مخاطر التشدد في ضبط الحدود في شمال أفريقيا - العالم يفكر - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 4:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مخاطر التشدد في ضبط الحدود في شمال أفريقيا

نشر فى : الأربعاء 22 أغسطس 2018 - 9:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 22 أغسطس 2018 - 9:10 م

نشرت مؤسسة صدى كارنيجي مقالا للكاتبان ماكس غاليان ومات هربرت يتناولان فيه قضية التشدد في تأمين الحدود في دول شمال أفريقيا وخاصة بعد ثورات الربيع العربي وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى خلق أزمة جديدة ناتجة عن الفقر والتهميش والاجهاد الاقتصادي الشديد للمجتمعات المقيمة في المناطق الحدودية.

خلال الأعوام الماضية، عملت بلدان شمال أفريقيا على تحصين حدودها تحصيناً شديداً. يمتد خندق بطول 220 كيلومتراً ، أُنجِز في فبراير 2016، على طول الحدود التونسية- الليبية. وعلى بعد 1200 كيلومتر نحو الغرب، يطبع جداران جديدان الحدود بين المغرب والجزائر. تشكّل هذه الحواجز عارضاً ورمزاً من رموز مقاربة أمنية جديدة للحدود في مناطق عُرِفت تاريخياً بترابطها الثقافي والاقتصادي.
منذ انتفاضات 2011، بدأت الحكومات في شمال أفريقيا بالنظر في شكل أساسي إلى حدودها بأنها تشكّل تحدّياً أمنياً. لقد أدّى النزاع في ليبيا وشمال مالي إلى طفرة في تهريب السلاح وتجارة المخدرات في مختلف أنحاء المنطقة، وأفسح المجال أمام المجموعات المتشدّدة كي تزدهر وتشنّ هجمات على تونس والجزائر. وبدأ يُنظَر إلى الحدود القابلة للاختراق بأنها سبب من أسباب ضعف الدولة ومؤشر من مؤشراته، وكذلك مصدر لعدم الاستقرار والهشاشة في المنطقة. وقد ردّت الحكومات الإقليمية بالتخلي عن الأساليب القديمة في إدارة الحدود لمصلحة مقاربات غربية قائمة على العسكرة والردود العدوانية على المعابر غير الشرعية. وقدّم المانحون الغربيون دعماً حماسياً لهذه الحملة من أجل التشدد في ضبط الحدود، عبر توفير مؤازرة كبيرة لهذا المجهود من خلال دفق المعدّات والتدريب والمساعدات. لكن وبدلاً من المساهمة في تعزيز الأمن في المنطقة، حمل ضبط الحدود معه خطر التسبب بعدم الاستقرار عند الحدود الإقليمية، حيث تعوّل المجتمعات المحلية على التهريب والبضائع المهرَّبة الرخيصة.

ويضيف الكاتبان أنه منذ الاستقلال، أعطت دول المنطقة الأولوية للتنمية الاقتصادية والاستثمار في مدن الساحل الأساسية، تاركةً المناطق الداخلية والأراضي الحدودية الشاسعة عرضةً للإهمال والتهميش. وفي حين أظهرت دول شمال أفريقيا لامبالاة شديدة إزاء تعزيز الفرص الاقتصادية في الأراضي الحدودية، إلا أنها سعت إلى الحد من خطر غياب الاستقرار في تلك المناطق. لهذه الغاية – وكذلك من أجل تأمين مدخول إضافي للنخب التي تجمع بينها روابط سياسية – سمحت هذه الدول بأشكال بديلة من توليد المداخيل في الأراضي الحدودية، على رأسها التهريب. وقد ساهمت تجارة الشبكات بالبنزين أو المواد الغذائية أو الأقمشة أو الأجهزة الإلكترونية المهرَّبة في تأمين الوظائف، وأتاحت الحرَكية الاجتماعية، وخفّضت من كلفة المعيشة في المجتمعات الحدودية. كذلك أتاح القبول بهذه الأنشطة في الأراضي الحدودية الإقليمية، شكلاً من أشكال التنمية الاقتصادية المنخفضة التكلفة. على الرغم من أن الأراضي الحدودية قد تبدو فوضوية وغير مضبوطة، مع تجاهُل المسؤولين الحكوميين لهذه الأنشطة أو تورّطهم الشديد فيها، إلا أن التطبيق المحدود للقوانين لم يعنِ يوماً أن الدول تخلّت عن السيطرة. في الواقع، كان عدد كبير من أنشطة التهريب يتم عن طريق المعابر الحدودية. وكان ضباط من الأجهزة الأمنية ومسؤولون جمركيون في المغرب والجزائر وتونس يؤدّون دور الوسطاء والمراقبين في هذه الأنشطة التجارية – مقابل المال – في حين كانت البلديات المحلية في تونس والمغرب تجبي ضرائب من الأسواق حيث تُباع البضائع المهرَّبة.
كذلك يؤدّي المهرّبون والمجتمعات المحلية عند الحدود دوراً مهماً في الهندسة الأمنية الحدودية للدول. فقد كانت القوى الأمنية التي تعاني من الإرهاق، تعتمد على سكّان المناطق الحدودية لتزويدها بالمعلومات عن البضائع الخطيرة أو الأشخاص غير المألوفين الذين يعبرون الحدود. قال نائب مغربي من إحدى المناطق الحدودية*: "كان الاقتصاد غير النظامي والأشخاص الذين يعيشون في هذه المناطق الحدودية بمثابة حرّاس الحدود"، مضيفاً: "لعل الحدود، مع كل الأسيجة وما شابه، أقل انضباطاً الآن مما كانت عليه عندما كان السكان يعملون هناك".
***
لقد تبيّن أن المقاربات التقليدية ناجحة إلى حد كبير. صحيح أنه وقعت أعمال عنف عبر الحدود أو اندلعت احتجاجات في صفوف سكّان المناطق الحدودية، لكنها كانت نادرة نسبياً. هذا فضلاً عن أن التحوّل في المشهد الأمني الأوسع في المنطقة أحدث أيضاً تغييراً في واقع الأمن في الأراضي الحدودية. ففي تونس وليبيا، تسبّبت الانتفاضات بتصدّع في علاقة العمل بين القوى الأمنية والمجتمعات الحدودية، كما أن تدفّق الأسلحة والأشخاص عبر حدودهما المشتركة في العام 2011 أثار قلق الأفرقاء المحليين والدوليين على السواء. وأبدت القوى الأمنية والسياسيون في الجزائر والمغرب خشيتهم من أن أسلوبهم التقليدي ذا اللمسة الخفيفة في التعاطي مع الأمن لم يعد كافياً على ضوء غياب الاستقرار في المنطقة. واشتدّت هذه المخاوف مع قيام مجموعات تابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وتنظيم الدولة الإسلامية بشنّ غارات قوية الوقع عبر الحدود الوطنية، ومنها هجمات على منشأة الغاز في الجزائر في العام 2013، ومدينة بنقردان التونسية في العام 2016.
لقد استُبدِلت الاستراتيجيات البراغماتية التي كانت معتمدة سابقاً للتعامل مع المهرّبين، باستراتيجيات أكثر صِدامية. فقد نشرت الجزائر ما لا يقل عن 80000 عسكري لفرض الأمن عند الحدود، واعتمدت تونس المقاربة نفسها، عبر إنشاء مناطق عسكرية مغلقة عند الحدود مع ليبيا في العام 2013، ثم عمدت لاحقاً إلى توسيعها لتشمل أجزاء من حدودها مع الجزائر. وبنت المغرب والجزائر وتونس جدراناً تمتد على مئات الكيلومترات. وساهمت الولايات المتحدة وألمانيا في تمويل الجدار التونسي ومعدّات المراقبة الخاصة به، عبر التبرّع بـ44.9 مليون دولار منذ العام 2016.
ويستطرد الكاتبان قائلين أن هذه النظم الجديدة من الإدارة الحدودية تسببت بإجهاد اقتصادي شديد للمجتمعات المقيمة في المناطق الحدودية. فقد أدّت الجدران التي أنشأتها تونس والجزائر إلى خنق شبكات التهريب المحلية الصغيرة النطاق، ما ألقى بالمجتمعات المحلية في الفقر، ودفعها نحو الاحتجاج والإجرام. كما أنها منحت القوى الأمنية حيّزاً جديداً لاستغلال السلطة، وفق ما تُظهره الزيادة اللافتة في أعداد المصابين والقتلى في صفوف المهرّبين عند الحدود التونسية-الليبية.
كذلك تأثّر الأمن في المنطقة الحدودية بلجوء القوى الأمنية بصورة مطردة إلى العنف ضد المهرّبين. وقد أدّى ذلك، عند الحدود التونسية-الليبية، إلى ارتفاع عدد المصابين والقتلى في صفوف المهرّبين، وتسبّب باندلاع احتجاجات جنحت أحياناً نحو العنف. ووقعت حوادث مماثلة عند الحدود المغربية-الجزائرية، على غرار ما حدث في تشرين نوفمبر 2017، عندما اندلعت احتجاجات في بلدة بني درار الحدودية في المغرب بعد مقتل مهرّب على يد أحد حرّاس الحدود.
هذا فضلاً عن أن السياسات الحدودية الأكثر تشدّداً لا تُقدّم مساهمةً تُذكَر من أجل التصدّي للتحديات الإرهابية. كثيراً ما تشدّد الحكومات، في المغرب العربي والعالم، على الروابط بين المهرّبين والإرهابيين. وقد أتاح هذا الربط مبرّراً لاتخاذ إجراءات مشدّدة ضد المهرّبين الذين كانوا يعملون من دون رادع في المراحل السابقة. هناك بعض الروابط بين مهرّبين معينين ومنظمات إرهابية، بدفعٍ من المصالح المالية للمهرّبين أو الابتزاز من الإرهابيين. بيد أن هذه الروابط نادرة نسبياً. ففي نظر معظم المهرّبين، من شأن ارتباطهم بالإرهابيين أن يزيد من المخاطر التي تحيط بعملهم. فالقوى الأمنية التي تغضّ النظر عادةً عن حركة التهريب، لديها استعدادٌ أكبر بكثير للجوء إلى القوة في حال تبيّن أن هناك رابطاً بين المهرّبين والإرهابيين. ويضيف مسؤول أمني تونسي أن: "التهريب هو مصدر رزق لعدد كبير من الأشخاص، ولن يجازفوا به عبر التورّط مع الإرهابيين".
***
وختاما يرى الكاتبان أنه في حين أن المجتمعات الحدودية في المنطقة هي في معظم الأحيان محافظة دينياً، وتُنتج مستويات عالية إحصائياً من المقاتلين الأجانب، إلا أن معظم السكان يعتبرون أن المعتقدات الدينية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أو تنظيم الدولة الإسلامية تتعارض جوهرياً مع معتقداتهم. فالأسباب الفعلية خلف قابلية الشباب في هذه المناطق للجنوح نحو التشدّد تتمثّل في خليط التهميش الاقتصادي، والازدراء السياسي من جانب النخب، واستغلال السلطات من قبل الأجهزة الأمنية – وكلّها أمورٌ تساهم الأشكال الجديدة من الإدارة الحدودية في استفحالها بدلاً من الحدّ منها.
واقع الحال هو أن تطبيق هذا النموذج التبسيطي الذي تعتمده منطقة شمال أفريقيا لضبط الحدود على الطريقة الغربية، يحمل في طيّاته خطر اندلاع أزمة جديدة. ففرض أشكال جديدة من السيطرة، بما في ذلك من خلال تقييد الحركة وجباية ضرائب كاملة على البضائع المهرَّبة سابقاً، لا يساهم في "إعادة بسط سلطة الدولة"، بل يفرض علاقة جديدة بالكامل بين المركز والأطراف تتم حصراً على حساب الأطراف. وفي غياب استراتيجيات اقتصادية بديلة، قد تعود هذه الإجراءات بنتائج معاكسة لما كانت تتوخّاه في الأصل، وذلك عبر فقدان المركز سيطرته على أراضيه الحدودية.

النص الأصلي: https://bit.ly/2PhB8Cz

التعليقات