«من الأزهر إلى السوربون».. تكوين طه حسين - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 1:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«من الأزهر إلى السوربون».. تكوين طه حسين

نشر فى : السبت 19 أغسطس 2023 - 8:20 م | آخر تحديث : السبت 19 أغسطس 2023 - 8:20 م
ــ 1 ــ
قرابة الشهرين فقط تفصلنا عن الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين (1889 ــ 1973)، صاحب أهم وأكبر دور فكرى وثقافى وتعليمى فى تكوين العقل المصرى والعربى فى العصر الحديث، والمثال الرفيع على عظم دور وقيمة الأستاذ الجامعى المعنى بقضايا أمته ووطنه، وصاحب الرؤى الاستشرافية التى ما زلنا نكافح من أجل ترجمتها إلى «واقع»، ينطلق من إصلاحاتٍ جذرية فى التعليم، واعتباره (أى التعليم) مشروعا قوميا له الأولوية عما عداه.
وأظننا فى حاجةٍ ماسة إلى مزيد من القراءة ومراجعة سيرة الدكتور طه واستلهامها على كل المستويات، إنسانيا وفكريا وبحثيا، فضلا على ضرورة تقريب هذه السيرة من أجيالنا الجديدة. من بين عشرات الكتب التى صدرت عن طه حسين لفتنى كتاب أفنى صاحبه زهرة سنوات عمره فى دراسة طه حسين، ومشروعه الفكرى والعلمى، وعكف على إخراج سلسلة من الكتب المؤلفة والمترجمة تدور حول الدكتور طه حسين، سيرة وتكوينًا، منهجًا ورؤية، دراسة وتحليلا.
ــ 2 ــ
بعد 18 عامًا من صدوره مترجمًا للعربية، صدرت هذه الطبعة «الثانية» من كتاب «طه حسين من الأزهر إلى السوربون»؛ عن المركز القومى للترجمة بالقاهرة، للباحث المتخصص فى إنتاج طه حسين الفلسفى والفكرى، عبدالرشيد الصادق محمودى. والكتاب فى الأصل هو أطروحته العالية التى كتبها بالإنجليزية، ونال عنها درجة الدكتوراه فى الفلسفة من جامعة مانشستر العريقة عام 1995. وقد قام هو أيضًا بترجمتها إلى العربية والتقديم لها.
هذا الكتاب باكورة إنتاج عبدالرشيد محمودى حول طه حسين؛ وقد أعقبه بعد ذلك بسنوات بمجموعة مهمة من الكتب والدراسات و«الترجمات» التى تشكل فى مجموعها تغطية لمساحاتٍ واسعة من حياة وإنتاج وتراث طه حسين لم تلقَ الاهتمام الكافى بها، ولم يسلط عليها الضوء بما يليق بقيمتها ضمن مدونة أعماله الغزيرة.
جمع عبدالرشيد الصادق محمودى نتاج جهده فى جمع وتوثيق وترجمة ما عثر عليه من كتابات الدكتور طه حسين بالفرنسية فى أكثر من كتابٍ؛ صدر أغلبها عن المركز القومى للترجمة. كما جمع دراساتٍ وفصولا عديدة نشرها فى مناسبات متفرقة عن طه حسين فى كتابه «طه حسين ــ السياج والمرايا».
ــ 3 ــ
أما هذا الكتاب الذى يقع فى 308 صفحات من القطع الكبير، فيتتبع رحلة طه حسين مع التعليم والتعلم منذ أصيب بالرمد فى سن الرابعة من عمره، ما أطفأ نور عينيه إلى الأبد، وحتى حصوله على درجته العلمية العليا «الدكتوراه» من جامعة السوربون الفرنسية العريقة. والكتاب بموضوعه هذا يعد واحدًا من الكتب التى تتبعت مسيرة طه حسين التعليمية والثقافية، عبر ما يزيد على ربع القرن.
يقول مؤلف الكتاب «تتقصى هذه الدراسة مسيرة طه حسين التعليمية من الكتّاب إلى السوربون، ويقدِّم من ثمّ جزءًا من دراسةٍ أوفى يتكفل بها المستقبل عن حياته الفكرية ككل. وهذا الكتاب يتجاوز فى عدة مواضع منه حدود التعليم النظامى الذى حصله طه حسين فى مصر وتلقاه فى فرنسا، ليتناول خبراته الحياتية أو لنَقُلْ موقفه الأساسى من الحياة، كما يتطرق إلى محاولاته التى استمر يبذلها فى مراحل نضجه لمصارعة التناقضات الناجمة عن التزامه بالوضعية والحداثة فى فترة باكرة من شبابه».
نمت فكرة البحث من رغبة عارمة فى دراسة الدور الذى أداه طه حسين كوسيطٍ بين الثقافات، وبدا لمؤلفه حينئذ أن الأمر يقتضى البحث عن بذور النزعة الحداثية والنزعة الإنسانية فى تعليم طه حسين. ومع المضى قدما فى مسارات البحث ومشكلاته، وجد المؤلف نفسه يتجاوز بشكل تلقائى، وعلى نحو تدريجى، هذه الدوائر العامة إلى تعليم طه حسين ذاته.
يقول المؤلف «وقد تأكد لدى مع تقدم البحث أن هذا التحول كان أمرًا موفقًا وضروريًّا فليس من الممكن أن نفهم طه حسين فى نضجه دون أن ندرس كيف تشكل تفكيره فى مراحل تعليمه المختلفة».
ــ 4 ــ
من وجهة نظرى، يختلف الكتابَ عن كتبٍ كثيرة أخرى عالجت موضوعه (جزئيًّا أو كليًّا) فى تركيزه التام على فترات التكوين والتأسيس الأولى فى حياة طه حسين، وهذا التركيز تمليه عوامل عدة لعل من أهمها تطور طه حسين نفسه؛ فهو ينتمى إلى فئة النوابغ الذين يتكونون فى فترة مبكرة من حياتهم. وذلك أن طه حسين قد تكون ككاتب ذى مشروع فى مرحلة الطلب.
يدل على ذلك كتاباته الأولى التى تواكبت مع دراسته فى الجامعة المصرية، وما تلاها من كتابات أنجزها أثناء فترة دراسته فى فرنسا. وعلى هذا يحدد الباحث مرحلتين تأسيسيتين أو فترتين رئيسيتين فى نطاق مرحلة الطلب والتكوين؛ وهما: فترة الدراسة فى الجامعة المصرية (1908 ــ 1914) ثم فترة الدراسة فى فرنسا (1914 ــ 1919). ففى هاتين الفترتين وضعت الأسس لكل ما أنجزه طه حسين فى مراحل نضجه التالية.
ولا يعنى هذا أنه توقف عن التطور فى هذه المراحل الأخيرة، بل يعنى أنه لا سبيل إلى فهم هذه التطورات المتأخرة إلا بوصفها تطويرًا وتنقيحًا ونقدًا للأسس التى أرساها فى مرحلة التكوين، كما يؤكد مؤلف الكتاب.
(وللحديث بقية)