x قد يعجبك أيضا

النكسة ودولة القانون

الجمعة 6 يونيو 2025 - 1:05 ص

منذ 58 عاما مُنى الشعب المصرى والعربى بأسوأ هزيمة فى العصر الحديث. لم تفلح تسميتها «نكسة» فى تخفيف وطأتها، ولم يمحُ انتصار أكتوبر العظيم كل آثارها، ومازالت تأسر الوعى الجمعى. ألأن التاريخ لم يبح بعد بكل أسرارها؟ أم لأننا لم ننجح فى تفكيك المشهد عشية 5 يونيو 1967 لنقف على كل مقدمات الكابوس؟!


تعددت المعالجات الأدبية والسينمائية منذ العهد الناصرى، وصوّبت أصابع الاتهام إلى الديكتاتورية واستشراء الانتهازية، ثم أخذت فى العهد الساداتى منحى مختلفا بدوافع سياسية معروفة، فأسرفت فى تصوير التفسّخ الأخلاقى والقمع والتعذيب. المفارقة أن نفس الاتهامات طاردت دولة السبعينيات لاحقا.


أما تناول غياب دولة القانون ــ بمعنى تقيدها بالنظام الدستورى والقانونى وضمان الحقوق وعدم الافتئات على الحريات ــ كسبب رئيس فى الهزيمة، فيبقى محدودا بعدد ضئيل من الدراسات. رغم أنه ما جعل «توسيد الأمر إلى غير أهله» عنوانا لتلك المرحلة، وأغرق الجميع فى محاولة مسايرة الركب اتقاءً لما خفى من شرور.


فالفصل بين السلطات كان «خرافة بورجوازية» كما كتب على صبرى، الأمين العام للاتحاد الاشتراكى (الجمهورية 26 /3 / 1967).أما تحديد مستقبل الشعب فكان اختصاصا حصريا لنخبة هى «الطليعة الواعية التى تستشف دائما آمال الجماهير ومطالبها قبل بلورتها فى صيغة مطالب جماهيرية» وفقا لصلاح نصر الذى حوكم وأدين بعد أشهر معدودة معتبرا أن «الاشتراكية العربية حققت الكفاية والعدل والحرية الاجتماعية لكل الشعب» (آخر ساعة 30/11/1966). بينما كان عبدالناصر فى الاجتماعات السرية يعترف بغياب السياسة العامة للدولة ويصف نظام الحكم بأنه «مش مربوط والعملية lagging (متخلفة/متباطئة)» (اجتماع اللجنة العليا للاتحاد الاشتراكى 25 /12 / 1966).


وفى غمار تركز السلطة لا يُسمح برأى مخالف أو عبارة تشى بالغضب حتى ولو عن «العدس والأقمشة الشعبية». نرى السادات، رئيس مجلس الأمة، يستأذن عبدالناصر فى أن يسمح باستجواب قدمه نائب بشأن ارتفاع الأسعار ويطمئنه بأنه «بعثه لوزير التموين سرا» داعيا لمواجهته بقوة تحت القبة لأنه «مش طبيعى ومش متزن ومفوّت». فيرفض عبدالناصر ويصف عبارة «حديث غاضب من الشعب» التى وردت فى الاستجواب بأنها «غير مقبولة» ويوجه: «مانفتحش المواضيع دى دلوقت». ثم يسأل السادات «تقدر تشكمه؟» فيجيب «آه طبعا طبعا» (اجتماع اللجنة العليا للاتحاد الاشتراكى 1 /1 / 1967).


يصف د. شريف يونس فى كتابه المحورى «نداء الشعب» (دار الشروق ــ 2012) المرحلة التالية لإصدار «الميثاق» بالاتجاه إلى جمع الناس حول الزعامة المتلقية للوحى «فى هيئة قتالية، جيش يسير خلف طليعة فى أرض المعركة».


وبالفعل؛ تحت عنوان «الجنود وراء القيادة وليسوا فى مواجهتها» ينتقد يوسف السباعى الحركة العمالية "لم يعد هناك ما يدعو إلى اتهام الإدارة باستغلال العمال، فكل ما يوفر من ربح إنما هو عائد بطريق مباشر أو غير مباشر إليهم، ولم يعد هناك مبرر لاستمرار الخصومة بطريقة تقليدية غبية، ولا عاد هناك مجال لأن يظل التشنيع بالإدارة أغنية على لسان العاملين» (آخر ساعة 30 /11 / 1966).


بعد الكارثة اجترأ بعض الوزراء. تحدث وزير الدولة عبدالمحسن أبوالنور عن «الانفصال والتعالى بين المسئولين وطبقة العمال» وانتقد تفاوت الأجور وتمييز أبناء العاملين ببعض القطاعات. وضاق وزير النقل محمود يونس ذرعا بنفى استئثار مجموعات وفئات معينة بالمزايا من البدلات حتى الاستراحات، مستخلصا: «لو الناس اعتادت تطبيق القواعد واحترامها ستسود العدالة ويسود القانون» (اجتماع مجلس الوزراء 24 /7 / 1967).


تكشف المحاضر وكتب الأستاذ محمد حسنين هيكل ثم كتاب «آخيل جريحا» للأستاذ عبدالله السناوى مراجعات ذاتية مهمة بعد الهزيمة، للأسف لم تتبلور فى مشروع متماسك، ولم تظهر أماراتها، فتوسعت الاعتقالات 1968 ووقعت مذبحة القضاء 1969 وتم تعطيل قرار جمهورى صدر فى أغسطس 1967 للإفراج عن المعتقلين (النائب العام الأسبق محمد عبدالسلام فى الأخبار 26 /10 / 1974).


ما سبق مجرد أمثلة للاستحضار. وقد نتفاوت فى ترتيب أسباب الهزيمة. لكن الأكيد أن من بينها ــ كما قال المستشار وجدى عبدالصمد فى خطابه الشهير أمام السادات ــ الخروج عن مدلولات العدل والنشوز على معالم القانون »تحت شعار الشرعية الثورية أو علو صوت المعركة».

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة