بعد الانتخابات التونسية.. هل تتوحد الثقافة السياسية العربية.. أم هل تنقسم؟ - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 8:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بعد الانتخابات التونسية.. هل تتوحد الثقافة السياسية العربية.. أم هل تنقسم؟

نشر فى : الإثنين 7 نوفمبر 2011 - 12:40 م | آخر تحديث : الإثنين 7 نوفمبر 2011 - 12:40 م

تابع الرأى العام فى مصر بكثير من الاهتمام الانتخابات للمجلس التأسيسى التى شهدتها تونس. وأسباب الاهتمام ليست خافية على أحد. تطلع المصريون لمعرفة كيف يضع التونسيون، الذين سبقوهم بأسابيع فى الثورة على الأوضاع البائسة فى كلا البلدين، الأحجار الأساسية لنظام سياسى شرعى وديمقراطى يمكنهم من العيش فى ظلال الحرية، والكرامة، والعدالة، ومن استثمار ملكاتهم ومواهبهم، ومن التمتع بثروات بلادهم، وبثمار عملهم.

 

غير أن المراقب لتنظيم الانتخابات التونسية، ولنتائجها، ولسلوك الفاعلين الأساسيين فيها، قبلها وبعد إعلان نتائجها، لا يملك إلا أن يتساءل عن مصير الثقافة السياسية العربية بعد أن تتبلور نتائج الثورات التى شهدتها البلدان العربية فى العام 2011. لقد كان تتابع هذه الثورات واعتناق جل الشعوب العربية لها، شاهدين على توحد الضمير والوعى العربيين، ولكن هل تؤدى المسارات المختلفة لبلورة نتائج الثورات، والبلورة المتباينة لهذه النتائج، ومواقف الفاعلين الأساسيين منها، إلى توحد مشابه فى الثقافة السياسية، أم إلى انقسام فيها، لابد أن يؤثر على الجهود الرامية إلى تحقيق التجمع العربى الفعال، وأما الثقافة السياسية فهى مجموع المعتقدات، والقيم، والمواقف، والعادات، وأنماط السلوك التى تميز أى جماعة سياسية. وعلى ذلك، فإن قيمة الانتخابات، والمواقف المتخذة منها ومن تنظيمها، والقضايا المطروحة فيها، والثقة بين أطرافها والمرشحين فيها، هى من صميم الثقافة السياسية لأى مجتمع.

 

المراقب للانتخابات التونسية يكتشف أن تنظيم الانتخابات عهد به إلى «الهيئة العليا المستقلة للانتخابات»، وهى هيئة مستقلة عن الأحزاب الأطراف فى العملية الانتخابات، كما أنها مستقلة عن الحكومة التونسية. هذا خلاف ما يحدث فى مصر حيث تشرف لجنة حكومية على الانتخابات، لجنة بعيدة عن الشفاء التام من الأدوية التى حاقت بالانتخابات المصرية، خاصة فى دورتها المشئومة التى عقدت فى نفس هذه الآونة من العام الماضى. بل إنه فى تونس، تولى رئاسة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات معارض صريح عاش لسنوات طويلة فى منفى أوروبى. لم يتهمه أحد فى وطنيته، ولا شكك غيره فى نزاهته وحيدته وإيمانه، على الرغم من المعرفة التامة بتوجهاته السياسية العلمانية. وكانت الهيئة ورئاستها حريصتين على وضوح العملية الانتخابات وعلى شفافيتها، وللتأكيد على ذلك، قبلتا الرقابة الخارجبة عليها، فارتفع معدل المشاركة إلى التسعين فى المائة وهو مستوى لا تصل إليه أعتى الدول الديمقراطية نفسها. وأعلنت نتائج الانتخابات، فكان حزب النهضة الإسلامى الفائز فيها فوزا مبينا، ولكنه فوز بأربعين فى المائة فقط من مقاعد المجلس التأسيسى. لم يخطر على بال أحد أن يتدخل رئيس الهيئة لأن الفائز اتجاه غير اتجاهه، وكان سرور حزب النهضة عظيما ولم يقل إنه يستحق أكثر مما أحرز، وقبلت الأحزاب العلمانية بنتيجة الانتخابات ولم تشكك فى نزاهتها، بل أعلن كثير من العلمانيين أن صفتهم كديمقراطيين تحتم عليهم قبول النتيجة، وأن موعدهم هو فى الانتخابات القادمة، فإن لم يصدق حزب النهضة فى وعوده، سيسحب الناخبون ثقتهم منه لا محالة. وثق التونسيون فى الناخبين وإن لم يثقوا فى نتائج الانتخابات، وهذا شىء طبيعى، فجوهر الديمقراطية هو عدم الاطمئنان إلى نتائجها. الفوز المكفول، أو الخسارة المعروفة، مسبقا فى أى عملية انتخابية هو نقيض الديمقراطية. وليست نتائج انتخابات الحزب الوطنى بعيدة عن ذاكرتنا بعد.

 

ولقد أحرز حزب النهضة 5.41 فى المائة من الأصوات وحصل على 90 مقعدا فى المجلس التأسيسى، ولكن بقى ما يزيد على المائة والعشرين مقعدا تتقاسمها الأحزاب الليبرالية وأحزاب اليسار. غير أن المهم هو أن النهضة الذى تقدم للانتخابات وحاز ثقة أكثر من أربعين فى المائة من الناخبين، هو حزب سياسى وليس جماعة دعوية. لذلك فإن حزب النهضة نال ثقة مجموعة من المواطنين أكبر من تلك المنتمية للإسلام السياسى. وليس دليلا على ذلك أبلغ من أن قوائم الحزب فى الانتخابات اتسعت لتشمل مرشحين ومرشحات من خارج تيار الإسلام السياسى، بل إن من هذه المرشحات سافرات تصدرن قوائمهن. ويجرنا هذا إلى ملاحظة أن حزب النهضة رشح على قوائمه عددا من النساء مساويا لعدد الرجال، قابلا للقاعدة التى أرساها قانون الانتخابات، وغير مشكك فى سلامتها. ولما سئل زعيم الحزب عن مكتسبات المرأة التونسية، أكد احترام الحزب لها، بل ولحظر تعدد الزوجات، مبينا أن هذا الحظر يستند إلى رأى فقهى أصيل وليس إلى نزوة سياسى من السياسيين. كما ضمت اللجنة التنفيذية للحزب، وهى أعلى هيئاته، نساء فى عضويتها. أما عندما سئل زعيم الحزب إن كان يمكن أن يفرض على المرأة التونسية لباسا ما، أكد رفض تدخل الدولة فى الحياة الشخصية للمواطنين أو المواطنات. هذا الرفض، قال، هو الأساس فى المطالبة بإباحة الحجاب، بل والنقاب، ولكنه الأساس أيضا فى رفض فرضهما. مبنى منطق زعيم النهضة يدعو إلى الثقة فيما يقول. بالتأكيد ليست الثقة مطلقة، ولكن من جديد الثقة المطلقة فى نتائج العملية الديمقراطية هى نقيض الديمقراطية.

 

ولما فاز حزب النهضة بالأغلبية النسبية فى الانتخابات، سارع إلى إعلان الائتلاف مع حزبين يساريين ليستطيع تأمين أغلبية فى المجلس التأسيسى تؤهل لحكم البلاد، وربما للمشاركة فى صياغة الدستور الجديد. الائتلاف مع آخرين هو تفاوض معهم، وهو تبادل للتنازلات، ووصول للحلول الوسط، وكل هذا من صلب السياسة، وهو مؤشر إضافى على أن النهضة حزب سياسى يتعامل فى السياسة وليس جماعة تدعو إلى العقيدة التى لا تقبل الحلول الوسط أو التنازلات. بل إن حزب النهضة سرعان ما صرح بعد إعلان فوزه النسبى فى الانتخابات أنه يبغى إقامة نظام سياسى علمانى فى تونس، أى نظام يحمى حق المواطنين فى ممارسة شعائر الدين، بل ويمكن أن ييسرها لهم، ولكن من دون أن يعرض الدين لتقلبات السياسة، وأهوائها، وضروراتها. وهو بإعلانه هذا، احترم العلمانيين وإيمانهم بدينهم، وحماهم وحمى عقيدتهم من تهجم المتهجمين.

 

●●●

 

بعد موقف الدولة فى مصر من تنظيم العملية الانتخابات، ومن الرقابة عليها، وهو موقف مغاير تماما لموقف الدولة التونسية من انتخاباتها، أين موقف الإسلاميين فى مصر من مشاركة المرأة فى النظام السياسى، ومن احترام حقها فى المساواة مع الرجل فى الفضائين السياسى والاجتماعى؟ وأين موقفهم من علمانية النظام السياسى أو حتى من مدنيته؟ وأين ثقة الليبراليين واليسار فى العملية الديمقراطية، مع قبولهم بعدم الإطمئنان المطلق إلى نتائجها؟

 

كانت تونس الأولى فى الثورة، وها هى الأولى فى رسم الطريق إلى الشرعية الديمقراطية عبر اتخاذ مواقف، واعتناق قيم، واتباع سلوك، تنبؤ كلها، وبقدر غير قليل من الاطمئنان، بمستقبل مشرق للنظام السياسى التونسى. هل تحذو مصر حذو تونس، وتشترك معها فى الثقافة السياسية، أم هل تحيد عنها، فتبتعد الثقافتان كل عن الأخرى، وتنقسمان؟ المخلصون للديمقراطية يتطلعون إلى توحد الثقافتين، ليشرق مستقبل النظام السياسى المصرى الجديد، وليرسو حجر الأساس لتجمع عربى فعال، وكفؤ، ومتين.

إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات