قاموس اللائمين - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 1:53 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قاموس اللائمين

نشر فى : الجمعة 12 يناير 2024 - 7:45 م | آخر تحديث : الجمعة 12 يناير 2024 - 7:45 م
في صالةٍ واسعةٍ تضُم زوارَ النادي الهاربين مِن مُنغصات الحياة، الباحثين عن لقاءاتٍ ينفثون فيها ما اجتمع عليهم من همّ ونَكد، دار حوارٌ لم يخلُ بدورِه من حمُول. قالت سيدةٌ في أواسطِ العمر؛ لو صبرنا قليلًا لتمكنَّا من الحصولِ على الشهادةِ ذات العائد الأكبر. ردَّت أخرى؛ لولا التسرُّع ما كنا اليوم نحسبُ حسابات المَكسبِ والخسارة، وإمكانات كَسر الودائع وإعادة ربطِها على الفائدةِ الجديدة. انبرى رجلٌ يبدو أكبر منهما متفاخرًا بحنكتِه وحكمَتِه؛ قلت لكم ونصحتكم بل ورجوتكم الانتظار؛ لكنَّكم تهوَّرتم كالمعتاد. قد ينحدر الاقتصادُ لاسباب متنوعة، وقد يُعزى إلى عِلَلٍ خارجية؛ ترفع الحرجَ عن المَلومين أمام شعوبهم،
• • •
الَّلوْمُ في معاجم اللغة العربية هو التَّكدير بالكلام، ويُقال لَوَّم فلانُ عِلانًا بتشديد الواو أو لامه، والفِعلان يُستخدَمان للغرضِ نفسه. الفاعلُ لائمٌ والمَفعول به مَلومٌ، وإذ يشرع المرءُ في لَوم الآخرين على أخطائِهم ويعجزُ عن غُفرانها؛ فإنه يتغاضى في العادةِ عن أخطائِه ويراها صغيرةً تافهة.

يبدو التَّوبيخُ بمنزلةِ رَدعٍ عن مَسلك ما، وهو أثقلَ وطأةً من الَّلومِ وأكثرَ ضراوة. عادةً ما يكون التوبيخُ من رئيسٍ لمَرؤسيه أو مِن مُدير لمُوظفيه؛ هو في معظم الأحيان شخصٌ يَفوق الآخرين منصبًا أو مركزًا وسَطوَة. يوحي التَّقريع بأنه أعلى درجةً من المُترادفات الأخرى وأشدَّ وطأة، هو تأنيب فيه صوتٌ وحَركة، وتقول القواميس أن الرَجُلّ إذا تعرَّض للتقريع؛ كان المعنى الحرفيُّ إزالةَ شعرِ رأسه.
• • •
ربما يأتي العتابُ بين الأحبَّاء طريقًا للتصافي، وضربًا من ضروب العشم والثقة في مكانة كلّ طَرَفٍ عند صاحبه ونديمه. هو في نعومته شبيهُ الَّلوْم وربما قرينه، ولإن امتدَّت حبالُ الوِدّ والألفة بين اللائم والمَلوم ولاحت قوية متينة؛ فلا يُتوقَّع أن تنتهي بهما المُعاتبةُ إلى عِراكٍ، ولا أن يُرى في نهايةِ الَّلْوم خصام.
• • •
التَّنكيتُ والتَّبكيتُ؛ جريدةٌ أسَّسها الأدباتيّ الثائر عبد الله النديم في العام ألف وثمانمائة وواحد وثمانين، وصدر عددها الأول بالاسكندرية. عُرِفَ النديمُ بأنه خطيبُ الثورةِ العُرابية، ولا شكَّ أن مُحتوى الجريدة يتَّضح من عنوانِها المُختار؛ فنقدٌ لاذع وسُخريَّة مَصحوبةٌ بالوَخزِ والتأنيب.
• • •
المفردتان الوحيدتان تقريبًا اللتان تُستخدَمان في الأشعارِ والأغنيات هما الَّلومُ والعتابُ؛ فموسيقاهما ناعمةٌ على الأذنِ ومُشتقاتِهما سَهلةٌ مَألوفة، فمِن "بلاش عتاب"، و"بتلوموني ليه؟" لعبد الحليم حافظ، إلى "يا لايمين في الهوى لا تلومونا" للشحرورة صباح وصَوت الجَّبل الأعظم على مرَّ العصور وديع الصافي، إلى "لولا الملامة يا هوى" لوردة، ثم "لا ملامة عليّ لا ملامة" لسيد مكاوي، إضافة إلى أغنية "يا حبيبي كلما زاد الغلا زاد العتاب" لمُحمَّد عبده.
• • •
غرضُ الَّلومِ في العادة أن يُبادرَ المَلوم إلى تصحيح خطأه إن لم يكُن الوقتُ قد فات بعد، أو أن يتجنَّب تكرارَه إن لم يكُن بالإمكان تداركِ ما وَقع، وهذا الذي يتلقى التَّوبيخَ عليه أن يُبدي بدوره شيئًا من التجاوُب؛ فينظر أرضًا ويُظهر أسفًا ويمتنع عن الرد ما دام مُقرًا بفعلته. اللائمُ على الجانبِ المُقابل واثقٌ في قضيته، عارفٌ بأركانها مُدركٌ لأبعادِها، وهو إن توَجَّه إلى المَلوم فقد أعدَّ العدةَ، واستحضَر ما أمكن من أسلحةٍ وأدوات، وإذ يَملِك فضلَ البداية وقوَّة المُبادرة؛ فإن خطابَه يُحرز على الأرجَح النجاح.
• • •
النَّفسُ اللوَّامة هي كثيرةُ الَّلوم التي تجلد صاحبَها وتحثُّه دومًا على تحري الصَّواب، فإن زادت في إيلامِه جاءت بنتيجةٍ مُعاكسة. كثيرنا يلومُ الظروفَ ويجعل منها مشجبًا يُعلق عليه أزماتِه، وقليلون هم مَن يَلومون ذواتِهم ويحاسبونها؛ فالاعترافُ بالخطأ صَعبٌ على الروحِ ثقيلٌ، والأسهل أن يجدَ المَرءُ سببًا بعيدًا عنه، يُخففُ عنه ويُريحه ويَحفظ سلامَه الداخلي.
بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات