرى الخامسة والسبعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما. ومع ذلك، وعلى الرغم من التطور الكبير فى الميادين الاقتصادية بينهما، ثمة عوامل وقيود، تخيم على آفاق «الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجى» الذى تتحدث عنه الوثيقة.

فقد اتسم التبادل التجارى بين البلدين بفائض واضح لمصلحة الصين امتد حتى العام 2022، ثم انقلب إلى فائض لمصلحة روسيا ابتداء من العام 2023. وقد بلغ حجم هذا التبادل 244,8 مليار دولار فى العام 2024 بارتفاع بنسبة 1,9% عن العام السابق. وبلغ حجم الصادرات الروسية إلى الصين 129,3 مليار مقابل صادرات صينية إلى روسيا قدرها 115,5 مليار دولار، أى بفائض قدره 13,8 مليار دولار. يفسر هذا التحول فى التبادل التجارى بين البلدين فى العامين الأخيرين بتعاظم إمدادات روسيا من موارد الطاقة إلى الصين نتيجة العقوبات الغربية على روسيا، وتحول قسم كبير من هذه الإمدادات شرقا وبأسعار مخفضة فى أغلب الأحيان. وعلى الرغم من هذا الواقع المستجد والظرفى فى التبادل التجارى، فإن موسكو تبدو غير قادرة عموما على منافسة الصين فى مؤشرات النمو الاقتصادى ونمو حجم الإنتاج الكفيل بتقليص عدم التوازن فى العلاقات الاقتصادية بينهما، وذلك خصوصا فى ظل العقوبات الغربية المتزايدة على موسكو.

فى ظل هذه الظروف تضع موسكو فى رأس الأولويات تطوير الإنتاج وتنويعه وتعزيز ميزاته التنافسية، وتنويع الصادرات وصوغ سياسة متوازنة بهدف جعل التعاون الاقتصادى الثنائى مفيدا للطرفين. ويتطلب ذلك تحديد الحاجات الاستهلاكية التى لا يمكن تلبيتها من دون الإمدادات الصينية على المديين القصير والمتوسط. من هنا، يمكن أن تشكل العقوبات الغربية عاملا بنيويا أساسيا فى تطوير التعاون الاقتصادى بين البلدين من جهة، كما أنها كفيلة بوضع عوائق لا يستهان بها أمامه، من جهة أخرى.

أخيرا، وعلى الرغم من العقبات والقيود، سواء الناجمة عن العوامل والمؤثرات الخارجية (العقوبات الغربية واحدة منها)، أم تلك النابعة من تباين الأولويات فى رسم السياسات الاقتصادية والعلاقات مع الدول الأخرى فى هذا المضمار، ثمة آفاق واسعة لتطور العلاقات السياسية والاقتصادية بين روسيا والصين، سواء على المستوى الثنائى أم فى إطار مجموعة «بريكس» والتجمعات الإقليمية الأخرى. كل ذلك من شأنه أن يجعل هذه العلاقات تتجاوز أطر «الشراكة» لترقى إلى مستوى تحالفى أكثر متانة وشمولية.

محمد دياب

مؤسسة الفكر العربى

 النص الأصلي

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة