صراع الشخصانية والشعبوية! - صحافة عربية - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 2:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صراع الشخصانية والشعبوية!

نشر فى : الأحد 19 أغسطس 2018 - 9:35 م | آخر تحديث : الأحد 19 أغسطس 2018 - 9:35 م

فى 23 يونيو الماضى وقبل ساعات من الصمت الانتخابى استعدادا للانتخابات الرئاسية فى تركيا، قدم الرئيس رجب طيب أردوغان نفسه لمحطة «TRT» كمنقذ للشعب التركى، قائلا إنه يعتبر نفسه من أكثر السياسيين حنكة فى الجمعية العامة للأمم المتحدة «الأكثر حنكة فى العالم هما أنا وبوتين»!.
لكن الأمور بالنسبة إلى الخبراء الاقتصاديين الأتراك، وكذلك إلى المؤسسات المالية الدولية، ليست على هذا النحو إطلاقا، ولهذا ترتفع الدعوات الآن إلى النظر إلى أبعد من قصة الخلاف بين دونالد ترامب وأردوغان، والتراشق بفرض العقوبات بين تركيا والولايات المتحدة، بسبب رفض أنقرة إطلاق سراح القس الأمريكى أندرو برانسون المعتقل فى تركيا منذ عامين بتهمة التعامل مع حزب العمال الكردستانى وجماعة فتح الله جولن، غريم أردوغان الذى ترفض واشنطن مطالبة أنقرة بتسليمه.
التراشق بين ترامب وأردوغان بالعقوبات الاقتصادية، لا يُخفى أبعاد الشعبوية النافرة عند الرئيسين، فكما يريد ترامب أن يقول للأمريكيين أنا من أعيد فرض الهيبة الأمريكية على العالم، يريد أردوغان أن يقول للأتراك أنا من يواجه أقوى دولة فى العالم، «عندما تقلل من احترام تركيا.. إن واشنطن تريد إخضاع تركيا بسبب قس»؟!
تكرارا، القصة ليست قصة قسٍ ولا قصة صفقة لمبادلة ذلك القس بفتح الله جولن؛ القصة فى الأساس قصة اعتلال فى قواعد الدورة الاقتصادية فى تركيا، التى عرفت طفرة إيجابية عام 2003، ولكنها دخلت فى تراجع تراكمى، سبق أن حذرت منه المراجع الاقتصادية سواء فى تركيا أو فى الخارج، ولهذا لا يمكن لتغريدة للرئيس الأمريكى، أعلن فيها مضاعفة الرسوم الجمركية على الألومنيوم والصلب المستوردين من تركيا، أن تضرب الليرة التركية بهذا الشكل، إنها أبعد وأعمق من ذلك كثيرا!
فى هذا السياق، يؤكد الخبراء أن بوادر أزمة الليرة التركية كانت ظاهرة تماما قبل الخلاف مع الولايات المتحدة، وأن أردوغان كان يعرف أن الأزمة مقبلة عليه، ولهذا قرب موعد الانتخابات الرئاسية من نوفمبر عام 2019 كما كان مقررا أصلا إلى يونيو من هذا العام، فى محاولة واضحة لاستباق أى تفاقم للوضع الاقتصادى ينعكس على نتائجه الانتخابية.
بعد الإعلان عن تقريب موعد الانتخابات، انتقد الأكاديمى والمحلل التركى البارز آسكين أوران، سياسات أردوغان، معتبرا أنها تدفع البلاد إلى حرب داخلية وانهيار مؤكد للبنية الاقتصادية، وقال إن من الواضح أن أردوغان يخشى من أن الغد سيكون أسوأ من اليوم له ولحزبه، وذلك لسببين؛ أولا، الوضع الاقتصادى متأرجح سلبيا وما تشهده تركيا فى هذه المرحلة هو بمثابة السير إلى الإفلاس، وأزمة الليرة التركية ترجع إلى سياسات أردوغان غير المنطقية، التى تفتقر إلى المعنى، وثانيا، الضغط غير المسبوق الذى يمارسه على معارضيه السياسيين سيعقد الوضع أكثر!.
لكن الأسوأ بالنسبة إلى الدورة الاقتصادية كان فى الطريق، فبعدما أدى أردوغان اليمين الدستورية فى نظامه الرئاسى، اتخذ فورا مجموعة من القرارات الاقتصادية أثارت القلق فى الأسواق العالمية، وكان أبرزها إلغاء تعيين محافظ البنك المركزى من مجلس الوزراء، وأعطى لنفسه حق تعيينه مع نوابه وأعضاء لجنة السياسة المالية، وهو ما اعتبر تسييسا للمصرف المركزى الذى كان مستقلا!
الخطوة الثانية جاءت عندما عين صهره برات البيراق فى منصب وزير المالية، الذى افتتح تصريحاته بما فاقم القلق، عندما قال إن التكهنات بشأن استقلالية القرار فى البنك المركزى غير مقبولة، وإن هذا البنك سيكون أحد الأهداف الأساسية لسياسات العصر الجديد!
وأى عصر جديد؟
هكذا تساءلت وكالات دولية مختصة، منها «بلومبيرج»، التى قالت فى 10 يوليو إن تركيا أصبحت الآن غير جاذبة للاستثمارات، وإن إردوغان عبر قراراته الأخيرة، أعطى المستثمرين كل الأسباب التى تدعوهم إلى الانسحاب من السوق!
أما المعهد الملكى البريطانى للشئون الدولية (تشاتام هاوس) فقال فى تقرير لشهر يوليو، إن الدولة التركية فى عهد إردوغان الرئاسى الجديد تسير بخطى ثابتة نحو أزمة اقتصادية حادة، مشيرا إلى أن الحكومة التى دشن أردوغان نظامه الرئاسى بتشكيلها ضمت 16 من مقربيه، لفرض سلطته والإمساك بزمام الأمور والسيطرة المتفردة على صناعة القرار وإدارة شئون السياسة العامة، بما فيها الاقتصاد غير المتعافى.
ويضيف التقرير أن أردوغان غير مقدر العلل التى يواجهها الاقتصاد التركى، وغير مهتمٍ بالحاجة الماسة لإجراء عملية إصلاح اقتصادى شاملة تلحقه بدائرة الاقتصادات العالمية، وأنه نتيجة لكل ذلك قفزت ديون العملات الأجنبية لقطاع الشركات إلى 328 مليار دولار نهاية عام 2017، بينما ارتفعت قيمة الدين العام إلى مبلغ 214 مليار دولار، ما يعنى أنه على تركيا سداد مبلغ 18 مليار دولار شهريا!
بعد تفاقم الوضع والتراشق بالعقوبات غير المتوازنة بين ترامب أردوغان، قال بول تى لفين، مدير معهد الدراسات التركية فى جامعة استوكهولم، إن الخلاف غير الضرورى بين تركيا والولايات المتحدة بسبب القس برانسون، فاقم أزمة تركية موجودة أصلا، وإنه كان واضحا منذ بعض الوقت لأى شخص يتابع الأوضاع فى تركيا، أن سوء الإدارة السياسية والاقتصادية للحكومة ستكون له عواقب وخيمة.
إن القراءة فى المنطلق السيكولوجى الشخصى لكل من الرئيسين ترامب وإردوغان، تؤكد أن الأزمة تحولت «عضا على الأصابع» لن تنتهى قريبا، فبعد فشل اللقاء السرى الذى عقد بداية الأسبوع بين جون بولتون مستشار الأمن القومى وسردار كيليج السفير التركى فى واشنطن، ورفض تركيا الإفراج عن برانسون، يتصاعد التراشق بالعقوبات بين البلدين، ترامب لن يتراجع عن تشديد العقوبات، فى وقت يشن حملة عقوبات مشابهة على إيران والصين وروسيا، ويهدد كل من يتعامل مع طهران، لأن تراجعه سيُفشل ويُدمر فاعلية سلاح العقوبات الخانق الذى يرفعه، وفى المقابل لن يتمكن إردوغان من التراجع، لأن الاستثمار فى الأزمة الاقتصادية مع واشنطن، يشكل تجارة سياسية مربحة لنظامه، من خلال محاولته إبراز نفسه ندا لترامب فى فرض العقوبات.
إضافة إلى هذا، يحاول إردوغان أن ينفخ فى الخلاف رياحا شعبوية، ليس فى أوساط «حزب العدالة والتنمية» فحسب، بل فى أجواء «الإخوان المسلمين»، ويبدو هذا واضحا ليس من خلال تصريحات القرضاوى المؤيدة للموقف التركى، أو من خلال زيارة أمير قطر الشيخ تميم إلى أنقرة وتخصيصه مبلغ 15 مليار دولار كاستثمار مباشر فحسب، بل من خلال تعمد إردوغان تكرار القول: «هل تجرءون على التضحية بتركيا البالغ عدد سكانها 81 مليونا من أجل قسٍ يرتبط بجماعات إرهابية»؟
لم يعد من معنى لتلويح أردوغان بأن التحالف بين البلدين بات على المحك، فذلك لم يعد يثير الذعر فى واشنطن كما كان الوضع أيام الاتحاد السوفيتى، عندما كانت قاعدة إنجرليك آذان وعيون المخابرات الأمريكية على الكرملين.. لم تعد لهذه القاعدة التى طالما استعملها أردوغان للضغط على واشنطن، الأهمية السابقة بعدما باتت أمريكا تملك الآن 3 قواعد كبيرة فى سوريا!
لا، لم تعدْ قصة قسٍ فى مقابل جولن، ولا قصة عقوبات متبادلة بين بلدين حليفين فى «الأطلسى»، هى قصة مواجهة شخصانية شعبوية بين ترامب وأردوغان... ولكن السؤال؛ من سيصرخ أولا قبل الآخر؟!

راجح الخورى
الشرق الأوسط ــ لندن

التعليقات