الحراك السياسى بين الأمس واليوم - حسن نافعة - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 10:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحراك السياسى بين الأمس واليوم

نشر فى : الإثنين 9 نوفمبر 2009 - 2:57 م | آخر تحديث : الإثنين 9 نوفمبر 2009 - 2:57 م

 يحلو للبعض أن يقارن بين حالة حراك سياسى شهدتها الساحة المصرية قبيل الانتخابات التشريعية والرئاسية السابقة بلغت ذروتها عام 2005، وحالة حراك مشابهة تشهدها الساحة نفسها هذه الأيام يتوقع أن تبلغ ذروتها خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة، والمقرر إجراؤها فى عامى 2010 و2011 على التوالى. وبينما يرى البعض أن عملية الحراك السابقة فشلت فى تحقيق أهدافها، تثور التساؤلات من جديد هذه الأيام حول مستقبل العملية الراهنة، وما إذا كانت ستلقى نفس مصير سابقتها.

ورغم صعوبة الإجابة عن هذا السؤال، خصوصا فى مثل هذا الوقت المبكر، الذى بدأت فيه بالكاد عملية حراك جديدة مرشحة للتصاعد، يبدو البعض متعجلا للحكم عليها.. ويتوقع أن تلقى نفس مصير سابقتها لسببين، الأول: هشاشة قوى المعارضة فى مصر على الصعيدين السياسى والاجتماعى بسبب حداثتها النسبية، والثانى: افتقارها للقيادة القادرة على توحيد صفوفها واستخلاص الدروس المستفادة من خبرة التجارب السابقة.

****

هذه الرؤية المتشائمة تبدو متسقة ومتناغمة مع موقف الحزب الحاكم، الذى لا يرى فى حركات الاحتجاج المتأرجحة صعودا وهبوطا سوى «فقاقيع» تفرزها معدة سياسية ربما تكون متلبكة بعض الشىء أو مصابة بنوع من عسر الهضم، ويراهن دائما على ضعفها الذاتى ـ من ناحية ـ أو على قدراته وإمكاناته الخاصة ـ من ناحية أخرى ـ وبالتالى على زوالها واختفائها بمجرد معالجة الأسباب التى أدت إليها.

فى اعتقادى أن الحراك السياسى الراهن ما هو إلا امتداد طبيعى للحراك الذى سبقه، ولحراك آخر قد يلحق به غدا أو بعد غد طالما ظلت الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية على ما هى عليه من توتر واحتقان. لذا تبدو الظاهرة برمتها «حالة» مستمرة أو قابلة للاستمرار لفترة طويلة مقبلة تأخذ شكل الموجات وعمليات المد والجذر التى يفرزها بحر مضطرب الأعماق نتيجة تفاعل عاملين:

الأول: رفض شعبى واضح ومتصاعد لنظام سياسى يحوى مظاهر الفساد والاستبداد مما يجعله غير قابل للاستمرار.

الثانى: رغبة مكبوتة فى إقامة نظام جديد لم تتبلور معالمه بعد تعكسها حالة غضب لم تتحول بعد إلى مشروع سياسى بديل قابل للتطبيق على الأرض.

ولأن النظام القائم مازال يتمتع بعناصر القوة اللازمة للحيلولة دون انهياره السريع والمفاجئ، فى وقت لا تملك فيه القوى المناوئة من الوسائل والآليات ما يمكنها من إسقاطه وإقامة نظام بديل أكثر كفاءة، فمن المتوقع أن تؤدى حالة الحراك المستمرة إلى تآكل بطىء ومستمر فى قدراته إلى أن تتغير موازين القوى القائمة على الأرض. ورغم صعوبة التنبؤ منذ الآن بالنتيجة النهائية لهذا الصراع أو بالوقت الذى سيستغرقه، إلا أنه من المتوقع أن يدخل الصراع مرحلة حاسمة عقب انتهاء معركة الانتخابات الرئاسية المقبلة سواء أجريت هذه الانتخابات فى موعدها المقرر عام 2011 أو تمت قبل ذلك لأسباب قاهرة أو استثنائية.

****

وأيا كان الأمر فبوسع أى مراقب متابع لتطور الحياة السياسية فى مصر إدراك حقيقة تبدو واضحة منذ الآن، وهى أن العوامل والأسباب التى أدت إلى ظهور وانفجار موجة الحراك الأولى التى شهدتها الساحة السياسية خلال عامى 2004 و2005 لا تزال هى ذات العوامل والأسباب المحركة للموجة الراهنة، التى لا تزال فى بداياتها الأولى، رغم تغير السياق المحلى والإقليمى والدولى الذى انطلق فيه الحراك فى الحالتين. فقبيل اندلاع موجة الحراك الأولى كانت معالم المشهد المصرى على جميع الأصعدة تبدو على النحو التالى:

فعلى الصعيد السياسى: بدا الرئيس مبارك وكأنه استنفد فترة سماح حظى بها غداة تسلمه للسلطة عقب حادث اغتيال الرئيس السادات عام 1981. ولأنه بدا حينئذ رجلا زاهدا فى السلطة وفى الثروة معا، من خلال حديثه المتكرر عن «كفن ليس له جيوب» والحاجة إلى تقنين فترات ولاية الرئيس بما لا يزيد على فترتين متتاليتين، فى وقت كانت مصر تواجه فيه أوضاعا محلية وإقليمية ودولية صعبة وشديدة التعقيد. فقد بدت أغلبية الشعب المصرى مستعدة لمنحه الوقت الذى يحتاجه للخروج بمصر من عنق الزجاجة ووضعها على الطريق الصحيح لبناء دولة حديثة وديمقراطية. وعندما طالت المهلة بأكثر مما ينبغى، خصوصا بعد استعادة طابا، وعودة الجامعة العربية إلى مقرها فى القاهرة، واعتماد برنامج للإصلاح الاقتصادى، بدأ كثيرون يكتشفون عزوفا متعمدا عن الدخول فى عملية إصلاح سياسى، أحس كثيرون بحاجة مصر الماسة إليها لتجنب الدوران فى الحلقة التاريخية المفرغة والمعيبة من الصعود والانكسار. وراح الحديث الهامس يأخذ تدريجيا شكل صراخ سرعان ما أفصح عن مشاعر سخط وغضب قبل أن يتحول فى النهاية إلى حركة احتجاجية على الأرض بالتوازى مع تنامى ظواهر مثيرة للقلق منها:

1 ـ إحجام الرئيس مبارك عن تعيين نائب أو أكثر له.

2 ـ بداية ظهور جمال مبارك على المسرح السياسى وتزايد دوره فى عملية صنع القرار بسرعة مذهله، مما أثار شكوكا قوية حول وجود مشروع مخطط لإعداده لخلافة والده فى السلطة.

3 ـ ركود الحياة السياسية، واستمرار القوانين المقيدة للحريات وللنشاط السياسى، وإثارة قلاقل وعراقيل فى وجه الأحزاب وإشعال الفتن داخلها بطريقة سطوة أجهزة الأمن على مختلف أوجه الحياة السياسية.

وعلى الصعيد الاقتصادى ـ الاجتماعى: راح كثيرون يتابعون بوصلة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية وهى تغير من اتجاهها بسرعة لتستقر نهائيا عند آليات السوق باعتبارها الضابط الرئيسى، وربما الوحيد، لإيقاع الاقتصاد الوطنى بمختلف جوانبه، لكن دون أن تتواكب مع هذه الحركة سياسة اجتماعية تستهدف الحد من وطأة آثار هذا التحول على الفقراء والشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى، أو عملية إصلاح سياسى شامل لخلق الآليات الكفيلة باستيعاب مطالب الفئات الاجتماعية المختلفة، وإعادة توزيع القيم والموارد بينها بطريقة تنتفى معها الحاجة للمبالغة فى الاعتماد على الأجهزة القمعية فى إدارة شئون البلاد والعباد. وكان من الطبيعى، فى غياب خطط وبرامج فاعلة لمكافحة الفقر وعدم وجود آليات سياسية تفتح الباب أمام تداول حقيقى للسلطة، أن يزداد الدور السياسى لطبقة «رجال الأعمال الجدد» وأن يتسع نطاق وحجم الفساد ـ الصغير منه والكبير ـ وأن تتسع الهوة كثيرا وعلى نحو متسارع بين الأغنياء والفقراء، مما أوجد انطباعا متزايدا لدى أغلبية المواطنين بأن النظام الحاكم بات مسخرا بالكامل لخدمة مصالح الأغنياء على حساب محدودى الدخل.

وعلى صعيد السياسة الخارجية: راحت الآمال المتعلقة باستعادة مصر لدورها ومكانتها، والتى كانت قد انتعشت نسبيا بعد استعادة طابا وعودة الجامعة العربية، تخبو رويدا رويدا، سرعان ما تبين أن الرئيس مبارك، الذى بدا فى سنوات حكمه الأولى حريصا على أن تكون لمصر علاقات متوازنة مع كل الأطراف، ليس لديه رؤية واضحة أو خططا محددة لتفعيل العمل العربى المشترك أو للتصدى لمشروعات الهيمنة الأمريكية ـ الإسرائيلية على المنطقة.. وهو ما بدا جليا عقب نجاح الولايات المتحدة فى غزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين. وبمرور الوقت بدأ يظهر بجلاء أن سياسة مصر الخارجية بدأت تستسلم للدوران فى فلك سياسات أمريكية إسرائيلية تسعى لتوظيف الدور المصرى لتسويق كامب ديفيد عربيا، وللعب دور وسيط فى الصراع العربى ــ الإسرائيلى يستهدف الضغط على المقاومة الفلسطينية لقبول تسوية بالشروط الإسرائيلية. لذا لم يكن غريبا أن يرى كثيرون فى الإفراج عن الجاسوس الإسرائيلى عزام عزام قبل انقضاء مدة عقوبة قانونية بلغت 15 عاما، ثم فى التوقيع على اتفاقية الكويز عام 2004 تحولا فى سياسة مصر الخارجية وبداية مرحلة جديدة من التحرك فى الاتجاه الخاطئ، وأن يربطوا بين هذا التحول وبين مشروع توريث السلطة!

وفى سياق كهذا كان من الطبيعى أن يتولد لدى قطاعات شعبية عريضة، ولأسباب ودوافع مختلفة، مشاعر إحباط وسخط واسعة النطاق... ونظرا لحالة الركود التى اتسمت بها الحياة السياسية وعجز الأحزاب الرسمية فى مصر عن القيام بدورها المأمول بات محتما أن تعبر هذه المشاعر عن نفسها من خلال القنوات غير الرسمية.

حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية
التعليقات