الإسلام كما أدين به
 29ــ المسلم مع سائر البشر- ج - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 11:50 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإسلام كما أدين به
 29ــ المسلم مع سائر البشر- ج

نشر فى : الخميس 25 أغسطس 2016 - 9:40 م | آخر تحديث : الخميس 25 أغسطس 2016 - 9:59 م
ــ1ــ

يجادلنى محدثى فيما أزعم من وجوب الالتزام بالحفاظ على الحياة مهما كان السبب وأنه لا مبرر لرد القتل بالقتل، وأن الجهاد لم يشرع لا لقهر الناس على عقيدة ولا للتحكم فى حريات الناس. وما شرع الله الجهاد إلا وسيلة لإحلال الأمن والسلام، فكيف نسعى إلى السلام بآليات وأدوات غير سلمية؟! لذلك أرانى أقول له: لم يعجبك سلبية ابن آدم فى مواجهة عدوان أخيه فتعال معى نتقدم وننتشر زمانا ومكانا، كما نعلو ونرتفع رتبة فنرى سلوك الأنبياء والمرسلين مع الشر والأشرار، فهذا رسول الله نوح، وكما نقول هو أبوالبشرية بعد الطوفان، يجاهد قومه بالدعوة والحوار والوعد والوعيد زمنا امتد لألف سنة منهم 950 سنة تميزت بشدة وقسوة وتمادٍ فى الظلم من جانب قومه، لذلك سمى الله هذه المدة 950 سنة، وهو تعبير عن الشدة، وفوق ذلك 50 آخرون سماها القرآن 50 عاما (عاما وليس سنة)، أى حوار لين مقبول. وانتهى الأمر إلى إصرارهم وعنادهم فلم يجيش لهم جيشا بل أوكل الأمر لصاحبه (سبحانه) ثم انتصر لنفسه بدعاء الله عليهم «..رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا». فاستجاب الله دعوة نوح وكان الطوفان، وكان الإحياء والموت بيد الله وليس بيد البشر. وعلى المستوى الخاص فهذا «ابن نوح» يقف فى معسكر الرافضين المكذبين، وبدأت أحداث القدر الإلهى فانظر إلى نوح ينادى ولده قائلاً: «..يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ» فيقول الابن العاق «..سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ..». وهكذا صار الولد من المغرقين، ومع هذا فلم يفكر نوح فى تأديبه بعنف ولا إكراهه ولا مصارعته وإقصائه ولا قتله.. أليس هذا سلوك نوح عليه السلام النبى الرسول؟!

ــ2ــ

ونبأ المرأتين امرأة نوح وامرأة لوط «..كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا..» فلم يقدم نوح أو لوط على استعمال العنف، وتولى الله ذلك بتقديره وتدبيره ثم بمشيئته. وفى قصة موسى وفرعون أشهر ما قصه القرآن فلم يزد دور الرسول عن البلاغ والبيان والدعوة وقبول الحوار، ولما بلغ الحوار حائطا مسدودا انسحب النبى موسى عليه السلام وخرج تاركا الإقليم كله مفوضا الأمر لله، فكانت نجاة موسى ومن معه محققة، وأصبح هلاك فرعون وجنده حقيقة واقعة، فالإكراه ليس من صلاحيات البشر. وقد همت بنو إسرائيل بقتل عيسى وصلبه فلم يجيش جيوشا لإكراههم ثقة منه فى أن الإكراه قدر إلهى وليس قرارا بشريا.

وتاريخ النبوات كلها أمامك فى القرآن تستطيع قراءته فتتبين علامتين بارزتين، هما:

1ــ الأصل والأساس الذى لا محيد عنه هو الحوار والدعوة والجدال والسلم.

2 ــ العنف والإكراه له مصدران إما من الله، وحده لنصرة الأنبياء وأتباعهم، وإما جرأة من الكفار يقيمون أنفسهم «مقام الله» إذ يستعملون الإكراه والقتل. وهاتان العلامتان لا جدال فيهما فى أنباء جميع الأنبياء والمرسلين من لدن آدم إلى عيسى، لكن الجدال ــ لشديد الأسى والعنف ــ واقع فيما يتعلق بما ورد فى حق خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، وكأن الله جل جلاله قد اتخذ دينين (حاشاه)، دين لجميع الأنبياء والرسل (بشهادة القرآن) ودين خاص بمحمد صلى الله عليه وسلم بشهادة (أصحاب التأويل والتفسير) فتعالى الله عما يقول هؤلاء بتأويلهم وتفسيرهم علوا كبيرا.

ــ3ــ

ونعود فنقرر أن الإله الواحد سبحانه لم يتخذ سوى دينا واحدا هو الإسلام، وأن هذا الإسلام هو الدين الذى جاء به جميع الأنبياء والمرسلين من لدن آدم وحتى إرسال محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن ككتاب خاتم، ومهيمن وجامع لكل «دين الله«، فإن تشككت فى قولنا هذا فاقرأ معى قوله تعالى حاكيا عن يعقوب وبنيه «..إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ»، «شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ..»، «قُلْ إِنَّنِى هَدَانِى رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ».

وهذه ملكة سبأ ينقل القرآن عنه قولها «..أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ »، وعن إبراهيم وإسماعيل «رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا..»، وعن حوارى عيسى «وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِى وَبِرَسُولِى قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ». بل إن فرعون عرف صحيح الدين وأراد أن يدعيه بعد فوات الأوان: «..آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِى آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ»، وما من نبى ولا رسول هو ومن اتبعه إلا أعلنوا إسلامهم كما يحكى القرآن فى آياته الكثيرة. ويبقى لنا هذا المعترك الذى صنعه بعض الناس بتأويل فاسد نشأ عن قراءة قاصرة لأخبار وروايات لا تمت للحقيقة، بل إن بعضهم اصطنع آليات وأدوات ما أنزل الله بها من سلطان ليبرر تصوره المخالف لحقيقة الدين وحقيقة القرآن.
جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات