حاجتنا إلى الموضوعية - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 7:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حاجتنا إلى الموضوعية

نشر فى : الجمعة 21 أبريل 2023 - 8:00 م | آخر تحديث : الجمعة 21 أبريل 2023 - 8:00 م
من الأمور المحزنة للنفس فى بلادنا المحبوبة مصر أننا ــ كشعب مصرى ــ نعيش عالمًا يغلب عليه عدم أو ضعف التفكير الموضوعى أى العقلانى، وسيطرة عواطفنا علينا، فبنظرة سريعة إلى قرارات رب الأسرة أو رئيس العمل أو السياسى أو الحزبى... إلخ، نكتشف أن معظم القرارات فى أى مجال تعتمد على توازن القوى وليس على الموضوعية المجردة، فقرار رب الأسرة يتأثر بميوله الشخصية، وحاجاته المادية، وبحالته النفسية والضغوط التى يواجهها سواء فى الداخل (الأسرة أو العائلة) أو فى الخارج؛ ضغوط العمل... إلخ، وعادة يقع الأفراد تحت ضغوط المجتمع المحيط، وتميل القرارات بشكل عام إلى القرار الأكثر شعبية لا الأكثر موضوعية، بل إن المجتمع والعالم حولنا نراه يتخبط باحثًا عن الموضوعية فى قرارات تمس القضايا المصيرية للشعوب الفقيرة والمتألمة، فبينما تموت الملايين جوعًا وتشريدًا فى العالم الجنوبى أو الشرقى، تُنفق ملايين الأموال فيما لا يفيد حقيقة، وهكذا نكتشف صعوبة أن نفكر بموضوعية علمية بعيدًا عن العواطف أو حتى على مسافة منها، فُترى ما هى ملامح الشخص الذى لا يميل إلى الموضوعية فى طريقة تفكيره؟!، وما هو تعريفنا للموضوعية الفكرية؟ ثم ننتهى إلى كيف نُدرك التفكير الموضوعى فى كل شئون حياتنا اليومية والعملية؟
ملامح الشخص غير الموضوعى
كيف تحكم ــ عزيزى القارئ / عزيزتى القارئة ــ على إنسان بأنه موضوعى أو غير موضوعى؟!.
والإجابة البسيطة والمباشرة هى أننا نكتشف موضوعية الإنسان من عدمها أو ضعفها من رد فعله تجاه الأحداث والأشخاص، والسؤال تُرى ما هى ملامح الإنسان الذى يفكر بموضوعية وتوازن؟ هنا نستطيع أن نجتهد لنرى أن هناك أربعة ملامح للإنسان غير الموضوعى:
أولًا: الشخص غير الموضوعى هو الذى يحكم على الآخرين بنظرية أو بمنطق يرفض هو أن يُحكم به عليه: أى ينتقد الآخرين بصورة معينة أو بمقياس معين، وعندما يضعه الآخرون على ذات المقياس يرفض ذلك، وهذا يدل على فساد مقياس الحكم المُستخدم، ومن المقاييس الفاسدة:
1) الأحكام العامة:
وهنا ــ عزيزى القارئ / عزيزتى القارئة ــ نستطيع القول إن أى حكم عام غالبًا يكون حكمًا فاسدًا وغير منطقى، كالتعميم على شعب دولة أو قطر، بأنه متخلف أو متقدم أو بأنه متدين أو غير متدين، فالتعميم هنا يقع فى فخ اللاموضوعية، فالحكم مثلًا على بلد من البلدان بكاملها بالفساد، أو على أتباع دين معين بالانحراف عن الحق، أو الحكم على مذهب بذاته أو طائفة من البشر بالتسيب، أو حتى الحكم على أسرة بكاملها... إلخ، يُعتبر حُكمًا عامًا مهما كان هذا الحكم صالحًا أو فاسدًا، فهو حكم غير موضوعى.
2) الحكم استنادًا على العاطفة:
فأى حكم بانفعال ــ عزيزى القارئ / عزيزتى القارئة ــ كرد فعل مباشر لحدث أو قول، يكون عادة أو غالبًا غير موضوعى، وغالبًا تُبنى مثل هذه الأحكام على ظاهر الأحداث، فالإنسان يسمع خبرًا ما، أو يرى حدثًا ما، وبدون روية أو تفكير يصدر رد فعل بشكل مباشر، انفعاليا أو عاطفيا، فهناك من يحكم على شخص ارتكب جريمة سرقة أو قتل... إلخ على أنه جاء نتيجة تربية أسرة منحرفة، أو يحكم على أتباع دين أو مذهب معين أو فلسفة بعينها، بأنهم فاسدون وغير موضوعيين فى طريقة تفكيرهم... إلخ، كل هذه الأمثلة وغيرها مقاييس خاطئة لأنها لا تستند على نظرية علمية أو منطق علمى ويستخدمها بعض غير المنصفين أو الذين ينتمون إلى فكر يدافعون عنه بعاطفة وليس بمنطق علمى.
ثانيًا: الشخص غير الموضوعى هو الذى يلاحظ أخطاء الآخرين ويعمى عن رؤية أخطائه.
