دستورنا.. لماذا أصبح حبرا على ورق؟ - حسن نافعة - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 4:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دستورنا.. لماذا أصبح حبرا على ورق؟

نشر فى : الخميس 18 يناير 2018 - 9:50 م | آخر تحديث : الخميس 18 يناير 2018 - 11:03 م
تتوقف فاعلية أى دستور على طبيعة البيئة السياسية المحيطة ومدى قابليتها لتحويل النص المكتوب إلى واقع معاش، فالنص الدستورى كالكائن الحى، يحتاج إلى تربة حاضنة تتعهده بالرعاية وتزوده بالمقومات اللازمة لاستمرار الحياة، وإلا ضمرت بذرته وماتت وتحولت مواده إلى مجرد حبر على ورق. ولأن دستور 2014 صيغ فى بيئة سياسية تختلف كليا عن تلك التى يوجد فيها الآن، فقد كان من المحتم أن تتعرض قواعده وأحكامه، وهى جيدة ومتقدمة فى حد ذاتها، لعملية تشويه وتلاعب أدت إلى تجاهل أو تجميد بعض نصوصه وتشويه وانتهاك بعضها الآخر، واعتماد تأويلات وتفسيرات تتعارض مع أهداف ومقاصد المشرع وروح الدستور. فكيف حدث ذلك؟

كانت اللجنة التى صاغت هذا الدستور (لجنة الخمسين) قد تشكلت إبان مرحلة انتقالية تعين أن يديرها المستشار عدلى منصور، بصفته رئيسا للمحكمة الدستورية العليا، وفق قواعد وأولويات تضمنتها خارطة الطريق التى أعلنها الفريق عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع وقتها، وفى حضور ممثلين عن مختلف القوى الوطنية التى شاركت فى الإطاحة بحكم جماعة الإخوان، ولو كانت هذه المرحلة قد أديرت وفق القواعد وبنفس ترتيب الأولويات المنصوص عليها فى خارطة الطريق لوجد النص الدستورى الذى انتهت إليه لجنة الخمسين بيئة حاضنة ومواتية لوضعه موضع التطبيق بطريقة صحيحة ومثمرة، وهو ما لم يحدث، فقد تم تعطيل وإسقاط بند مهم جد فى خارطة الطريق كان يقضى «بتشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية وتمثل جميع التوجهات»، كما تم تعديل ترتيب الأولويات بحيث تم إجراء الانتخابات الرئاسية قبل الانتخابات البرلمانية، بعكس ما نصت عليه خارطة الطريق، وقبل أن تتمكن لجنة الخمسين من إكمال مهمتها، انطلقت أصوات تناشد الفريق السيسى الترشح فى الانتخابات الرئاسية، وبقبوله لهذه المناشدة تغيرت تماما البيئة السياسية المحيطة بالنص الدستورى الذى كانت لجنة الخمسين قد فرغت منه بالكاد. 

***

تجدر الإشارة هنا إلى أن اللجنة التى وضعت الدستور، والذى صدر وأقره الشعب فى استفتاء عام قبل أن يعلن المشير السيسى قراره بالترشح فى الانتخابات الرئاسية، كانت قد حرصت كل الحرص على الحد من السلطات المطلقة لرئيس الدولة، وعلى توسيع صلاحيات البرلمان بالقدر اللازم لإقامة بعض التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وعلى وضع ضمانات تحول دون تكرار ما وقع من تجاوزات ومن إساءة لاستخدام السلطة المطلقة، وهو ما عكسته مجموعة كبيرة من النصوص أصبح لمجلس النواب بموجبها صلاحيات واسعة تمكنه من مشاركة رئيس الجمهورية فى اختيار رئيس الحكومة، ومن مساءلة رئيس وأعضاء الحكومة وسحب الثقة منهم، ومن مساءلة رئيس الجمهورية نفسه وتوجيه الاتهام إليه، فى حالة انتهاكه للدستور أو الخيانة العظمى، واقتراح سحب الثقة منه وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بناء على طلب مسبب وموقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب وموافقة ثلثى الأعضاء، كما فتحت هذه النصوص، ولأول مرة منذ 1952، الطريق أمام الحزب أو الائتلاف الحاصل على الأغلبية البرلمانية لتشكيل الحكومة، ويبدو واضحا الآن أنه ما كان يمكن للجنة الخمسين مطلقا إقرار نصوص على هذا القدر من الجسارة لو كان المشير السيسى قد حسم أمره بالترشح للمنصب الرئاسى قبل أن تنتهى لجنة الخمسين من مهمتها وتقوم بتسليم رئيس الدولة مشروع الدستور الذى اعتمدته، فالأرجح أن هذه النصوص وضعت للحيلولة دون تكرار ما حدث فى عهدى مبارك ومرسى من تجاوزات ومن إساءة فى استخدام السلطة، واستلهمت بالتالى روح ثورتى 25 يناير و30 يونيو، لكن الأحداث السياسية فى مصر راحت تأخذ مسارا مختلفا.

***

لكن ما إن أصبح السيسى رئيسا للدولة، عقب فوزه الكاسح فى انتخابات رئاسية بدت أقرب إلى الاستفتاء منها إلى الانتخابات الحقيقية، حتى لاحت إشكالية كبرى راحت تطرح نفسها بإلحاح على النخبة الحاكمة الجديدة التى بدأت تنشغل بالبحث عن حلول عملية لها، فالرئيس المنتخب ينتمى إلى المؤسسة العسكرية، وليس لديه حزب سياسى يقوده، وبالتالى يفتقر إلى ظهير برلمانى قادر على تحويل سياساته إلى تشريعات قابلة للتطبيق على أرض الواقع وعلى تمكينه من إدارة الدولة بطريقة سلسة دون عوائق أو أزمات، ولو كان بمقدور هذه النخبة أن تفكر بعقلية سياسية لاستطاعت أن تتوصل إلى بدائل لحل هذه الإشكالية دون التضحية بالطابع الديمقراطى للنظام، غير أن سيطرة العقلية الأمنية أدت إلى استبعاد البحث عن حلول ديمقراطية، عادة ما تكون صعبة ومعقدة نسبيا، وترجيح كفة الحلول الأمنية الأسهل والأقل مخاطرة وتكلفة، لذا بدأت هذه الأجهزة تستسهل البحث عن نهج يمكنها من «هندسة» الانتخابات البرلمانية بطريقة تساعد على تحقيق الهدف المطلوب، وهو إنتاج برلمان مؤيد للرئيس وداعم لسياساته، دون أن تضطر الدولة للتدخل المباشر فى الانتخابات، وكانت النتيجة: قوانين مثيرة للجدل، وتحالفات غير طبيعية، وبيئة سياسية مأزومة وغير مواتية لإجراء انتخابات برلمانية تتسم بالنزاهة والشفافية وقادرة على إفراز برلمان مؤهل لممارسة دوره التشريعى والرقابى بطريقة تمكنه من العمل على تحقيق أهداف ثورتى 25 يناير و30 يونيو. 

كان قرار السيسى ترشيح نفسه فى الانتخابات الرئاسية بمثابة نقطة التحول الرئيسية فى مسار وأداء نظام تناقضت نهاياته مع مقدماته واختل التوازن تماما بين مؤسساته، فالنظام السياسى الذى يقوده السيسى حاليا، والذى يعتمد فى قراراته وإدارته على تقديرات أجهزة أمنية لا تثق فى السياسة والسياسيين ولا فى الثقافة والمثقفين، الأمر الذى أدى إلى انسحاب السياسة تماما من المجال العام، وإلى تراجع السياسيين والمفكرين تاركين الساحة لضجيج إعلامى يستخدم كغطاء لتصفية الحسابات عبر تبادل الشتائم والاتهامات، وليس هذا هو النظام السياسى المنصوص عليه فى دستور 2014، والذى كانت لجنة الخمسين، قد حددت ركائزه وطريقة عمل مؤسساته قبل أن يقرر السيسى ترشيح نفسه للرئاسة.
حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية
التعليقات