الثقافة والذاكرة - صحافة عربية - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 7:00 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الثقافة والذاكرة

نشر فى : الخميس 17 يناير 2019 - 10:15 م | آخر تحديث : الخميس 17 يناير 2019 - 10:15 م

نشرت جريدة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب «عبدالحسين شعبان» يتناول فيه مفهوم الثقافة، وأهمية احترام التنوع الثقافى، ودور الثقافة فى تحقيق التنمية.
ينطوى مفهوم الثقافة على بعدين أساسيين، أحدهما كونى عام، والآخر وطنى، أو محلى خاص، ويتجسد البعد العالمى بالمشترك الإنسانى الجامع للبشر، أما البعد الوطنى أو الفرعى فهو الذى يأخذ السمات الخاصة والمعتقدات وطرائق الحياة التى تمكن مجموعة بشرية من الشعور المشترك بتميزها عن الآخرين، بفعل الروابط الخاصة التى تجمعها، لأن الثقافة فى نهاية المطاف تمثل مجموعة السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التى تميز مجتمعا بعينه، أو فئة اجتماعية بعينها، وهى تشمل طرائق العيش من مأكل، وملبس، وعادات، وتقاليد، إضافة إلى الحقوق الأساسية للإنسان والنظم القيمية التى يعتمدها، علاوة على الفنون والآداب.
وذهب إعلان مكسيكو فى 6 أغسطس 1982 بشأن السياسات الثقافية والتنوع الثقافى، إلى تأكيد ذلك من خلال هويات تُميز الجماعات والمجتمعات الإنسانية، وهو ما يقره القانون الدولى لحقوق الإنسان، كما ورد فى العهدين الدوليين الأول ــ الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والثانى ــ الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الصادرين فى العام 1966 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، واللذين دخلا حيز النفاذ فى العام 1976، إضافة إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة الصادرة فى العام 1979.
والثقافة ركن لا غنى عنه فى عملية التنمية بجميع جوانبها، ولا يمكن الوصول إلى الهدف المنشود من التنمية من دون إعطاء الثقافة المكان الذى تستحقه، فقد كانت فى السابق والحاضر وستكون أكثر تأثيرا فى المستقبل، عنصرا أساسيا لتقارب الشعوب، فالمجتمعات من دون ثقافة هى بلا ذاكرة، كما أن الثقافة عنصر جوهرى للاستقرار الاجتماعى، مثلما هى محرك أساسى للنشاط الاقتصادى، ولنتذكر طريق الحرير فى الماضى والحاضر، وما يمكن أن يبعثه اليوم من فرص جديدة للتقارب والتعاون على المستوى الكونى. وقد لعبت المسيحية، وبعدها الإسلام، دورا مهما وحيويا فى التقارب بين ثقافات الشعوب على المستوى العالمى.
وفى حوار مغاربى جمعنى مع نخبة من المثقفين على هامش مهرجان الناظور السينمائى لمناقشة دور الثقافة فى المشترك الإنسانى، بما لها من تنوع وتعدد وتشعب، ابتدأنا فيه من دور السينما، فهى ليست للمتعة من خلال الصورة والصوت والحركة، بل إنها أفكار ومشكلات تعبر عن مضمون ومعنى اجتماعى أيضا، وهذا الأخير يمكن أن يكون عنصرا للخير، أو عنصرا للشر، بحسب الجهات التى توظفه. والشىء ذاته ينطبق على الموسيقى، فهى رسالة سلام وصداقة بين الشعوب يمكن تعميمها بالتذوق والتواصل والتفاعل، أما عن المسرح، فكثيرا ما رددنا القول الأثير «أعطنى خبزا ومسرحا أعطك شعبا مثقفا»، وفى الشعر كان أكتافيو باث، الشاعر المكسيكى الحائز على جائزة نوبل يقول: «إذا خلا رأس السياسى من الشعر تحول إلى طاغية»، وهكذا، فالبشر من دون فن سيتعرضون للصدأ سريعا، وللعطب على نحو شديد بفقدان التخيل وانحسار الرؤى والأحلام.
الثقافة من هذه الزاوية هى رافعة أساسية للقيم الإنسانية التى بإمكانها إذا ما تم نشرها وتعميقها رفع درجة الوعى، ولاسيما بالمشترك الإنسانى لما يمكن أن تقوم به من دور للتواصل بين الشعوب والبلدان على الرغم من شسوع المسافات، وبهذا المعنى فهى أداة صداقة وتعاون، وإحدى وسائل إنعاش الذاكرة المشتركة، خصوصا إذا ما كُرست للخير والعمران والجمال والسلام، بدلا من نكئ الجراح، والهدم، والحرب، والكراهية، والانتقام.
ولكى تكون الثقافة عادلة، فلا بد أن تكون شاملة ومن دون تمييز، خصوصا فى الموقف من المرأة، فلا حرية حقيقية من دون تحرر المرأة، وإلغاء جميع أشكال التمييز ضدها، ولا يمكن تحرير المجتمع من دون تحرير المرأة، وإلا فإن نصفه سيبقى معطلا وغير فاعل.
وقد حاول إعلان مكناس حول «حوار الثقافات وأسئلة الهوية»، الاستناد إلى هذا المفهوم والبنيان عليه فى إطار مشروع للتواصل الثقافى من خلال التعبير عن رؤية جديدة تنطلق من الحوار والإقرار بالحق فى الاختلاف.
ولا يمكن تحقيق ذلك من دون دور حقيقى للثقافة بشكل عام، وللفن بشكل خاص، سواء فى السينما، أو المسرح، أو الموسيقى، أو الغناء، أو الرقص، أو الرسم، أو النحت، أو الكتابة، وستكون الحياة من دون ثقافة مملة، بل غير ممكنة فى العالم المعاصر، والإنسان يختلف عن الحيوان بثقافته، ولغته، وقدرته على التحكم فى عواطفه.
ومن تجارب الشعوب، فإن الاطلاع على ثقافة الغير هو الوسيلة الأولى للتواصل التى يمكن أن تغتنى بالاختلاط والتبادل والتفاعل، أما العزلة والتصورات المسبقة عن الآخر، فإنها تقود إلى الاستعلاء من جهة، ومن الجهة الأخرى إلى ضيق الأفق، فضلا عن ردود الفعل العدائية حد التناحر.

التعليقات