نشرت جريدة النهار اللبنانية مقالا للكاتبة هيلد نرش، توضح فيه أن هجرة العقول الأكاديمية، رغم ما تحققه من مكاسب فردية على صعيد التطور المهنى والانخراط فى بيئات تعليمية متقدمة، تُعد خسارة فادحة للدول الأم، فالفرق الكبير بين البيئات التعليمية يعيق نقل المعرفة إلى الوطن الأم ويجعل التأثير من الخارج ضعيفا. إذن تساهم هجرة العقول فى تفكك منظومة إنتاج المعرفة، وتُضعف القدرة على إحداث تغيير تربوى حقيقى فى الأوطان التى تحتاج العلم أكثر من غيرها.. نعرض من المقال ما يلى: «التعليم أقوى سلاح يمكنك استخدامه لتغيير العالم». هكذا تكلم نيلسون مانديلا فى تطوير الأوطان ونهضتها. وهو لم يأتِ من عبث، وربما يكون الأجدر بالحديث فى هذه المسألة، إذ كان على عاتقه أن يُعيد تشكيل أمة بكاملها.لكن، على أى وطن تحديدا تكلم مانديلا أو نتكلم نحن؟ أنتكلم عن وطن تهجره العقول أم وطن يحتضنها؟فى الواقع، لا تقتصر تداعيات هجرة العقول الأكاديمية على الدولة الأم وحدها، إنما تتعداها لتُحدث تغييرات عميقة على مستوى مانح المعرفة وطالب المعرفة على حد سواء. فالمانح الأستاذ فى الدول النامية يبذل قصارى جهده لتأدية رسالة تربوية رغم محدودية الإمكانيات، وضعف التجهيزات، وغياب الدعم البحثى. لكن ضغوط الواقع المعيشى تدفعه فى كثير من الأحيان إلى الهجرة نحو بيئة أكثر استقرارا وتطورا.من هنا، أى من الخروج من البلد، يبدأ التغيير: يجد مانح المعرفة نفسه مطالبا بالتأقلم مع ثقافة أكاديمية جديدة، ومناهج مختلفة، وتكنولوجيا تعليمية متقدمة تُواكب تطورات الذكاء الاصطناعى وعصر الرقمنة، فيسعى إلى تطوير مهاراته، وتحديث أساليبه، متخليا تدريجيا عن ممارسات اعتادها فى بلده الأم. هذا التحدّى يولّد فرصا إيجابية، مثل الانخراط أكثر فى البحث العلمى، والتفاعل مع بيئات متعددة الثقافات، والمساهمة فى تطوير محتوى أكاديمى حديث، بدلا من الانشغال فى البحث عن مورد للعيش حين ينقطع التمويل، الشحيح أصلا، أو بدلا من كبت «مشاعره» البحثية فى بيئات لا تقدّر العلم، وتعدّ التطوّر منافيا لما تؤمن به أغلبية المجتمع.لكن، على الرغم من جزالة هذه المكاسب الشخصية، تبقى الخسائر المعنوية كبيرة، ومنها انقطاع روابط التواصل مع زملاء درج الأكاديمى على التفاعل العلمى معهم، مع كل ما يتيحه هذا التفاعل من مساحات علمية ثرية، إضافة إلى صعوبة استمرار منحه طلابه فى الوطن الأم تعليما عن بعد، نتيجة فجوة معرفية بين بيئتين أكاديميتين مختلفتين تماما، فلا تتوافق المناهج ولا المعايير بين النظامين، مما يصعّب عملية التغيير التربوى من الخارج، ويُضعف قدرة طالب المعرفة على الاستيعاب. وهكذا، تتفكك سلسلة إنتاج المعرفة وتوريدها، من مانح إلى متلقٍ، فتنهار أمم.الأمثلة كثيرة، وأنا اللبنانية مثال حى على مرارة الهجرة. لكن، لكل مثال وطأته الخاصة: إن خرجت، ومع كثيرين، من لبنان، فالأثر العالمى أخفّ وطأة من عشرات آلاف العقول التى تغادر أمريكا اليوم؛ فبعدما كانت الولايات المتحدة مصدّرة للمعرفة نفسها، تتحوّل اليوم إلى دولة مصدّرة لأداة إنتاج المعرفة، فأى أمل بعد لنا، نحن معشر الأكاديميين، فى مرجعية علمية مركونة على الضفة الأخرى من الأطلسى، إذ تفقد أهم مكوناتها: الكادر البشرى العالم الباحث؟ إنها خسارة أكاديمية ما بعدها خسارة.
مقالات اليوم حسن المستكاوي من وحى كلام نادال نيفين مسعد أشياء صغيرة للذكرى محمد بصل النكسة ودولة القانون محمد المنشاوي تصنيف الإخوان بالإرهاب.. حديث متجدد فى واشنطن إبراهيم العريس من السينما إلى التاريخ ذهابا وإيابا صحافة عربية مساعدات إنسانية تتحوّل إلى فخ للموت قضايا عالمية إسرائيل والذكاء الاصطناعى فى لعبة إعادة تشكيل العالم
قد يعجبك أيضا
شارك بتعليقك