خيار الاحتلال وفرض الحكم العسكرى.. مقارنةً بالبدائل الأُخرى لإنهاء الحرب

الجمعة 1 أغسطس 2025 - 8:10 م

إن إسرائيل تقف، فعلاً، أمام خيار استراتيجى بين ثلاثة بدائل، تنطوى كلها على أثمان باهظة، على الرغم مما تحمله من مزايا، ولا يضمن أى منها تحقيق أهداف الحرب بشكل كامل:
تعزيز السياسة الحالية (التصعيد): عن طريق زيادة الضغط العسكرى على «حماس» لدفعها إلى قبول صيغة وقف إطلاق النار التى تقترحها الجهات الوسيطة، والتى وافقت عليها إسرائيل، ويشمل ذلك مواصلة محاولة تقويض مصادرها المالية وسيطرتها على السكان من خلال دفع السكان نحو جنوب القطاع، وتوسيع الجهود للسيطرة على توزيع المساعدات للسكان، وتمكين تنظيمات محلية من الحلول محل «حماس»، على أنها جهة مسئولة فى مناطق محددة.
لكن المشكلة فى هذا البديل تكمن فى أنه من غير الواضح ما إذا كان تصاعُد الضغط سيؤدى، فعلاً، إلى دفع «حماس» إلى قبول مطالب إسرائيل ضمن إطار خطة «ويتكوف» المحسَّنة، أى صفقة تشمل إطلاق سراح نحو نصف الأسرى، فى مقابل أن تلتزم إسرائيل وقف إطلاق النار مدة شهرين، وانسحابها من شمال القطاع، وإطلاق سراح عدد كبير من السجناء الأمنيين، والدخول فى مفاوضات جدية لإنهاء الحرب، مع تمديد وقف إطلاق النار طوال مدة المفاوضات، ومن ضمنها، تطالب إسرائيل بنزع سلاح «حماس» وخروج قيادتها من القطاع.
إذا كان من الممكن تفكيك سلاح وقدرات «حماس» من خلال اتفاق، فهذا هو الخيار المفضل، إذ قد يؤدى إلى استعادة الأسرى وإنهاء الحرب. ويستند التقدير بشأن إمكان التوصل إلى مثل هذا الاتفاق الآن، أكثر من أى وقت مضى، إلى افتراض، مفاده بأن الضربات القاسية التى تلقّاها التنظيم ويواصل تلقّيها، فضلاً عن مؤشرات إلى تراجُع سيطرته على السكان، أمور كلها قد تدفعه إلى قبول الشروط التى تطالب بها إسرائيل والولايات المتحدة لإطلاق سراح الأسرى، ثم إنهاء الحرب.
• • •
اتفاق يستند إلى قبول شروط «حماس» للإفراج عن جميع الأسرى:
أى إنهاء الحرب وإبقاء «حماس» القوة العسكرية الرئيسية فى قطاع غزة، وانسحاب إسرائيلى كامل من القطاع، والإفراج عن عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين الإضافيين من السجون الإسرائيلية، ويحظى هذا الخيار بدعم العديد من عائلات الأسرى، وبعض قطاعات الجمهور والنظام السياسى فى إسرائيل.
يُبرز مؤيدو هذا الخيار المزايا التى ينطوى عليها، وعلى رأسها الإفراج عن الأسرى، باعتباره تعبيرًا عن التضامن المتبادل والتزام الدولة تجاه مواطنيها، وإنهاء الحرب كمسار لوقف الخسائر فى أرواح الجنود، والتعب العام فى صفوف الجيش والجمهور جرّاء المعركة الممتدة، والعبء الاقتصادى الناتج من التكاليف المباشرة وغير المباشرة للحرب، وكذلك ازدياد الأضرار الطويلة المدى بصورة إسرائيل فى العالم.
لكن، حتى فى حال التوصل إلى اتفاق ينص على استعادة جميع الأسرى وإنهاء الحرب وتفكيك سلاح «حماس»، لا يزال هناك شك كبير بشأن استعداد «حماس» الفعلى لإعادة جميع الأسرى، وقدرتها على ذلك. فالأسرى هم الورقة الأهم فى يدها، وتُعتبر بمثابة بوليصة تأمين لبقاء التنظيم، ووسيلة لردع إسرائيل عن العمل العسكرى الشامل فى القطاع، خوفا من الإضرار بالحركة.
كذلك، لا يقدّم هذا الخيار إجابة عن الادعاء أن الواقع الجديد ستعتبره «حماس» إنجازا، ودليلًا على صوابية قرارها بشأن هجوم 7 أكتوبر، وسيُشجعها على إعادة بناء قوتها العسكرية، بهدف تنفيذ «7 أكتوبر آخر»، انسجامًا مع تصريحات والتزامات قادتها، والاتجاهات السائدة لدى شريحة واسعة من الجمهور الفلسطينى.
• • •
السيطرة الكاملة على قطاع غزة وفرض إدارة عسكرية موقتة: فى حال لم تُثمر البدائل السابقة، ولم تتنازل «حماس»، ضمن صفقات تبادُل الأسرى وإنهاء الحرب، عن سيطرتها العسكرية، وكذلك عن سيطرتها المدنية على الأرض، يوصى مؤيدو هذا الخيار بفرض شروط إسرائيل على قطاع غزة، عبر احتلاله وفرض إدارة عسكرية مؤقتة تعالج حاجات السكان لفترة انتقالية قصيرة تُقدَّر بنحو عامين، بافتراض أن إسرائيل ستنجح فى إقناع شركائها الإقليميين بأنها لا تسعى لمطالب إقليمية فى القطاع، وأنها مستعدة لدعم حُكم مدنى بديل وتعزيز عملية إعادة إعمار غزة، مع إشراك هذه الأطراف فى تقديم المساعدة والدعم المطلوبَين.
لا يُعدّ خيار الاحتلال وفرض إدارة عسكرية مرادفا لاستمرار الحرب، بل بالعكس، يُعتبر الاحتلال وفرض إدارة عسكرية مؤقت بمثابة خطوة لإنهاء الحرب والانتقال إلى مرحلة ترسيخ بديلٍ من حُكم «حماس» وخلق الشروط اللازمة للبدء بعملية إعادة الإعمار فى غزة.
إن مزايا هذا الخيار واضحة، فهو الخيار الوحيد القادر، ولو مؤقتًا، على تحقيق أهداف الحرب ضد «حماس»: تدمير قدراتها العسكرية والحكومية بشكل مباشر، ثم إزالة تهديد «الإرهاب» من غزة فى اتجاه الأراضى الإسرائيلية، وتهيئة الظروف التى تسمح بعودة سكان «غلاف غزة» إلى منازلهم بأمان. أمّا بالنسبة إلى استعادة جميع الأسرى، فقد تكون عمليات الجيش الإسرائيلى فى هذا الاتجاه محفوفة بخطر الإضرار غير المقصود بالأسرى، أو دفع «حماس» إلى إيذائهم. ومع ذلك، قد يؤدى الضغط العسكرى إلى إقناع ما تبقى من قيادة «حماس» بأن استمرار الحرب لا جدوى منه، وأن البقاء فى قيد الحياة وضمان فرصة إعادة بناء التنظيم خارج غزة أفضل من الانهيار. ويُقدَّر أن «حماس» ستبذل كل جهدها للإبقاء على الأسرى أحياء، لأنهم أهم ورقة فى يدها.
فى مقابل هذه المزايا، تبرز مساوئ خيار السيطرة على القطاع. أولاً، حتى لو كان معارضو هذا الخيار يبالغون فى وصف التكاليف المالية والعسكرية المترتبة عليه، فمن الواضح أن تنفيذه سيتطلب استثمارًا ماليًا كبيرًا، فضلاً عن تخصيص جهد وموارد عسكرية. وسيكون العبء على الجيش كبيرًا، لأن السيطرة على منطقة تشهد كثافة سكانية عالية تتطلب نشر قوة عسكرية كبيرة فى المدى الطويل.
ثانيًا، إن السيطرة على القطاع ستُفاقم تدهور صورة إسرائيل فى المجتمع الدولى، ما لم تنجح فى التوصل إلى تفاهمات واتفاقات مع شركائها العرب، وتؤمّن دعمًا أمريكيًا لهذه الخطوة. كذلك قد تؤدى السيطرة على القطاع إلى تعميق الخلافات الداخلية فى إسرائيل، ولا يُعرف كم من الوقت سيستغرق إيجاد بديل مناسب من الإدارة العسكرية، مع العلم أن مسئولية إحباط التهديدات الأمنية ستبقى فى يد إسرائيل فى أى حال.
• • •
إن الاختيار بين البدائل الثلاثة: تصعيد الحرب، أو قبول شروط «حماس» للإفراج عن الأسرى، أو فرض إدارة عسكرية على القطاع ليس سهلاً، فأى منها لا يضمن تحقيق جميع أهداف الحرب، وكلٌّ منها ينطوى على أثمان كبيرة.
من جهة أُخرى، ونظرًا إلى الصعوبات المستمرة فى التوصل إلى صفقة والخوف من أن تؤدى إلى الإفراج عن بعض الأسرى فقط، بينما تستغلها «حماس» للتعافى ووقف التآكل فى سيطرتها على السكان، تزداد الحاجة إلى ضمان ألّا تتيح الصفقة لـ«حماس» فرصة إعادة التمركز. وفى موازاة ذلك، ينبغى لإسرائيل زيادة الضغط المباشر على «حماس»، كذلك يجب على إسرائيل الاستعداد للاختيار بين البديلين الآخرَين فى حال فشلت المفاوضات.
إن القرار المنطقى فى مثل هذه الحالة هو استكمال السيطرة على قطاع غزة وفرض إدارة عسكرية موقتة هناك. وقد يبدو كأن عمليات الجيش الإسرائيلى فى القطاع وسلوك المستوى السياسى خلال الأسابيع الأخيرة يسيران فى هذا الاتجاه، لكن من الأفضل السعى لذلك، كتجسيد لقرار مدروس، يأخذ فى الحسبان مجمل التداعيات والمعانى فى التوقيت الملائم والظروف المناسبة، لا كنتيجة لغياب القرار والتخبط والاستجابة الانفعالية للظروف، فى وقت تتراكم الأثمان الداخلية والخارجية، وتزداد ثقلاً.
أمام إسرائيل خياران بديلان من هذا المسار المقترح: الأول، السيطرة على نحو 70% من أراضى قطاع غزة، وفرض إدارة عسكرية على هذه المناطق، فى حين يُفرض حصار كامل على بقية المساحة، وخصوصا فى مدينة غزة والمخيمات الوسطى، بعد أن يتيح الجيش الإسرائيلى للمدنيين الخروج منها، عبر ممرات خاضعة للرقابة. والثانى، هو احتلال كامل للقطاع وفرض إدارة عسكرية عليه دفعةً واحدة. هذا الخيار المتدرج يتيح للتنظيم الوقت والتكيّف، ومن المرجّح أن يؤدى إلى استنزاف أقل نسبيا للجيش الإسرائيلى، لكن عيبه يكمن فى طول مدة التنفيذ. فى جميع الحالات، سيُطلب من المستوى العسكرى عرض البديل المفضّل أمام المستوى السياسى، الذى يجب عليه أن يدرس خياراته، وفقا لمعادلة شاملة لا تقتصر على المعايير العسكرية فقط.
إن اتخاذ قرار بشأن استكمال السيطرة على قطاع غزة قد ينسف المنطق الذى تستند إليه «حماس»، وهو أن إسرائيل لن تتخذ مثل هذه الخطوة، وإذا اقتنع قادة «حماس» وسكان غزة بأن إسرائيل حسمت أمرها فى اتجاه هذا الخيار، ستزداد فرص التوصل إلى اتفاق مع التنظيم بشروط أقرب كثيرا إلى شروط إسرائيل، كذلك سيزداد احتمال استعداد عدد أكبر من السكان للتعاون معها.


كوبى ميخائيل ويوسى كوفرفاسر
معهد دراسات الأمن القومى
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة