محاذير شرعية - ب: «إهمال تدبير المَاعُون» - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 12:15 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محاذير شرعية - ب: «إهمال تدبير المَاعُون»

نشر فى : الخميس 28 يونيو 2018 - 10:30 م | آخر تحديث : الخميس 28 يونيو 2018 - 10:30 م

إذا كان «منع الماعون» جريمة شرعية صنفها القرآن على أنها «تكذيب بالدين»!!! فكيف يصنف العقلاء تلك السلوكيات الشائنة التى تسبب ليس منع الماعون فحسب، بل تحول حيلولة شديدة دون «وجود الماعون» وربما تتربص بمن يسعى لتدبير الماعون!!! فلا زالت الدنيا تسمع عن احتكارات تأمر بزراعة الحاصلات كى لا تبور الأرض ثم يلقون بالحاصلات فى أعماق المحيطات حرصا على ثبات الأسعار والمحافظة على مستوى ما تعودوا عليه من الدخل والكسب ولا يشعرون بأدنى حرج من ملايين الجوعى والمرضى والهلكى.

ــ١ــ

ما دام منع الماعون جريمة شرعية، فإن تدبير وإنتاج وإبداع «الماعون» يعتبر فريضة شرعية وفريضة عقلية وفريضة إنسانية.. بل إن تدبير الماعون يرتقى فوق الفريضة. فـ«الماعون» بكل مستوياته حق مقرر من حقوق الإنسان لكل ولد آدم. وما نسمع به من مهاترات فى أعقاب الانتخابات فى معظم بلاد العالم يرفعون شعار حقوق الإنسان فى انتخابات نزيهة وشفافية كاملة.. نعم هذه حقوق من حقوق الإنسان لا شك فيها لكن الأولى والأهم والأسبق فى ضرورة التواجد الكافى هو حقوق الإنسان فى الحد الأدنى من الطعام والشراب والملبس والمسكن والدواء. بقدر لا يرهق كاهله ولا يهدد إنسانيته. فالحقوق الاقتصادية لها حق السبق على غيرها من الحقوق حتى لا يهلك الإنسان ويعجز عن ممارسة الحياة.

ــ٢ــ

سياسات خاطئة معتمدة تزحم ساحة العالم تهدر أكثر من ثلث الموارد التى خلقها الله لتنعيم خلقه جميعا، فإذا هؤلاء الساسة يروجون صناعات الدمار (أسلحة الدمار والأسلحة العادية والبيولوجية إلخ). فانظر ــ يرحمك الله ــ إلى هؤلاء يستهلكون ثلث الموارد فى تدمير الثلثين مع إبادة الجيش البشرى. فبأى دين يدين هؤلاء المدمرون وهؤلاء المتفردون بالتحكم فيما يزرع وما يباع وما يحرم منه الناس؟!

ــ٣ــ

ولقد توافق أباطرة التروير الإعلامى مع أباطرة السياسة على تزييف القيم والمبادئ السياسية والاقتصادية حتى نسمع من حكومات كثيرة تعلن ــ دون خشية ــ أن دورهم هو جمع الجباية من الشعوب لتدبير موازنة الدولة!!! وهل فى ذلك أدنى سياسة؟! أن يتكفل كل مواطن (طفل/ قاصر/ عاطل/ فقير) بتحمل نفقات معيشته؟! ليس فى ذلك أدنى جهد، فمادامت العلاقة بين المواطن والساسة علاقة التزام المواطن بالتمويل وتقوم الحكومة بالإنفاق فلا سياسة ولا اقتصاد ولا أخلاق.

ــ٤ــ

الأصل فى العمل السياسى أن يكون الساسة ذوى قدرات خاصة قادرين على الإحاطة الشاملة والرؤية الواسعة والابتكار والإبداع لإيجاد موارد جديدة وتدبير «الماعون» عونا وتمكينا ودعما للشعوب. وما لم تملك الحكومات رؤية واسعة وقدرات ومهارات تقنع الناس بالتوجه إلى مهن وحرف مطلوبة وميسورة ومتاحة بما يمكنهم من تدبير متطلبات حياتهم، فلا معنى لوجود الحكومات والوزراء.

ــ٥ــ

يقول أهل اللغة والفقه أن قمة المسئولية التنفيذية يحملها رجال أكفاء ويطلقون على الواحد منهم لقى «وزير» بما يعنى أنه قد تفرغ متطوعا ليحمل «أوزارا» (أثقالا) ومتطلبات الناس الذين تصدى لخدمتهم.. فالوزير لا يكون وزيرا حتى يستطيع تدبير البدائل الصالحة والكافية لتسيير حياة الناس.. وإلا.. فإذا لم يحمل هو ــ بشرف وكفاءة واقتدار ــ الأثقال وحاجات الناس، فإنه لا شك قد حمل أوزارا شرعية ممثلة فى ذنوب وسيئات، كما تحمل أوزارا أخلاقية ممثلة فى خطايا ومشكلات. كما يحمل أوزارا سياسية تتمثل فى قولهم للوزير: «إما اعتدلت وإما اعتزلت».

يتبع

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات