التطبيع.. بين ضرورات الحكومات ومحظورات الشعوب - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 3:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التطبيع.. بين ضرورات الحكومات ومحظورات الشعوب

نشر فى : السبت 19 فبراير 2022 - 10:10 م | آخر تحديث : الأحد 20 فبراير 2022 - 2:52 ص

إذا كانت بعض الحكومات العربية تقول إنها مضطرة لإقامة علاقات مع إسرائيل، فما الذى يدفع بعض الشخصيات غير الرسمية للتطبيع مع إسرائيل وبلا ثمن يذكر؟!

ما الذى يدفع صحفيا أو باحثة أو مواطنا عاديا لزيارة إسرائيل وتجميل وتنظيف أياديها الملطخة بدماء قديمة جدا وحديثة جدا للشعب الفلسطينى وللشعبين السورى واللبنانى؟!

ما الذى ستحصل عليه أى دولة عربية من وراء تشجيع مثل هذا التطبيع المجانى غير ترسيخ الاستعلاء الإسرائيلى وجعله يواصل عدوانه المستمر على الفلسطينيين وبلطجته فى معظم المنطقة؟

وللموضوعية فإن الصيغة المصرية، ورغم أى ملاحظات عليها، ثبت أنها الأقل سفورا حتى الآن مقارنة بما حدث لاحقا مع دول أخرى فى المنطقة.

الحكومات المصرية المتلاحقة تقول إنها كانت مضطرة لإقامة العلاقات مع إسرائيل، منذ زيارة الرئيس الأسبق أنور السادات للقدس فى نوفمبر ١٩٧٧، وتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد فى سبتمبر ١٩٧٨، ثم اتفاقية السلام بين الحكومتين فى مارس ١٩٧٩.

لكن غالبية الشعب المصرى بنقاباته ومؤسساته وهيئاته ومجتمعه المدنى وفنانيه ومثقفيه ومبدعيه اتخذ موقفا واضحا ضد التطبيع إلا ما ندر، وصارت هناك صيغة واضحة خلاصتها أن للحكومات والدولة ضروراتها وللشعوب حريتها فى رفض هذا النوع من العلاقة مع عدو خاضت ضده مصر حرب وجود وما تزال ولكن بوسائل أخرى.

وأظن أن الصيغة المصرية مع إسرائيل حكومة وشعبا صارت واضحة للجميع، وبعد أكثر من ٤٥ عاما من بدء العلاقة الرسمية فإن الرفض المصرى الشعبى للعلاقات مع إسرائيل صار مؤكدا رغم كل محالات الإغراء والاختراق، وفى نفس الوقت فإن بعض المصريين صار يتفهم موقف الحكومات المصرية المتعاقبة فى استمرار العلاقة الرسمية الباردة.

حينما كان أديب أو فنان أو صحفى أو مثقف مصرى يطبع مع الإسرائيل بأى صورة من الصور من أول حضور حفلات سفارتهم نهاية بزيارة فلسطين المحتلة، كان رد الفعل الشعبى المصرى شديدا ورافضا، الأمر الذى أدى إلى استمرار المقاطعة الشعبية بصورة كبيرة، رغم بعض الانفلاتات هنا وهناك.

وبالقياس على الحالة المصرية، فإنه وإذا كان البعض يتفهم إقدام بعض الحكومات العربية على التواصل الرسمى مع إسرائيل، فما هو الداعى لقيام شخصيات عامة عربية من فنانين وباحثين وصحفيين بزيارة الكيان الصهيونى، بل والتباهى بذلك؟!

ما الذى يدعو باحثا عربيا أو مثقفا أو صحفيا إلى زيارة الكيان الصهيونى، وهو غير مضطر إلى ذلك؟! ما الذى يدعو باحثة للقول إنها سعيدة بزيارة إسرائيل، وما الذى يدعو مجموعة من مواطنين عرب لزيارة الكيان والتجول فى شوارعه وميادينه والتغنى بما قالوا إنه تحضر وتمدين؟! أليس ذلك قد يفهمه المحتلون بأنه رخصة شعبية عربية بالاستمرار فى العدوان على الشعب الفلسطينى، وهضم أى حقوق مشروعة لهذا الشعب الذى ما يزال يتعرض لكل أنواع الاعتداءات من أول الأسرى بالسجون نهاية بالقتل العشوائى واستمرار الاحتلال؟!

مرة أخرى يمكن تفهم رغبة بعض الدول فى إقامة علاقات مع إسرائيل لسبب أو لآخر وهو أمر خلافى بشدة، لكن كيف نفهم أو نتفهم هذا الاندفاع من بعض الأفراد العرب إلى غسل وجه المحتل الملطخ بالدماء العربية منذ عام ١٩٤٨ وحتى هذه اللحظة؟!

ظنى أنه لا يوجد أى عائد أو فائدة من وراء زيارات الشخصيات العامة العربية أو المجتمع المدنى لإسرائيل، وستجعل الشعب الفلسطينى والعديد من الشعوب العربية يشعرون أن بعض بنى قومهم قد طعنوهم فى الظهر وبلا أى ثمن.

ثم إن التجربة التاريخية منذ عام 1948 وجتى الان تقول ان اسرايل لن تفيد احد فى النهاية سواء كان شعوبا أو حكومات! وبالتالى يظل السؤال: لماذا كل هذه الهرولة؟!

 

عماد الدين حسين  كاتب صحفي