خطابنا الدعوى إلى أين؟.. 2: المرسل - ز: إفراط وتفريط - جمال قطب - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 12:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خطابنا الدعوى إلى أين؟.. 2: المرسل - ز: إفراط وتفريط

نشر فى : الجمعة 17 أبريل 2015 - 8:10 ص | آخر تحديث : الجمعة 17 أبريل 2015 - 8:10 ص

-1-

صدور الخطاب الدعوى الراشد مرتبط بقدرة «صانع الخطاب» على جميع مراحل صنعه مثل الاستمدادــ الاختيارــ الصياغة– تدريب القائم بالدورــ صنع النماذج ــ إرسالها وبثهاــ ثم دراسة أثرها، فهل قام الأزهر ــفى عصرناــ بكل ذلك أو بعضه؟

لا تتضمن الدراسات الأزهرية أى معلومات عن الأمة الإسلامية غير ما يتداوله الإعلام حينما يسلط الأضواء على قضية يريد إشاعتها لسبب أو لآخر، مع أن الأزهر يضم مدينة البعوث الإسلامية التى يسكنها أكثر من 90 جنسية تقتصر العلاقة بينهم وبين الأزهر على المنح الدراسية أو البعوث الدعوية التى تقلصت كثيرا عما كانت عليه إلى عهد قريب.

فلم ينشئ الأزهر منهجا دراسيا عن «جغرافيا أمة المسلمين» لتعريف الطلاب بشعوب الأمة. أما لغات ولهجات الشعوب المسلمة فبعضها يدرس على استحياء وأكثرها لا وجود له. فكيف يصنع الأزهر خطابه وهو غير محيط بأصحاب الخطاب والمهتمين به سواء ليتعلموا ما ينفعهم أو ليتدربوا على إثبات حيوية دينهم وأصالة ثقافتهم.

ــ2ــ

شعوب مسلمة كثيرة لا يدرسها الأزهر ولا يهتم بها، وشعوب أخرى فى مسيس الحاجة إلى كسر إرادة الطغيان واستشراف حياة كريمة، كما أن هناك شعوبا مسلمة بحاجة إلى استضافة غيرها لتعمير الأرض واستخراج الخيرات، لكن غفلة الخطاب الدعوى جعلت كل شعب يتوجس خيفة من غيره رغم احتياجهم لبعض. فهل يبادر الأزهر لوضع دستور أخلاقى يكفل استضافة المسلمين بعضهم لبعض دون أن يتدخل أحد فى شئون الآخرين.

ــ3ــ

فبينما نرى شعوب أوروبا ترفع الحدود فيما بينها بل ويتخذون عملة موحدة وسياسة عالمية واحدة، ما زلنا نرى الشعوب المسلمة تزداد قطيعة بسبب قصور وتلوث جميع الخطابات الدينية وما يترتب عليها من خطابات اجتماعية أو اقتصادية... إلخ.

أما آن الأوان لخطاب دعوى راشد يخفف من غلو التسلط ويعزز قدرة الحوار الراشد حتى يتمتع الدم المسلم بالحفظ والصيانة كما أمر الله وكما التزمت أمم أخرى كثيرة؟

ما زال الخطاب الدعوى لا يشيع سلوكا سويا يصنع الاحترام المتبادل بين الشعوب وحكامها، كما أنه لا يزال عاجزا عن صنع آليات تضمن مشاركة الأيدى العاطلة فى بلاد مع الموارد المهجورة والمتروكة فى بلاد ثانية، والأسواق الخاوية فى بلاد أخرى. فمتى نصنع خطابا يطمئن الجميع ويمكنهم من الإعمار دون طمع أو عدوان؟

ومن الواجب فى هذا المقام أن نتوقف أمام ظاهرة تضخمت تضخما مرضيا، ألا وهى ظاهرة تفشى وانتشار تعليم القراءات المتعددة للقرآن الكريم حتى استقطب الرجال والنساء الذين أتقنوا حفظ القرآن برواية واحدة. فحببوا إليهم عدم تعلم الفقه والتفسير ووجهوهم لدراسة القراءات السبعة وربما أكثر من ذلك. وهنا ينبغى أن نضع النقط على الحروف لنؤكد أن القراءات السبع كلها شاف كاف، ولكن هل كلف الشرع أتباعه بالاستكثار من الروايات؟

-4-

وقد بقى الأزهر قرونا لا يضم غير معهد واحد للقراءات المتعددة، فما الداعى للاستكثار من تلك المعاهد؟ ولماذا يقطع المسلم عمره فى إتقان أكثر من قراءة من قراءات القرآن رغم جهله الفاضح ببقية شئون الدين وعلوم القرآن وربما بشئون الحياة الدنيا. لقد فهمنا أن الصحابة رضوان الله عليهم كان الواحد منهم يكتفى بحرف واحد أو قراءة واحدة حسب لهجة قبيلته، كما فهمنا وتعلمنا أن تعدد القراءات لم توجد ليحفظها الأفراد، بل وجدت لمن يصعب على لهجته قراءة ما فليقرأ بغيرها. فالقراءات باب وليس باب استكثار وإشاعة وتعميم. فهل نسيت الأمة ماذا فعل الصحابة بقيادة أبى بكر مرة ثم بقيادة عثمان بن عفان مرة أخرى لجمع الناس على مصحف واحد؟ لماذا هذا الشتات والإفراط فى ناحية والتفريط والتقصير فى نواحٍ أخرى ؟

وإلى عهد قريب كانت جميع المصاحف تطبع فى الشرق برواية «حفص»، وفى المغرب براوية «ورش»، فمن هذا الذى فتح الباب ليطبع سبعة مصاحف لكل قراءة مصحف بل ويحبب للمسلم الاستكثار من القراءات بدلا من الاكتفاء بقراءة واحدة مع اتقانها ومعرفة تفسيرها وفقهها مع قدر مقبول من الحديث النبوى والفقه إلى جانب فصول من تراث اللغة القرآنية؟! 
فيا أيها الدعاة ــ أفيقوا لما أمركم الله يرحمنا ويرحمكم الله.

يتبع..

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات