بيريز وفخ «التطبيع التكنولوجى» - خالد أبو بكر - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 4:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بيريز وفخ «التطبيع التكنولوجى»

نشر فى : الأحد 9 أكتوبر 2016 - 9:45 م | آخر تحديث : الأحد 9 أكتوبر 2016 - 9:45 م
لم تحظ مناسبة رحيل الصهيونى شيمون بيريز مصريا وعربيا بما تليق بها من جهة إبراز خطورة هذا الرجل التى امتدت بطول الصراع العربى ــ الإسرائيلى؛ ذلك أن حالة الحزن واللوعة التى بدت على وجوه المسئولين العرب الذين شاركوا فى الجنازة قد خطفت الأنظار. بدا من قسمات وجوههم أنهم ينتحبون على «صانع سلام» بحق، لا سفاح ملطخة أياديه بدماء الأطفال العرب فى قانا سنة 1996!.

بيريز قاتل ولا يقل وحشية عن صقور إسرائيل، هذه حقيقة مؤكدة، لكن خطورته الشديدة تتمثل فى رؤيته الاستراتيجية للقضاء ليس فقط على القضية الفلسطينية، بل على الهوية العربية برمتها، من خلال مشروعه الذى تمسك به حتى الرمق الأخير، وهو «الشرق الأوسط الكبير»، الذى طرحه فى أعقاب مؤتمر مدريد للسلام سنة 1991م، بهدف تغيير واقع المنطقة، بالقضاء على النظام الإقليمى العربى، وإبداله بنظام «شرق أوسطى» تكون إسرائيل هى الفاعل الرئيسى فيه، وتدخل عملية التطبيع فى هذا المشروع باعتبارها شرطا ضروريا لبناء النظام الإقليمى الجديد، إذ حدد المشروع آلية إقامة هذا النظام بعقد اتفاقية ثنائية بين إسرائيل وكل دولة من الدول العربية المجاورة من جانب، وعقد اتفاقية متعددة الأطراف من جانب آخر.

واجهت الدبلوماسية المصرية هذا الطرح بمنتهى القوة والحزم وعمق الرؤية فى عهد وزير الخارجية التاريخى عمرو موسى، الذى أفشل مساعى بيريز ورابين لتحقيق مشروع «الشرق الأوسط الكبير» على الأرض عبر اتفاق أمنى كان وشيكا فى مؤتمر «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» فى المغرب سنة 1994. كما تصدى للاندفاع العربى نحو التطبيع الاقتصادى مع إسرائيل، وأطلق صرخته المدوية التى لاتزال أصداؤها حية وحاضرة فى العالم العربى حتى اللحظة والتى حذر فيها من «الهرولة» العربية نحو التطبيع المجانى مع إسرائيل فى النسخة الثانية لذات المؤتمر فى الأردن؛ ذلك أن موسى والدبلوماسة المصرية خلال هذه الفترة كانوا يرون أنه لا تطبيع من أى نوع مع إسرائيل قبل استعادة الأرض والحقوق العربية، وبدون ذلك يصبح الأمر بمثابة «مكافأة لإسرائيل على جرائمها واحتلالها للأرض».

أفشلت الشعوب العربية وحركة رفض التطبيع مشروع بيريز فى التسعينيات، غير أنه قبل نحو أسبوعين على رحيله عاود فَحَّ سمومه مجددا فيما يخص هذا المشروع الخطير. وإن كانت حيلته لتحقيق هذا المشروع جاءت فى الماضى تحت عنوان «التعاون الاقتصادى»، فقد أخرج من جرابه هذه المرة نفس المشروع تحت عنوان «التعاون التكنولوجى».

فبحسب صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية فى 12 سبتمبر الماضى، قال بيريز «إن تعاونا تكنولوجيا بين إسرائيل ودول المنطقة هو المسار المثالى لتحقيق السلام فى الشرق الأوسط»، وذلك فى إطار مشاركته بمنتدى فكرى فى إيطاليا، عرض خلاله رؤيته لمستقبل المنطقة، مضيفا أن «التكنولوجيا الجديدة غيرت تقريبا كل جوانب اقتصاداتنا فثورة البيانات أفضت لإعادة كتابة العديد من قواعده، واقتلعت العديد من الثوابت التى كنا نعيش فيها».

اعتبر بيريز فى حيلته الجديدة لتذويب الهوية العربية «أن التعاون التكنولوجى الأوسع فى منطقة الشرق الأوسط قد يؤدى إلى إحلال السلام فيها لو سعت إسرائيل إلى تحويل المنطقة إلى منطقة شركات تكنولوجية ناشئة تعتمد على بعضها البعض»، مشيرا إلى أن «الطريق نحو تحقيق السلام لا يمر عبر الحكومات بل الأفراد».

وأشارت الصحيفة إلى أنه تحقيقا لهذه الغاية، يعمل «مركز بيريز للسلام» بهدوء فى مصر والأردن وأفريقيا لتشجيع الشركات الجديدة، لافتة إلى أن هناك بالتأكيد داخل المجتمع التكنولوجى الإسرائيلى أشخاصا يحملون نفس الرسالة، وينظرون إلى التعاون التكنولوجى فى الشرق الأوسط باعتباره فرصة تجارية كبيرة.

الخطورة فى حديث بيريز الأخير عن التطبيع وتذويب الهوية العربية هذه المرة أن العالم العربى افتقد الكثير من المناعة والقدرة على مواجهة دعوات التطبيع المجانى، بل بات يفتقد تلك النوعية الفاخرة من الساسة الذين بمقدورهم صد هذه الدعوات التى تتجاوز الحقوق والأرض والدماء العربية، بل بات لدينا من يروج لها ويتطلع إليها!.
التعليقات