المرض الثقافى السلوكى العربى الخطر - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 8:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المرض الثقافى السلوكى العربى الخطر

نشر فى : الأربعاء 19 أبريل 2023 - 7:40 م | آخر تحديث : الأربعاء 19 أبريل 2023 - 7:40 م

كان من المفروض أن أستمر فى مناقشة ظاهرة وباء الوحدة النفسية التى تجتاح العالم لولا انفجار الأحداث فى القطر السودانى الشقيق بصورة مأساوية خطرة تستدعى التذكير مجددا بإحدى إشكاليات الحياة السياسية المدنية العربية الكبرى.
سنحيل إلى أمثلة فى عدة ساحات عربية لإبراز ما فعلته وتفعله تلك الإشكالية.
ففى السودان نجح حراك جماهيرى هائل، بقيادة مجموعة من الأحزاب والنقابات ومؤسسات مدنية متعددة أخرى، فى الإطاحة بنظام حكم سابق، وتحت شعار واضح صريح ينادى بعودة قاطعة غير متلاعب بها لنظام حكم مدنى ديموقراطى متوازن وعادل.
وكان من المفروض أن تكوّن المجموعات والشخصيات التى قادت ذلك الحراك المبهر إلى النجاح قيادة تنسيقية تضامنية واحدة تعمل على نقل المجتمع السودانى، عبر فترة انتقال متفق على كل تفاصيلها وتحت شعارات أهداف لا تتناقض مع روح وتطلعات الحراكات الجماهيرية، إلى بر الأمان الديموقراطى الدائم.
لكن ذلك لم يتم بصورة كفؤة ثابتة صلبة، إذ رافقته خلافات ومماحكات وانقسامات، مما أدى إلى إضاعة الوقت، ودخول الخارج فى اللعبة، وعدم الاتفاق على خطوات انتقالية لا تقبل التلاعب بها أو تغييرها.
كان من المفروض أن توجد قيادة مدنية تنسيقية متضامنة تمثل الجماهير التى ثارت وضحت يحسب لوجودها وثقلها وتماسكها وقدراتها ألف حساب، سواء من قبل بعض قوى الداخل الرافضة لما حدث أو قوى الخارج المتآمرة الكارهة لأى تقدم أو نجاح سياسى فى كل بقاع الوطن العربى.
والنتيجة لعدم وجود تلك القيادة المشتركة ذات الوزن الندّى الصامد هو ما نراه الآن أمامنا: تنفجر الأحداث، وتختلط الأوراق، ويموت من يموت، وتبدو الأخطار المستقبلية ماثلة فى الأفق، فلا تسمع حتى كلمة واحدة عن ومن القيادة تلك. ذلك أنها فشلت فى أن يكون لها وجود يحسب له، وأنياب يخاف بطشها من قبل أحد.
عاد مصير السودان من جديد فى يد الجيش والميليشيات المسلحة والقوى المتآمرة الداخلية والخارجية، وعادت إمكانية رجوع سكون الذل والمهانة إلى مجتمع السودان المدنى الرائع المضحى بسخاء.
قد تحدث نتائج مخالفة للصورة التى نرسم بألم وحسرة، لكن الدرس المرير قد وقع، وإشكالية عدم قدرة القيادات السياسية، التى قادت وتقود الحراكات الجماهيرية فى أى بقعة من الوطن العربى، على تكوين قيادة مشتركة تنسيقية تضامنية واحدة لإنجاح فترة الانتقال وإيصال المجتمعات إلى نظام ديموقراطى مستقر.
ما كان ليحدث ما يحدث اليوم لو أن مثل تلك القيادة قد عُمل على تأسيسها منذ اللحظة الأولى بعد انتصار الحراك الجماهيرى.
ما نقوله عن الأحداث التى تجرى فى السودان الشقيق وخلفية أحد أسباب حدوثها ينطبق على مسيرة ما جرى فى تونس الشقيقة، وينطبق على فشل وتراجع محاولة لعب شباب وشابات لبنان دورا لتصحيح الأوضاع السياسية والاقتصادية المفجعة فى لبنان الشقيق، وينطبق على ما وصلت إليه الأمور فى عدة أقطار شقيقة أخرى من مثل اليمن وليبيا والجزائر على سبيل المثال وليس الحصر.
لقد اختلفت التفاصيل، لكن الظاهرة بقيت واحدة: عدم قيام قيادة تنسيقية تضامنية واحدة لتقود تلك المجتمعات إلى بر الأمان.
ولا يسمح المجال إلى التذكير بتفاصيل عدم قيام كتلة تاريخية عربية تنسيقية مدنية واحدة حتى الآن بالرغم من الدمار واليباب الذى يعيشه الوطن العربى كله.
ليست تلك الإشكالية سياسية فقط، بل إنها مرض ثقافى سلوكى ذهنى عربى يحتاج إلى أن يدرس ويعالج حتى لا تنتهى جموع شباب وشابات الأمة العربية إلى الإصابة به، وننتهى بأن يكون المستقبل العربى أكثر قتامة من جحيم الحاضر.
مفكر عربى من البحرين

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات