خمسون يوما من الحرب على غزة.. الخطاب الإسرائيلي! - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 11:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خمسون يوما من الحرب على غزة.. الخطاب الإسرائيلي!

نشر فى : السبت 25 نوفمبر 2023 - 8:45 م | آخر تحديث : السبت 25 نوفمبر 2023 - 8:45 م
خمسون يوما مضت منذ عملية «طوفان الأقصى» التى قلبت حسابات المنطقة رأسا على عقب، وأعادت القضية الفلسطينية على مسرح السياسة العالمية مرة أخرى! خلال هذه الأيام، تعرضت غزة للتدمير الشامل، وتعرض أهلها للقتل الممنهج، وتعرضت مستشفياتها للاعتداءات السافرة، وتعرض الصحفيون وذووهم فيها للاستهداف والاغتيالات المقصودة، فى واحدة من أسوأ أمثلة العقاب الجماعى بعد الحرب العالمية الثانية، وهى السياسة التى يجرمها القانون الدولى الإنسانى، ولكن لا تعبأ إسرائيل، فقد حصلت على الدعم الدولى المطلوب بحجة دفاعها عن النفس!
ورغم التغير الواضح فى الرأى العام الغربى وخصوصا بعد انكشاف الكذب الإسرائيلى فيما يتعلق باستخدام حماس للمستشفيات كمقار للقيادة وتخزين الأسلحة، إلا أن إسرائيل تواصل الكذبة رغم صورتها التى تزداد قبحا يوما بعد يوم، فالحكومة اليمينية التى يقودها نتنياهو قررت حرق الأخضر واليابس لحفظ ماء وجهها والهروب من فشل أجهزتها الأمنية والعسكرية يوم السابع من أكتوبر!
كان هذا دافعا لى منذ بداية الحرب للبحث عن الخطاب الإعلامى الموجه للداخل الإسرائيلى والخارج العالمى ــ بالأساس الغربى وأحيانا العربى ــ لمعرفة الإجابة على السؤال التالى: كيف تبنى إسرائيل خطابها الإعلامى وكيف يفكر هذا المجتمع فى ظل كل هذه الجرائم التى يرتكبها جيشه؟! ففى السياسة، مهما كانت وقاحة النظام السياسى فلابد أن يكون هناك خطاب أو سردية ما من خلال وسائل الإعلام المختلفة يوفر بعض الدعم والشرعية ويحاول الحفاظ على ماء الوجه، فما هو هذا الخطاب إذا؟
• • •
على مدى خمسين يوما قمت بمتابعة شبه يومية لبعض وسائل الإعلام الإسرائيلية الناطقة بالإنجليزية والعربية، أو من خلال بعض المنصات الإعلامية التى تقدم خدمة البث المترجم من العبرية إلى الإنجليزية، وفى هذا الإطار كانت متابعتى لقناة آى 24 نيوز، وهى قناة إسرائيلية لديها بث مخصص باللغة الإنجليزية وموجهة إلى الجمهور الغربى بالأساس، كما تابعت نفس القناة فى نسختها العربية، وهى منصة أخرى موجهة للجمهور الناطق باللغة العربية داخل وخارج إسرائيل وتعتمد على عدد من المذيعين والضيوف العرب وخصوصا من عرب ١٩٤٨، كما تستضيف بعض المحللين العسكرين والسياسيين من اليهود الإسرائيليين الذين يجيدون اللغة العربية أو الذين يتحدثون بالعبرية ويتم الترجمة الفورية إلى العربية.
كما تابعت منصة أخرى تدعى ILTV Israel News وهى منصة موجودة على موقع «يوتيوب» وتقدم ملخصا يوميا لأهم ما جاء فى القنوات الإسرائيلية من تحليلات مصحوبة بالترجمة المكتوبة باللغة الإنجليزية بشكل يومى، كما تابعت أيضا موقع «جيش الدفاع الإسرائيلى» وهو موقع على منصة «يوتيوب» يقدم ملخصا يوميا من جيش الاحتلال بالإنجليزية والعبرية والعربية بخصوص تطورات العملية العسكرية فى غزة، وأخيرا، فقد تابعت بشكل شبه يومى أيضا كلا من الموقع الإلكترونى لجريدتى «هآارتس» و«ذا جورساليم بوست» وكانت هذه هى أهم النتائج التى خلصت إليها سواء من حيث الرسائل أو التكتيكات التى شكلت السردية الإسرائيلية الموجهة للداخل والخارج!
أولا: تحرص كل وسائل الإعلام الإسرائيلية المرئية على الاعتماد على مذيعين ومذيعات إسرائيليين ممن يتحدثون اللغة الأم حسب المشاهد المستهدف من الرسالة! ففى حالة كان المستهدف هو المشاهد الغربى يتم الاعتماد على مقدمى برامج ومحللين يتحدثون اللغة الإنجليزية كلغتهم الأم من الإسرائيليين الأمريكيين، والإسرائيليين البريطانيين والأستراليين وهكذا! وكذلك الحال بالنسبة للمشاهد العربى، حيث تم الاعتماد على المذيعين والمذيعات الإسرائيليين من أصل عربى وهكذا حتى تصل الرسالة بسلاسة وطبيعية إلى المشاهد المستهدف!
ثانيا: تحرص معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية على اختلاف ميولها السياسية على استخدام الابتزاز العاطفى للمشاهدين بالتركيز الدائم على والتذكير بجرائم الهولوكوست وربطها بعملية طوفان الأقصى فى كل فقرة تقريبا تقوم بتحليل الأوضاع والتطورات فى الحرب سواء كان ذلك بداعٍ أو بدون، المهم هو ابتزاز المشاهد عاطفيا دائما لتبرير الجرائم الإسرائيلية بحق غزة والإيحاء بأن تلك الحرب حتمية حتى لا يتعرض اليهود لهولوكوست جديد!
ثالثا: تحرص وسائل الإعلام فى إسرائيل على أسلوب «الصدمة» أو «المفارقة» لإيصال رسائلها كأن تقوم باستضافة بعض الضيوف من العرب ــ وخصوصا المسلمين ــ سواء داخل إسرائيل أو خارجها ممن يؤيدون الجيش الإسرائيلى وحربه على غزة وممن يؤكدون على الرواية الإسرائيلية التى تقول بأن الأخيرة تقوم بمحاربة الإرهاب نيابة عن العالم، وأن حماس هى مجرد داعش جديدة!
رابعا: تحرص وسائل الإعلام الإسرائيلية على الضغط على نظيرتها الغربية أولا بأول، فهناك فقرات شبه ثابتة لاتهام الشبكات الإعلامية الغربية ــ حتى أكثرها تحيزا لإسرائيل مثل سى إن إن ــ بتبنى خطاب حماس ودعم الإرهاب، لمجرد قيام إحدى هذه الوسائل مثلا باستضافة ضيف مناصر للقضية الفلسطينية! بل وحتى لو قامت هذه الوسائل الإعلامية الغربية بذكر أرقام الشهداء فى غزة تقوم نظيراتها الإسرائيلية بمهاجمتها، تحت دعوى أن هذه الأرقام صادرة عن وزارة الصحة فى غزة التى تدار بواسطة حماس! هذا التكتيك تحديدا ناجح جدا حتى الآن، فهذا النوع من الضغوط يأتى بثماره دائما فتفرض وسائل الإعلام الغربية رقابة ذاتية على خطابها بخصوص فلسطين تحت ضغوط نظيراتها الإسرائيلية وتقوم بمعاقبة المذيعين أو المعدين أو الصحفيين الذى يخرجون عن النص!
خامسا: تقوم وسائل الإعلام الإسرائيلية بعملية شيطنة مستمرة لأى مظاهرة مؤيدة لفلسطين فى الغرب حيث لا تسميها إلا باسم «مظاهرات مؤيدة لحماس» للإيحاء للمشاهدين بأن هذه المظاهرات هى تأييد للإرهاب ونزع صفة الإنسانية عنها، كما تقوم باصطياد بعض الصور من هذه المظاهرات وخصوصا تلك التى ترفع شعار تحرير فلسطين «من البحر إلى النهر» للادعاء بأن المظاهرات تريد تنفيذ هولوكوست جديد ضد اليهود فى العالم!
سادسا: تحرص وسائل الإعلام الإسرائيلية على توجيه رسالة خاصة ليهود العالم وخصوصا هؤلاء الذين يعيشون فى الدول الغربية، لتذكيرهم دائما بالمصير الواحد، وبأن معاداة السامية فى أعلى معدلاتها، وأنهم مهما بعدوا عن إسرائيل جغرافيا، فستبقى الأخيرة هى الملجأ الأخير لكل يهود العالم والمكان الأكثر أمنا لهم! وقد رأيت بنفسى كيف تؤثر تلك الرسالة الذكية والعاطفية على الزملاء فى العمل وعلى طلابى فى الولايات المتحدة من اليهود غير الإسرائيليين!
سابعا: يحرص الإعلام العبرى على تأكيد رسالة مؤداها أن الحرب على غزة ليست حربا ضد المسلمين وليست لها صبغة دينية، ولكنها حرب ضد قوى الشر المتأسلمة، وفى ذلك يستعينون بعدد من مسلمى ويهوديى ومسيحيى الداخل الإسرائيلى لتأكيد المعنى نفسه ومحاولة الترويج لفكرة التسامح والتعدد فى المجتمع الإسرائيلى الذى يرحب بالجميع على حد تعبيرهم!
ثامنا: كذلك يبدع الإعلام الإسرائيلى فى مخاطبة النخبة السياسية فى الغرب عبر تذكيرهم بتاريخهم الدموى فى العراق وأفغانستان، ويذكرون الساسة البريطانيين والأمريكان بشكل مكرر وملح بتاريخ تلك الحروب وأعداد المدنيين الذين سقطوا فيها، لإيصال رسالة واضحة، إذا كانت أمريكا وبريطانيا شاركتا فى حروب ساهمت فى قتل عشرات الآلاف من المدنيين لحماية الأمن القومى لهما وحماية الأمن العالمى من الإرهاب وانتشار الأسلحة النووية، فإن إسرائيل تملك الحق نفسه، وبالتالى فالحرب على غزة لا تجعل إسرائيل مجرمة حرب، وإلا اعتبرنا أن الساسة فى أمريكا وبريطانيا أيضا مجرمو حرب، فسقوط المدنيين حتمى فى أى حرب والمسئول عن ذلك هو حماس لا إسرائيل!
تاسعا: تحرص هذه المنصات الإسرائيلية أيضا على التركيز على المفردات المناسبة للمشاهد المستهدف بدهاء شديد، فتعمل على تكرار كلمات مثل «إرهابى»، «حضارة»، «حرية»، «ديموقراطية»، «هولوكوست»، «العالم المتحضر»، «تعددية» فى منصاتها الناطقة بالإنجليزية، بينما تلح على كلمات مثل «شهداء»، «سلام»، «عرب»، «مسلمين»، «محاسبة»، بالإضافة إلى ذكر العديد من الآيات القرآنية والأحاديث التى توصى باليهود وتحرم قطع الشجر والأطفال والنساء فى الحروب.. إلخ فى منصاتها الناطقة باللغة العربية!
عاشرا: يحرص أخيرا الإعلام الإسرائيلى على إظهار قدر من الحرية والديموقراطية فى برامجه سواء بترجمة إعلامه العبرى الذى يوجه انتقادات حادة للحكومة اليمينية بقيادة نتنياهو حيث يظهر قدرا من التعددية فى آراء وخلفيات ضيوف البرامج، أو فى منصتيه الناطقتين بالعربية والعبرية من خلال الحرص على استضافة محللين يوجهون انتقادات للحكومة ويظهرون الحرص على حياة المدنيين الفلسطينيين!
• • •
تقديرى أننا نحتاج دراسات أوسع للخطاب السياسى والإعلامى الإسرائيلى، فاستسهال شيطنة الإسرائيليين والتعامل معهم كصندوق أسود ليس إلا قلة حيلة، فى الحرب والسلم، فإن دراسة العدو والصديق والجار والمنافس هو بمثابة فرض عين سياسى، يحتاج إلى تحليل محايد وفهم عميق واستعداد لتقبل الحقائق المركبة! فهل نرى مثل هذه الدراسات المعمقة قريبا؟
أحمد عبدربه مدير برنامج التعاون الدبلوماسي الأمريكي الياباني، وأستاذ مساعد العلاقات الدولية بجامعة دنفر.