الله.. الذبيحة.. الإنسان - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 11:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الله.. الذبيحة.. الإنسان

نشر فى : الجمعة 30 يونيو 2023 - 7:05 م | آخر تحديث : الجمعة 30 يونيو 2023 - 7:05 م

من المعروف تاريخيًا أن الإنسان من قديم الأزل كان يقدم للآلهة التى يتعبد لها ذبائح متعددة ومتنوعة، سواء كانت بشرية أو حيوانية، وكان تقديم الذبائح أمرًا شائعًا عند معظم الشعوب، فالهندوس لهم كتابهم المقدس (الفيدا) والذى ينص على طقوس محكمة متعلقة بالذبائح، كما أن بعض الشعوب السامية مثل اليونان والرومان والأفارقة بل والهنود فى المكسيك، كانوا يقدمون ذبائح بشرية، وكان ذلك معروفًا أيضًا عند سكان أستراليا الأصليين، حيث كانوا يقدمون شيئًا شبيها بذلك؛ فبعضهم يقدم بعضًا من العسل أو حصادا من الزراعة، أو حربة للإله، كما كان المصرى القديم يقدم فتاة عذراء كعروس للنيل طلبًا لإرضائه والابتعاد عن غضبه «الفيضان»، كما كانت هناك ذبائح أخرى حيوانية مختلفة ونستطيع أن نلاحظ كل ذلك مرسومًا ومكتوبًا على جدران المعابد المتعددة والمتنوعة المنتشرة فى أرجاء مصر.
من الجدير بالذكر أنه لم يكن هناك نظام موحد لكيفية تقديم الذبيحة قبل نزول الكتب المقدسة أبدًا، لكن أول ما قرأناه عن الذبائح هو ما جاء فى الكتب المقدسة عن قايين (قابيل) وهابيل، وقبول الله لذبيحة هابيل ورفضه لذبيحة قايين، ويرى الكثير أن سبب رفض الله لذبيحة قابيل (قايين) هو خلوها من الدم، أما نحن فنقول أن الإيمان بالله هو الذى جعل الذبيحة مقبولة لديه، لأنه أحد أسس الوصية المحددة منه والتى أمر بها من قبل، وبدون هذه الوصية المحددة لضمان فاعلية الذبيحة لا يكون هناك معنى لإيمان قابيل.
بعبارة أخرى، لكى يكون للإيمان أساس ثابت وتوجه صحيح لابد أن يكون هذا الأساس بإعلان من الله، ونقرأ بعدها أنه عندما نظر الله إلى العالم فى حياة سيدنا «نوح» ــ عليه السلام ــ قام بشىء يدل على حبه للإنسان، فقد قام بإنذار سيدنا نوح بأنه سوف يكون هناك طوفان عظيم يُغرق العالم كله ولن يكون هناك كائن حى على الأرض لأن الشر قد انتشر وازداد، ثم قام بإعطائه مقاييس لصناعة الفلك من حيث الطول والعرض والارتفاع، وتقسيمه من الداخل وكيفية بنائه والحفاظ عليه حتى لا تغرقه المياه.
وبعد توقف الطوفان وهلاك البشرية، استقر الفلك على جبل «أراراط» شرقى تركيا قرب حدودها مع أرمينيا وإيران، ورغم أن سيدنا «نوح» لم يكن يعرف إلا القليل عن تقديم ذبيحة يعبر بها عن شكره لله، إلا أنه اختار أحسن اختيار من كل البهائم الطاهرة وأصعدها محرقة على المذبح، وكان ذلك تعبيرًا عن شكره للإله الذى أنقذهم من الهلاك المحقق (الطوفان)، ووعد الله نوحًا أنه لن يعود يُهلك البشرية بسبب الشر، وهكذا عاد سيدنا نوح ليعمر الأرض من البداية.
• • •
أما فى أيام سيدنا «موسى» ــ عليه السلام ــ فقد كانت خدمته الأساسية هى إقامة العهد بين الله وشعب إسرائيل وقد تم هذا عند جبل سيناء، وكان أساس العهد هو الطاعة وجاءت الشرائع للذبائح فيما بعد فلا قيمة للذبائح بدون طاعة، أما أنواع الذبائح التى شرعها الله لموسى فقد كانت ذبيحة العهد فضلًا عن الذبائح المتنوعة فى خيمة الشهادة، فقد كلم موسى الشعب بجميع أقوال الله وأحكامه ووافق الشعب بصوت واحد عليها، فقاموا وبكروا وذبحوا ذبائح سلامة للرب من الثيران، وقام موسى بوضع الدم فى الطسوس ورش نصف الدم على المذبح والنصف الآخر على الشعب، وكان رشه للشعب بالدم للتكفير والتكريس وهكذا أصبح الشعب مقبولًا لدى الله بحيث يستطيع الاقتراب إليه بحرية.
أما الذبائح فى خيمة الشهادة فقد أمر الرب موسى بإقامتها فى البرية لتكون مركزًا للعبادة لكل الشعب، وبعد أن أقيمت الخيمة حسب كل ما أمر به الرب، وضع مذبح المحرقة عند باب خيمة الاجتماع وأصعد عليه المحرقة والتقدمة.
ومع الدعوة الإسلامية عُرف عيد الأضحى أو ما يُسمّى بالعيد الكبير بأنّه العيد الذى يحتفلُ به المُسلمون والمسلمات وذلك فى اليوم العاشر من شهر ذى الحجة، وقد شرعه الله ــ تعالى ــ لعباده؛ ليفرحوا بما وفّقَهم إليه فيما سَبقه من أيّام العَشر الأُوَل من الشهر؛ كصيام يوم عرفة، والتكبير، والتهليل، والصدقة، وغير ذلك من العبادات.
وقد سمى العيد باسم عيد الأضحى لأن الأضحية تقدم فيه، وقِيل إنّه من العادة؛ لأنّ الناس اعتادته، وذلك لأن العيد عند العرب يُطلَق على كُلّ شىء يتكرّر؛ سواء بالفرح أو الحزن، وإنّه ما يعود فى كُلّ عام بفرحٍ جديد، كما أنّ العيد سُمِّى عيدا لأنّه يعود ويتكرّر، أو لأنّ الفرح يعود فيه وهذا من باب التفاؤل؛ إذ أنّ العرب كانت تُسمّى القوافل عندما تخرج بالتفاؤل؛ ليتفاءلوا برجوعها سالمة، وقِيل لأنّ الله ــ تعالى ــ يعود على عباده فى ذلك اليوم من كُلّ عام بكثرة الإحسان عليهم.
أمّا تسميته بالأضحى فهى نسبة إلى الأُضحية؛ إذ إنّ الناس تبدأ بذَبْح الأضاحى فى هذا اليوم، ويُسمّى أيضا بيوم النَّحر؛ لأنّ الهَدى والأضاحى تُنحَر فيه ذكرى تقديم نبيّ الله إبراهيم ــ عليه السلام ــ عندما أمره الله ــ تعالى ــ بذَبْح ابنه اسماعيل، واستجابتهما ــ عليهما السلام ــ لأمر الله، ففداه الله ــ تعالى ــ بكبش عظيم (القصة التى وردت فى التوراة والقرآن الكريم).
وهنا نجد أيضًا فكرة الذبيحة التى طلبها الله من إبراهيم ــ عليه السلام ــ إثباتًا لطاعته ولولا تصديق نبينا إبراهيم ــ عليه السلام ــ فى الله ما كان أقدم على هذه الذبيحة والتى فداها الله ــ تعالى ــ بكبش عظيم كما قلنا قبلًا.
• • •
الآن نحن نعيد هذه الذكرى بذبح الأضاحى وتُعرف فى اللغة بأنها ما يُنحَر فى عيد الأضحى، أمّا تعريفها فى الاصطلاح الشرعى فهو لا يخرج عن التعريف اللغوى؛ إذ إنّها تعنى: ما يُذبَح تقرُّبا لله ــ تعالى ــ فى أيّام الأضحى بشروطٍ مخصوصة، وقد جاءت مشروعيّتها فى القُرآن الكريم، والسُنّة النبويّة، كما نُقِل الإجماع عن كثير من العُلماء فى مشروعيّة الأُضحية، أما الحكمة من مشروعية الأضحية فهى شُكر الله ــ تعالى ــ على نِعَمه، ومنها نعمة الحياة وإحياء وذكرى لسُنّة نبيّ الله إبراهيم عندما رضخ لأمر إلهه بذبح ابنه وفداه الله ــ تعالى ــ بكبش عظيم. كان ذلك يوم الأضحى، فيتذكّر المسلم والمسلمة صبرهما، وتقديمهما طاعة الله ــ تعالى ــ ومَحبّته على مَحبّة النفس والأولاد. وفى يوم الأضحى يوسع صاحب الذبيحة على نفسه وأهل بيته، وإكرامه لجيرانه وضيوفه، والتصدُّق منها للفقراء، وفى ذلك نوعٌ من إظهار الفرح الذى أمر به فى يوم العيد والتحدُّث بنِعمة الله.
وأما الدروس المستفادة من هذا التاريخ هو أهمية طاعة الإنسان لله بشرط أن يتأكد من رضا الله عليه، بأن يعرف جيدًا ما يرضى الله من خلال سلوكه وتقدماته وعلاقاته وقبوله للآخر المختلف، واستعداده أن يقدم الغالى والنفيس من فكره وذاته لكل من يرى أنه محتاج إلى ما نمتلكه نحن من فكر وقدرة على الفعل وثروة لتمجيد الله الذى نعبده ولرفعة الوطن الذى نعيش فيه. بكلمات أخرى، أن يرضى الإنسان ربه بتعضيد كل من حوله يرى أنه يحتاج لما يمتلكه بين يديه من إمكانات وما وصل إليه فى ذهنه من علم وتقدم وإنسانية بهدف تطوير نفسه ومن حوله، لنرتقى بعضنا ببعض لأجل مستقبل أفضل لنا ولأولادنا ولشعبنا ولوطننا الذى نعيش فيه، وهكذا نحقق رسالتنا من وجودنا فى هذا العالم من خلال الاستنارة التى يهبها الله بطرق متعددة ومتنوعة لكل البشر بحيث نكمل بعضنا البعض بالتعليم والتدريب والعمل الجماعى لبلوغ مجد الله والارتقاء بأنفسنا وأسرنا ووطننا.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات