أيام الربيع «الخماسينية» - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 7:37 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أيام الربيع «الخماسينية»

نشر فى : الأحد 31 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 31 مارس 2013 - 8:00 ص

تُبتذلُ بعض الألفاظ بتكرارها، أو بوضعها على ألسنةٍ لزجة للمتاجرين بها. ربما حدث هذا مع مصطلح «الربيع» الذي شاع منذ ردد ميدان التحرير القاهري صدى صرخة بو عزيزي في البلدة التونسية الصغيرة.

 

أيا ماكان، يعرف رجال الأرصاد أن ربيع مصر ليس كرومانسية اسمه، إذ تبقى ظاهرته المميزة هي تلك العواصف الترابية التي تباغت الناس، فتكفهر الأجواء، وتدمع العيون. وتصبح الرؤية «الواضحة» ضربًا من الخيال. 

 

شئ من هذا حدث في مصر.

 

 

●●●

 

 

على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، ووسط دائرة العنف المغلقة التي بحكم قواعد «هندسة الدائرة» لن تنتهي إلا إذا انكسرت،  كتبت قبل أيام سلسلة «تغريدات» وضعت لها رابطا (#أيام_البراءة_الأولى) محاولا التذكير بحقيقة هذا الشعب يوم خرج «واحدا» ليثور على سنوات من الظلم والتهميش، يهتف بإسقاط نظام يسمح لفرد أو جماعة مصالح أيا كانت بأن تستأثر بمقدراته. تلك «الحقيقة» التي تجلت واضحة في تلك اللحظة العبقرية التي لن أمّلَّ التذكير بها؛ ظهيرة الحادي عشر من فبراير ٢٠١١ يوم وقف المصريون جميعهم شبابا وشيوخا، رجالا ونساءً، أثرياءً ومعدمين، يساريين وليبراليين، مسلمين ومسيحيين (استمعت لمن جاورني منهم وقتها بأذني) يرددون دعاء التهجد خلف الشيخ محمد جبريل، داعين الله «القادر برحمته» على أن يخلصهم من الكابوس …. وقد كان.

 

ثم كان أن ران على كل ذلك «الحقيقي» صدأٌ سرعان ما تستدعي طبقة منه ــ بحكم قواعد الفيزياء ــ غيرها من الطبقات. بعد أن التفت من التفت الى مغانمه وحساباته «ظالما لنفسه»، ناسيا طابورا طويلا من الشهداء سيمسكون يومًا بخناقه أمام «العادل الواحد».

 

أتذكر زغرودة نوارة نجم الشهيرة. التي بثتها الجزيرة، يوم انتشى المصريون بحلمهم: «خلاص.. مفيش ظلم تاني».

 

أتذكر أن أول ما كتبه علاء عبد الفتاح في مدونته فور أن خرج من محبسه (٢٤ يونيو ٢٠٠٦) كان تحت عنوان «ألف تحية للإخوان .. in solidarity with the brotherhood» وأشكر ذاكرة عمرو عزت ــ الأكثر حضورًا بحكم السن على الأقل ــ على لفت انتباهنا اليها.

 

أتذكر أغنيات «يوليو» التي لم يكن غيرها يصدح به الميدان في «يناير»، لترد «عفويًا» على أولئك الواهمين في طلاق بين الثورتين.

 

أتذكر أغنيات احتلت نغماتها رنات هواتف المصريين، دون تفرقة بين صاحب لحية أو حاسرة رأس.

 

أتذكر صديقي حامد موسى؛ إبن الإخوان، وهو يغني «الثورة لسه في الميدان»، مدركا أن النظام لم يسقط بعد، ومسجلا اعتراضه على من تعجلوا «قسمة الغنائم».

 

أتذكر مواقف «سلفيو كوستا». وأتذكر ميدانًا اختلطت فيه دماء عماد عفت «الشيخ» وإسلام بكير «الفنان»وعلاء عبد الهادي «الطبيب» ومصطفى الصاوي «الإخواني» ومينا دانيال «اليساري المسيحي».

 

أتذكر صورة «فيرمونت» الحاسمة والواضحة التي وقف فيها «جميعهم» الى جوار محمد مرسي داعمين وباحثين عن «مستقبل للجميع».

 

ثم أيضًا أتذكر ــ من التاريخ ــ كيف جمعت زنازين «خريف السادات الغاضب» بين عمر التلمساني، وفؤاد سراج الدين، ومحمد حسنين هيكل.

 

أتذكر ذلك وأُذكر به، بعد أن وصلنا الى ما وصلنا اليه.  فصرنا على شفا هاوية حذّرنا من أن يوصلنا اليها «طريق انقسام» لم ننتبه بداية الى خطورته، ثم لم نعترف «حتى الآن» بما أوصلنا ارتباك الطريق اليه. وهانحن وسط «بحر الرمال» تقودنا خطواتنا الى حيث لا نحتسب… وبالتأكيد الى حيث لا يرضى «لا هذا ولا ذاك».

 

ها نحن، بدلا من أن نمضي الى الأمام يدا بيد، تفرغنا للبحث عن من «نعلق في رقبته الجرس». تاركين الفرصة لرموز الماضي الكئيب الطامعين «الطامحين» أن يقفزوا الى الميدان، مرتدين «مسوح ثورة» هم أول من ناصبها العداء.  يتحدثون ــ بلا خجل ــ عن «الربيع». منتظرين لحظة أن يكفر الناس بما جرى وسط غبار «خماسيني» يؤذي العيون، ويحجب الرؤية الصحيحة.

 

 

 

●●●

 

 

 

هل يدعو حديثي الى التشاؤم؟ بالعكس، فكل ما نراه على السطح قشور صدأ ران على شخصية مصر الحقيقية. أما الحقيقة ــ إن أردتم ــ فابحثوا عنها عند أولئك «الحقيقيين» الذين «اجتمعوا» على رثاء محمد يسري سلامة؛ ابن الاسكندرية الشاب، السلفي الإسلامي من ناحية .. والعضو المؤسس لحزب الدستور من ناحية أخرى.

 

في اللحظة ذاتها التي بدت فيها مصر على شفا اقتتال أحمق، رحل محمد يسري سلامة، كأنه احتجاج على رحيل «ثورة لا تعرف التعصب»٠

 

رحل الرجل ورثاه الجميع.

 

أرجوكم طالعوا مواقع التواصل الاجتماعي لتروا كيف يفكر شباب مصر الحقيقي، قبل أن يشوهه أولئك الذين لا يرون على الأرض غير ذواتهم.

 

رحل محمد يسري سلامة «السلفي».. فرثاه الليبراليون واليساريون.

 

رحل محمد يسري سلامة «العضو المؤسس لحزب الدستور الليبرالي».. فرثاه الإسلاميون.

 

أين المشكلة إذن ..؟

 

أرجوكم أيها الغافلون عن خطورة ماتمضون اليه .. إرفعوا أيديكم عن شباب مصر. ودعونا نجلو الصدأ عن قلوبنا.

 

رحم الله الرجل .. ورحمنا. إنه هو ..  أرحم الراحمين.

 

●●●

 

وبعد ..

 

يتحدث الملوحون بالعصا الغليظة عن القانون متغافلين عما فعلوه به.. ومازالوا، وغافلين عن حقيقة مايعرفه أهله من أن «العدالة إحساس» وليست نصا هنا أو نصا هناك. وبعد إشارة قد نُضطر للأسف اليها من أن ليس بوسع أحد أن يزايد علينا في احترام القضاء «مؤسسة»،  والقانون «مفهوما وقيمة». إلا أننا قد نكون بحاجة الى أن نُذكّر بأن أول طريق السادات الى حتفه، كان قولته الشهيرة «للديموقراطية مخالب وأنياب.. وكله بالقانون» إذ حينما لا تصبح العدالة الحقة هدفا «خالصًا»، يصبح بالإمكان «استعمال القانون» أداة قمع واستبداد .. «وكله بالقانون» كما قالها السادات … ودفع الثمن٠

 

شكرا للدكتور معتز عبد الفتاح الذي ذكّرنا قبل أيام بمقولة بولماركوس Polemarchus التي رفضها افلاطون ويرفضها كل ذي فطرة سليمة justice is doing good to friends and harm to enemies ولعلي لا أضيف الى صدمتنا صدمة حين أقول له أنني مشدوها سمعت رديفها نصا «باللغة العربية طبعا».. متى؟ … هذا حديثٌ «لم يحن أوانه بعد». رضي الله عن علي بن أبي طالب وأرضاه.

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات