وقف السلف.. والاقتراض الحذر - محمد مكى - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 9:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وقف السلف.. والاقتراض الحذر

نشر فى : السبت 10 يونيو 2023 - 7:55 م | آخر تحديث : السبت 10 يونيو 2023 - 7:55 م
قبل 25 يناير2011 وخلال سنوات تالية لها كانت تصريحات المسئولين والوزراء المعنيين بملف الاقتراض والدين الخارجى تفيد بأنه فى مأمن ولا خطر منه فهو ما بين 20 و30% من الناتج المحلى الإجمالى، لكن الوضع تغير كثيرا وجرت مياه فى النهر جعلت مستويات الديون المرتفعة فى مصر أمرا جللا ويعرض سلامتها للخطر ويحمل متاعب تمس حياة الناس، وهو ما يجعل خبر التوقف عن الاستدانة سارا.

بشىء من الفرحة وأمل فى التحقق تلك المرة استقبل عدد غير قليل تصريحات وزيرة التخطيط أمام مجلس الشيوخ بأن الحكومة ستتوقف عن الحصول على قروض إلا بشروط ميسرة ولأهداف تنموية طويلة الأجل، فيما يعد إشارة إلى تغيير مسار طالما شعرنا بسوء عواقبه خلال السنوات الماضية، وتماشيا مع إعلان الحكومة قبل عدة أشهر من تطبيق إجراءات تقشفية واتباع سياسة خفض الإنفاق بهدف كبح التضخم وتعزيز الاستثمار.

ينقلنا تصريح وزيرة التخطيط من مرحلة الاستدانة والسلف من أجل التنمية وتوفير الاحتياجات ورفع الحالة المعنوية للمصريين إلى مرحلة الاقتراض للضرورة وهو ما يجب الإشادة به بعدما تضاعفت الديون الخارجية أربع مرات خلال العقد الماضى، لتصل إلى مستوى قياسى بلغ 162.9 مليار دولار فى الربع الثانى من العام المالى 2023/2022 مع التأكيد على أننا لم نتخلف عن السداد للدائنين، وهو ما يحسب للحكومات المتعاقبة ولمواطن ربط البطن كثيرا من أجل حياة أفضل لأبنائه.

المعطيات التى جعلت الحكومة توقف القروض معروفة للجميع من ضغوط على النقد الأجنبى واقتراب الدين وفوائده من مراحل خطرة تضغط على صانع القرار وحارس المرمى، فمن المتوقع حسب تقديرات الحكومة أن تصل نسبة الدين من الناتج المحلى الإجمالى بنهاية العام المالى الحالى إلى 96% نتيجة ارتفاع سعر الصرف مقابل 87.2% بنهاية يونيو 2022، وهو خطر كبير ويجب ألا يبرر بأن الكثير من الدول العظمى مثقلة بالديون فالمعادلة الأهم نسبة القروض إلى الناتج المحلى الاجمالى مع القدرة على خدمة الدين المعدة من الفرائض والمؤكدة على صحة المسار من عدمه.

ينطوى ما قالته وزيرة التخطيط ورئيس الصندوق السيادى المصرى على فوائد جمة منها التحرر الاقتصادى من اشتراطات المقرضين فقد استقرت القواعد المالية من قديم الأزل على أن يحدد المقرض شروطه من حيث الفائدة وتوقيت السداد، حتى وصلنا إلى أن بعض المؤسسات المالية المانحة تشترط تنفيذ روشتة واضحة حتى تمنحك المال على أقساط.

وقد تصل بعض تلك الاشتراطات لتحديد الدول التى تصدر إليها والشركات الخارجية التى تستورد منها خامات والتعاون مع دول بعينها وربط اقتصادك بشكل كبير بجنسية الدولة المقرضة وشركاتها التابعة والمرتبطة والموانئ التى تتم من خلالها العمليات الاقتصادية، ناهيك عن اشتراطات هيكلية ومالية يظهر منها علاج مشكلة المقترض وتحسن عافية اقتصاده، لكن جزءا أساسيا منها عودة أموال المقرض والعائد منها وتحقيق أغراض أخرى باتت معروفة للجميع، وسط تساؤل كبير عن هوية مؤسسات التمويل وما تريده من سيطرة وتحكم.

من نافلة القول أنه لا يعيب دولة أو شركة أو فردا الاقتراض، بل يعد شهادة على السلامة أحيانا، والطبيعى أن يكون الهدف من الاقتراض هو التوسع والاستثمار وليس الجدولة وسداد الديون والاستثمار قصير الأجل فكل تمويل ترتب عليه توسع وبناء يحتاج إليه المقترض فهو جيد طالما طبقت قواعد الربحية والعائد وضمان السداد والاستخدام فى غرض واضح، مع أحقية المقترض فى المراقبة والمتابعة لضمان استرداد أمواله لكن على المقترض عدم استخدام تلك الأموال فى غير محلها مع عدم التوسع فى الاقتراض بضمان أصول قد ترهن أو يتم نقل ملكيتها للمقرض بسب تبديد تلك الأموال من قبل المقترض.

يواجه العالم منذ عام 2020 أكبر زيادة فى الديون منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك لمواجهة الأزمات الناتجة عن الجائحة، حيث ارتفع الدين الكلى العالمى إلى 226 تريليون دولار، نتيجة لتعرض العالم لأزمة عالمية وركود عميق ففى عام 2020 ارتفع الدين الكلى العالمى إلى 256% من إجمالى الناتج المحلى العالمى، طبقًا لتقديرات صندوق النقد الدولى.

وفى عام 2021، وصل الدين الكلى العالمى إلى مستوى قياسى بلغ 303 تريليونات دولار، وفقا لمعهد التمويل الدولى.

وحسب بيانات لصندوق النقد الدولى قبل عام، فإن حجم الديون الحكومية فى العالم بلغ ما يعادل 94.4% من إجمالى الناتج العالمى. تحتل الولايات المتحدة المركز الأول من حيث الديون الخارجية بنحو 31.8 تريليون دولار. تليها الصين بقيمة 15.5 تريليون دولار. ثم اليابان بقيمة 12.9 تريليون دولار ثم فرنسا بقيمة 3.3 تريليونات دولار. ومن بعدها إيطاليا بقيمة 3.1 تريليونات دولار ثم الهند بقيمة 3.1 تريليونات دولار، وجاءت ألمانيا بعدها بقيمة 3 تريليونات دولار ووصولا إلى بريطانيا بقيمة 3 تريليونات دولار حيث تسببت حرب روسيا على أوكرانيا فى ارتفاع حجم الديون الحكومية فى العالم إلى مستوى غير مسبوق. وقد ارتفعت نسبة الديون إلى الناتج المحلى الإجمالى بالأسواق الناشئة إلى مستوى قياسى فى الربع الثالث من العام الماضى، على الرغم من تراجع حجم الدين العالمى خلال الربع، وفق تقرير صادر عن معهد التمويل الدولى مؤكدا فى تقريره إن نسبة الديون إلى الناتج المحلى الإجمالى فى الاقتصادات النامية ارتفعت إلى 254% فى الفترة من يوليو إلى سبتمبر، متساوية مع أعلى مستوى لها على الإطلاق والمسجل فى الربع الأول من عام 2022، وذلك بسبب عجز الموازنة وتباطؤ النمو الاقتصادى.

منذ شهور قريبة ماضية حجزت الصين على أصول استراتيجية فى إحدى الدول الأفريقية من ميناء ومطار مقابل ديون لم تسدد، وقد برزت الصين كمنافس قوى لصندوق النقد الدولى فى السنوات الأخيرة من خلال سيل القروض الطارئة السرية للبلدان «المتضررة من الأزمة» وهو ما يجعل التوقف عن الاقتراض والبحث عن حلول بديلة أمرا جيدا.

نحن حتى الآن لم نتخلف عن السداد لكن الحذر من مغبة القروض المسمومة وقطرات المياه التى تتسرب من الصنبور أمر مهم وسط مصاعب اقتصادية واجب الحذر منها حتى لو كانت تلك الديون بتكلفة منخفضة وتمويل رخيص وسندات «خضراء» لمشاريع صديقة للبيئة، فالتقارير الإيجابية أو السلبية وشهادات بنوك الاستثمار ومؤسسات التصنيف الائتمانى ليست وحدها القادرة على انتشال الوطن، فالبعد عن سباق الديون حتما طوق النجاة مع إصلاحات أخرى.
التعليقات