الإعلام فى بيت الطاعة - فهمي هويدي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 10:12 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإعلام فى بيت الطاعة

نشر فى : الأحد 17 أبريل 2016 - 8:30 م | آخر تحديث : الأحد 17 أبريل 2016 - 8:30 م
صرنا فى موسم الهجوم الرسمى على الإعلام فى مصر، الذى أرجو ألا يكون تمهيدا لما هو أسوأ. ورغم أن هناك الكثير مما يمكن أن يقال فى نقد وسائل الإعلام من النواحى المهنية والأخلاقية. إلا أن الهجوم الرسمى له أسباب أخرى جديرة بالرصد. ذلك أن مشكلته من هذه الزاوية الأخيرة تكمن فى أن ذوبانه فى السلطة لم يتحقق بالدرجة المطلوبة. فلا هو نجح فى التستر على أخطائها ولا استطاع تبريرها ولا هو وفق فى تجميلها، ثم أنه لم يتمكن من صد سهام النقد التى وجهت إليها، وبسبب موت السياسة فى البلد وانهيار بعض مؤسساتها وفقدان الثقة فى البعض الآخر. فإن النظام القائم اعتمد على مصدرين للقوة تمثلا فى الجيش والشرطة من ناحية والإعلام من ناحية أخرى. دور الأولين مفهوم ومعلوم، أما دور الإعلام فهو المكشوف أمام الجميع والمراهنة عليه كبيرة فى توجيه الرأى العام وتصفية الحسابات السياسية فى الداخل والخارج.

أفرق هنا بين الإعلام القومى والرسمى وبين إعلام المؤسسات الخاصة (إعلام الأحزاب خارج المعادلة لأنه يعبر عن تجمعات سياسية لا وزن لها). الإعلام الرسمى ملتزم بموقف السلطة سواء بتوجيهات أو دون الحاجة إلى توجيهات. والإعلام الخاص ملتزم بنسبة ٩٠٪ على الأقل، وهو مضطر لأن يسمح بهامش من حرية الحركة لا يتجاوز ١٠٪. وهذه النسبة المتواضعة تتيح هامشا من التنفيس الذى يسمح للرأى الآخر بالتعبير عن نفسه فى حدود معينة، فضلا عن أنه يضطر إلى ذلك لأسباب متعلقة بالتوزيع والمنافسة مع الصحف الأخرى (لمسنا ذلك فى تغطية مظاهرات يوم الجمعة التى تجاهلها الإعلام الرسمى والقومى ثم وصف بعضها المتظاهرين بأنهم عملاء فى حين اهتم بها الإعلام الخاص واعتبر المتظاهرين وطنيين غاضبين). هذه الخلفية تسوغ لنا أن نقول بأن الإعلام المكتوب والمرئى أيضا هو تحت السيطرة بوجه عام وأن الهامش المتاح للتعبير فى منابر الإعلام الخاصة هو الذى يزعج السلطة ويؤرقها. إضافة إلى مظاهر الضعف أو العجز التى سبقت الإشارة إليها.

أفرق أيضا فى الإعلام بين الأخبار وبين التعليقات أو التحليلات. ولا حيلة لوسائل الإعلام فى الأخبار لأنها تتلقاها من مصادر فى داخل البلاد أو فى العالم الخارجى، وبعض ما يرد فى الداخل ملعوب فيه من جانب أجهزة السلطة التى كثيرا ما تسرب أخبارا بذاتها لحسابات معينة، بعضها ينسب إلى الإعلاميين أنفسهم وبعضها ينقل عن «المصادر السيادية» وما يرد من الخارج مجال اللعب فيه محدود ويتراوح بين ابتسارها أو حجبها بالكامل أو إبراز أجزاء منها وطمس أجزاء أخرى. أما التعليقات أو التحليلات فيفترض أن تنسب إلى أصحابها، لكن مسئول التحرير قد يحاسب عليها أيضا (بالغرامة المالية فى الغالب) وذلك لكى يظل يقوم بدور الرقيب الذى يراعى الخطوط الحمراء ويضبط إيقاع النشر.

إذا كان الإعلام فى مصر تحت السيطرة الكلية أو النسبية فلماذا هجوم السلطة وأبواقها عليه إذن؟ ولماذا تشير إليه أصابع الاتهام ويصبح شريكا فى المسئولية عن تفاقم الأزمات التى واجهتها مصر فى الآونة الأخيرة. بدءا من قضية سد النهضة وانتهاء بحكاية جزيرتى تيران وصنافير ومرورا بملفات تفجير الطائرة الروسية والباحث الإيطالى ريجينى وانتهاكات حقوق الإنسان التى انتقدها البرلمان الأوروبى.

إذ كل ما فعله الإعلام أنه قام بنشر الأخبار المتعلقة بتلك الأزمات خصوصا تلك التى صدرت عن الحكومة المصرية إضافة إشارته لأصداء تلك الأخبار فى العالم الخارجى. كما أن منابر الإعلام الخاص تحركت فى هامش الرأى المتاح واحتملت بعض الآراء المغايرة والناقدة للموقف الرسمى. ولكى تكتمل الصورة لا تفوتنا ملاحظة أن أصحاب الآراء الأخرى تعرضوا طول الوقت للقصف والتجريح الذى تراوح بين نعتهم بالمزايدة والاتهام بالعمالة.

وإذا كانت الصدور قد ضاقت بالانتقادات الهادئة التى نشرتها بعض الصحف أو ترددت على شاشة التليفزيون فإن الغضب الأكبر كان من نصيب مواقع التواصل الاجتماعى التى وجد فيها كثيرون منبرا أوسع وأرحب احتمل مختلف درجات النقد والشطط.

الملاحظة المهمة التى نستخلصها مما سبق أن الصداع الذى أصاب السلطة وأزعجها لم يكن مصدره الإعلام وإنما كان سوء أداء مؤسسات السلطة وأخطاؤها كانت المصدر الحقيقى للصدمة والبلبلة. مع ذلك فإننا لم نسمع أن مواجهة شجاعة لمصدر الأزمات التى حدثت. ولم يملك البرلمان المنتخب شجاعة محاسبة السلطة التنفيذية على أخطائها. وكانت النتيجة إننا صرنا إزاء مشهد عبثى وجهت فيه أصابع الاتهام للناقل وليس الفاعل.

الملاحظة الأهم أن تعدد الأخطاء فى ملفات بتلك الأهمية موزعة على مجالات عدة أمنية وإدارية وسياسية يعطى انطباعا بجسامة الخلل وانتشاره فى العديد من خلايا جسم النظام، الأمر الذى يتطلب إجراء جراحة كبرى لا أعرف إذا كان الجسم يتحملها أم لا. وحين يصبح الأمر على ذلك النحو فسوف يدهشنا أن يتم تجاهل المشكلة الحقيقية وتنصب اللعنات وتوجيه الاتهام إلى الإعلام فى دعوة ضمنية إلى صلبه تكفيرا عن أخطاء الآخرين.
فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.