نحن كبشر عادة نتصيد للآخرين أخطاءهم يوميًا سواء فى مجال الأسرة أو العمل أو الأصدقاء... إلخ، والملاحظ أنه عندما يُخطئ شخص ما فى مجتمع أو طائفة ما مثل طائفة الأطباء أو المدرسين أو رجال الأعمال... إلخ، هنا يقع البعض فى مصيدة التعميم فعندما يسقط أو ينحرف طبيب أو مهندس أو رجل دين... يبدأ المجتمع فى الحديث عن أن الأطباء فى هذه الأيام ليسوا كما كانوا من قبل عقد أو اثنين من الزمان، فى أمانتهم وحرفيتهم وقدراتهم... من هنا عندما نكتشف سقوط شخص ما فى أى مجال علينا العودة إلى أنفسنا كأفراد أو أسر أو جماعات ونتساءل هل نحن نرتكب نفس السلوك؟! ولماذا؟.
وهنا قبل أن ندين من يسقط منا فى أى خطأ علينا أن نعود إلى أنفسنا ونتساءل: ألا يمكن أن أكون أنا شخصيًا أرتكب نفس الخطأ دون أن أدري؟ فأنا أعيش فى نفس المجتمع وتحت نفس الظروف، وإذا حدث ذلك يكون توجهنا لإصلاح الآخر نابعًا من إحساسنا نحن كبشر خطائين بطبيعتنا، وهنا يكون تقييمنا للموقف مختلفًا، بالحديث عن أن الإنسان خطاء وأننا كلنا نقع فى أخطاء متنوعة ومتعددة وعلينا أن نصحح لبعضنا البعض من هذا المنطلق. فنحن نتعلم من خطأ الآخرين لنصحح أنفسنا أولًا ثم نتوجه بعد ذلك لنصحح الآخرين. ولنعلم أن الذى يتعلم من أخطاء الآخرين المحيطين لتصحيح ذاته يوفر على نفسه الكثير من التجارب المؤلمة لأخطاء يمكن أن يعانى هو منها مستقبلا.
• • •
أما الشخص الذى يتعلم من أخطاء الآخرين ليكتشف ذاته ويصححها فهو الشخص السوى، الذى عندما يقع الآخرون فى خطأ لا ينتقدهم، بل العكس يتعاطف معهم ويحض كل واحد منهم على ألا يقع فى الخطأ ثانية، وإذا رأى صديقه قد وقع فى خطأ ما، يعود إلى نفسه متسائلًا: ألا يمكن أن أكون قد ارتكبت شخصيًا نفس الخطأ دون أن أشعر؟ فأنا أعيش نفس الظروف، وبعد العودة إلى الذات واكتشافها والتوبة عنها، يتوجه إلى الآخر ويحاول تصحيحه. فنحن يجب أن نشجع بعضنا البعض كأصدقاء، على أنه إذا رأى شخص صديقه يخطئ لا يتردد فى أن يلفت نظره، لكن بعد العودة أولا إلى ذاته فربما يرتكب هو نفس الأمر وعليه تصحيحه أولًا قبل الاتجاه إلى تصحيح صديقه.
• • •
الخلط بين الشخص والموضوع، لاشك أنه فى علاقاتنا الأسرية والعملية والصداقات نحتاج أن نصحح بعضنا البعض، وهنا يقع بعض اللبس، فعندما يتوجه إنسان ما إلى آخر لاحظ أنه يخطئ محاولًا أن يثنيه عن خطئه واندفاعه وتهوره، فهو بذلك يريد له النجاح فى حياته لكن إذا كان الشخص المخطئ غير موضوعى فى تفكيره فهو سوف يعتبر أن ذلك الشخص الذى يحاول إصلاحه ينتقده، وهنا سوف يرفض نصائحه بل وسيُلقى بها فى الأرض ويدوسها بأرجله ويسفهها، ويتحول ذلك الشخص من الحديث عن الموضوع إلى الشخص الذى يحاول تقديم النصح له، ويقوم بتوبيخه وينتقده شخصيًا بدلًا من تناول الموضوع، فتارة يكرر الكلمات: من أنت لتنتقدنى؟! أو من أقامك هنا لتنصحنى وترشدنى؟ أو ما هى مؤهلاتك لتقول مثل هذا الكلام الكبير؟... إلخ، هذه التعبيرات تخرج عن الموضوع المثار وعن الحوار الموضوعى وتقوم بتمزيقه شخصيًا وإهانته.
من هنا نرى أن ملامح الإنسان غير الموضوعى تتلخص فى أنه يحكم على الآخرين بنظريته الشخصية والتى يرفض أن يُحكم بها عليه، وهو الذى يلاحظ أخطاء الآخرين ويعمى عن أخطائه هو، وأيضًا من لا يتعلم من أخطاء الآخرين ليكتشف ذاته ويصححها، فى الوقت الذى يخلط فيه بين الموضوع والشخص.
باختصار، عزيزى القارئ / عزيزتى القارئة، أدعوكم إلى أن تحاولوا التفكير بموضوعية، وأن تتدربوا على ذلك بجدية واضحة مع أفراد أسرتكم وأصدقائكم وزملاء عملكم، بل ومع كل قرار يصدر من الدولة يلمسكم أو يصدر من مقر عملكم أو فى العلاقة الحميمة مع أسرتكم، وشركاء حياتكم، وأولادكم، والمقربين إليكم.
إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات