صناعة الديكتاتور - محمد عصمت - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 7:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صناعة الديكتاتور

نشر فى : الجمعة 19 مارس 2010 - 9:54 ص | آخر تحديث : الجمعة 19 مارس 2010 - 9:54 ص

 داخل صفوف المعارضة، تدور الآن الكثير من الحروب الباردة والساخنة.. فهناك خلافات بين الأحزاب الأربعة الكبيرة (الوفد والتجمع والناصرى والجبهة) وبقية الأحزاب المسماة بالصغيرة.. وهناك خلافات بينها كلها وبين والإخوان المسلمين.. وهناك « عدم استلطاف بين الأحزاب وبين الحركات الاحتجاجية وعلى رأسها كفاية و6 أبريل.. وهناك أيضا مناوشات ومنافسات بين هذه الحركات وبعضها البعض، إضافة إلى الخلافات الداخلية القديمة فى الأحزاب والحركات والإخوان.. وفى نفس الوقت هناك مناورات شد وجذب، بحكم قواعد اللعبة السياسية ،تربط بين المعارضة بكل أطيافها
والحزب الوطنى، مع اتهام الطرفين بعقد صفقات انتخابية لتوزيع مقاعد البرلمان..!

وفى مناخ تظهر فيه المعارضة والحكومة فى أضعف حالاتها.. يبدو لى أن البعض ينزلق إلى فخ خطير بتقديم د. محمد البرادعى«كبطل أسطورى» ساقته المقادير لإنقاذ ملايين المصريين.. وهم بذلك يصنعون ديكتاتورا جديدا، بدلا من أن يسهموا فى بناء نظام سياسى جديد يقوم على فكرة المؤسسة لاعلى فكرة الزعيم الملهم أو القائد التاريخى أو حتى المستبد العادل.. والتى أوقن أنا شخصيا أن الدكتور البرادعى نفسه يرفضها جملة وتفصيلا.

الأحزاب فى نظر الكثيرين، عاجزة عن الالتحام مع جماهيرها، وأصبحت مخترقة أمنيا، ومعظمها تحول إلى «جمعيات ضغط» لتحقيق مصالح قياداتها وكوادرها عند الحكومة وتخلت عن وظيفتها الأصلية فى السعى للوصول للسلطة وتنفيذ برامجها..!

وقد تكون هذه الاتهامات صحيحة، ولكن رفض محاولات إصلاح الأحزاب وتهيئة البيئة السياسية المواتية لنموها، مع الرهان على شخصية الزعيم الفرد حتى لو كان بقيمة ومقام الدكتور البرادعى.. يعتبر فى نظرى أول خطوة لصنع ديكتاتور جديد، وتغييب المؤسسة السياسية.. فعبد الناصر لأنه كان أكبر من الاتحاد الاشتراكى، تم ضرب مشروعه الثورى بعد ساعات ولا أقول سنوات من رحيله.. على العكس من حزب الوفد مثلا الذى ظل قويا رغم رحيل سعد زغلول مؤسسه التاريخى، لأن الوفد كان أكبر من سعد والنحاس وسراج الدين، وهذا سر بقائه طيلة تسعين عاما.. وهو نفس الأمر الذى ينطبق على الإخوان الذى كان تنظيمهم أكبر من حسن البنا، فاستمروا على الساحة رغم الضربات الأمنية القاسية التى تعرضوا لها ورغم الأخطاء الفادحة التى ارتكبوها..!

أتصور أن التسليم بحتمية التناقض بين البرادعى وبين الأحزاب السياسية، سوف يعرقل المشروع الديمقراطى فى مصر، بل ربما يطعنه فى مقتل.. فقوة البرادعى على تحقيق أهدافنا فى الحرية والعدالة الاجتماعية لن تتحقق إلا بتقوية الأحزاب، باعتبارها الطريق الوحيد المضمون ــ الذى نعرفه حتى الآن ــ لمشاركة الجماهير فى صنع القرار.

محمد عصمت كاتب صحفي