عن بعض النتائج الاقتصادية للحرب في غزة.. من فلسطين ومصر إلى الصين - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 9:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن بعض النتائج الاقتصادية للحرب في غزة.. من فلسطين ومصر إلى الصين

نشر فى : الجمعة 23 فبراير 2024 - 8:05 م | آخر تحديث : الجمعة 23 فبراير 2024 - 8:05 م

تنزل الحرب فى غزة كارثة إنسانية بالشعب الفلسطينى الذى سقط منه عشرات الآلاف من الضحايا بين قتيل وجريح، ودمرت منشآته العامة والخاصة إلى حد مروع، وهجر قسريا داخل القطاع، ويواجه اليوم مجددا خطر التهجير القسرى والمجاعة والغياب الكامل لسبل الرعاية الصحية والحياة الآمنة. بجانب هذه الكارثة التى تسأل عنها الحرب والتى تتجاوز فى دمويتها ودمارها كوارث الماضى البعيد والقريب التى حاقت بالفلسطينيين والفلسطينيات، وبجانب تداعياتها السياسية الكثيرة على منطقة الشرق الأوسط التى تعود الولايات المتحدة الأمريكية إلى التدخل العسكرى فى بعض جوانبها بغية منع التمدد الإقليمى للحرب واحتواء تهديدات وكلاء إيران، بجانب هذين الأمرين ثمة تأثيرات اقتصادية بالغة الخطورة لما يحدث منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣.
• • •
فيما خص إمدادات الطاقة، وبعض بلدان الشرق الأوسط يصدر النفط والغاز الطبيعى وبعضها الآخر يراوح بين الاكتفاء الذاتى وغياب التصدير وبين الاستيراد، فإن الأسعار ارتفعت بشدة ما أن اشتعلت الحرب وأفادت من ثم موازنات البلدان المصدرة للطاقة (دول مجلس التعاون الخليجى) بينما وضعت المزيد من القيود التضخمية والمالية على موازنات البلدان الأخرى التى لم تتعاف بعد من النتائج السلبية لجائحة كورونا والحرب الروسية ــ الأوكرانية (بقية الدول).
وعلى الرغم من أن أسعار الطاقة اليوم قد عادت إلى مستوياتها السابقة على الحرب فى غزة على وقع عدم تأثر إنتاج النفط والغاز الطبيعى فى الخليج وعلى خلفية تدفق الإنتاج الأمريكى من النفط والعاملان ساهما فى استعادة استقرار الأسعار، إلا أن احتمالية ارتفاعها مرة أخرى لم تتراجع بالكامل إن بسبب خطر التمدد الإقليمى فيما وراء لبنان وسوريا والعراق والمدخل الجنوبى للبحر الأحمر باتجاه بحر العرب والخليج العربى، أو بسبب خطر طول أمد الحرب التى دخلت بالفعل شهرها الرابع.
• • •
أما الاقتصاد الفلسطينى وإذا كان يواجه شبح الانهيار الشامل فى غزة والضفة الغربية، فإن إسرائيل تعانى اقتصاديا بشدة ولولا المساعدات الأمريكية والأوروبية لكانت أوضاعها أسوأ بكثير. فالاستثمارات الأجنبية، خاصة فى قطاعات التكنولوجيا والسياحة، هبطت بين أكتوبر ٢٠٢٣ وفبراير ٢٠٢٤ إلى أدنى مستوياتها مقارنة بالسنوات الماضية. ولا يتوقع، وفقا لاستطلاع رأى عالمى أجرى مؤخرا بين أصحاب شركات التكنولوجيا الناشئة فى أمريكا الشمالية وأوروبا والشرق الأوسط وآسيا، سوى ٥ بالمائة من أصحاب الشركات الإسرائيلية أن يتوسعوا فى أعمالهم بين اليوم ونهاية ٢٠٢٥ علما بأن المتوسط العالمى لتوقعات التوسع الإيجابية هو ٤٠ بالمائة.
كذلك تراجعت الاستثمارات الأجنبية فى قطاعات الصناعات العسكرية والأمنية، فانسحبت الشركة اليابانية «ايتوشو» من التعاون مع الشركة الإسرائيلية «البيت سيستمز» وقطعت الشركة السويسرية «كينه + ناجل» تعاملاتها مع ذات الشركة الإسرائيلية وهى تتخصص فى إنتاج قنابل وذخائر الطائرات. وعلى الرغم من أن معدلات التضخم فى إسرائيل لم تتجاوز ٣ بالمائة والصادرات والواردات الزراعية والصناعية وغيرها لم تواجه أزمات نقل أو نقص حادة منذ نشبت الحرب، إلا أن قيمة العملة الإسرائيلية «الشيكل» تدنت، والحركة فى الموانئ التجارية الرئيسية هبطت إلى الحد الذى أغلق معه بالكامل ميناء عسقلان وتوقف معه ٩٠ بالمائة من العمل فى ميناء إيلات. فقط ميناء أشدود هو الذى ظل على حاله، وفى ذلك دليل واضح على غياب الاستقرار التجارى.
كما أن السياحة الخارجية (الأمريكية الشمالية والأوروبية) فقدت بين ٧٠ و٩٠ بالمائة من تدفقاتها، ويعانى أصحاب العمل فى كل القطاعات التكنولوجية والصناعية والزراعية والخدمية من أزمة نقص العمالة بفعل إغلاق الحدود مع قطاع غزة ومنع دخول العمالة الغزية إلى إسرائيل والقيود الكثيرة المفروضة على العمالة القادمة من الضفة الغربية.
• • •
فى الجوار المباشر لفلسطين وإسرائيل، فقد خفض صندوق النقد الدولى توقعات النمو الاقتصادى الخاصة بمصر والأردن ولبنان بفعل تداعيات الحرب فى غزة.
فى مصر، وبينما لم تتأثر تدفقات السياحة الخارجية إلى البلاد لتسجل أعلى معدلاتها منذ ٢٠١٠ بقدوم ما يقرب من ١٥ مليون سائح وسائحة فى ٢٠٢٣، إلا أن التمدد الإقليمى للحرب باتجاه جنوب البحر الأحمر رتب تراجع الإيرادات المصرية من قناة السويس بنسبة تدور حول ٤٠ بالمائة.
أما فى الأردن ولبنان، فقد انهارت التدفقات السياحية ومعها غاب مؤقتا مصدر أساسى للعملة الصعبة فى البلدين (على سبيل المثال، تراجعت نسبة الإشغال الفندقى فى الأردن بنسبة تتراوح بين ٥٠ و٧٥ بالمائة بين أكتوبر ٢٠٢٣ وفبراير ٢٠٢٤).
وفى الجوار الإقليمى الواسع لفلسطين وإسرائيل، أدت هجمات الحوثيين على السفن التجارية وناقلات النفط والغاز الطبيعى والبضائع العملاقة التى تعبر مضيق باب المندب باتجاه قناة السويس إلى تداعيات خطيرة.
فى الأحوال الاعتيادية، تمر عبر البحر الأحمر نسبة من التجارة العالمية تصل إلى ١٢ بالمائة، وتسير به ناقلات النفط والغاز الطبيعى من الخليج إلى أوروبا وناقلات الصادرات الصينية واليابانية والهندية والآسيوية إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية الشمالية. وعلى خط سير السفن والناقلات، تزدهر الأعمال فى العديد من الموانئ على امتداد شاطئى البحر شرقا وغربا وهى فى عددها الأكبر موانئ عربية فى اليمن والسعودية والأردن وفى الصومال والسودان ومصر.
اليوم، وبفعل هجمات الحوثيين والتصعيد العسكرى بينهم وبين التحالف الدولى الذى تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، هوت الحركة الملاحية فى البحر الأحمر إلى ما دون ٦٠ بالمائة من معدلاتها قبل نشوب الحرب.
ليس هذا فقط، بل ارتفعت كلفة المرور فى البحر الأحمر على الدول والشركات بعد أن اتجهت كبريات تحالفات التأمين البحرى إلى مضاعفة مقابل خدماتها أضعافا مضاعفة (٧ أضعاف على ناقلات النفط والغاز والصادرات الصناعية) وبعد أن أعلنت كبريات شركات الشحن البحرى كـ(ميرسك، وهاباج لويد، وإم إس سى الغربية، وكوسكو الصينية) الإيقاف المؤقت لأنشطتها الملاحية عبر البحر الأحمر واستخدام طريق رأس الرجاء الصالح الأطول بكثير. وأسفر كل ذلك، وفقا لبيانات منظمات اقتصادية وتجارية دولية، عن ارتفاع أسعار بعض الصادرات الصناعية الصينية واليابانية والهندية والآسيوية المتجهة إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية الشمالية بنسب تتراوح حول ٢ بالمائة، وعن تأخر وصول منتجات أخرى إلى ذات الأسواق كالسيارات الكهربائية الصينية التى يبلغ حجم مبيعاتها فى أوروبا والولايات المتحدة وكندا مليارات الدولارات (تسهم صناعة السيارات بما يقرب من ١٠٠ مليار دولار فى الاقتصاد الصينى).
لم تتطور بعد ارتفاعات أسعار الصادرات الآسيوية وتأخر وصولها إلى كبريات الأسواق الغربية إلى ما يشبه الأزمة الكبرى لخطوط الإمداد الصناعى التى شهدها العالم فى سنة جائحة كورونا الأولى، غير أن الخطر يظل قائما ويظل ضاغطا على دول كالصين واليابان والهند التى تتأثر تجارتها بما يحدث فى البحر الأحمر. ولعل ذلك هو أحد دوافع الانتقادات الحادة التى وجهتها وزارة الخارجية الصينية للولايات المتحدة الأمريكية بعد استخدامها لحق النقض (الفيتو) فى مجلس أمن الأمم المتحدة لإسقاط المشروع الجزائرى لوقف فورى لإطلاق النار فى غزة حيث وصفت بكين واشنطن بالمسئولة عن القتل والدماء والدمار فى القطاع. فالصين، التى تدرك جيدا أن هجمات الحوثيين ستتوقف وتداعياتها الاقتصادية والتجارية السلبية ستتراجع ما أن تتوقف آلة القتل الإسرائيلية فى فلسطين، تريد أن تصل إلى هذه النتيجة سريعا بعد أن طالتها تأثيرات الحرب.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات